الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طبائع الفساد و الفاسدين

جاسم المطير

2012 / 12 / 23
كتابات ساخرة


تضج الساحة السياسية العراقية بكثير ٍ من حمى التنافس والصراع والتنابذ بين هذه المجموعة أو تلك من الكتل السياسية البرلمانية. اتهامات متبادلة و شتائم متبادلة، أحدهم يكشف أسرار الآخر . صار رجل الحكومة والفساد توأمان، حتى غدت أقدامهم متعبة لا تستطيع التقدم إلى أمام ولا تعود إلى خلف ٍ أيضاً، مما يعني بقاء ما يسمى (العملية السياسية) شاحبة وناحلة وبعيدة عن التفكير بمصالح الشعب خاصة الفقراء والكادحين أو خدمتهم.
السؤال الأكثر إلحاحا بين الناس يريد أجابة ، واضحة سريعة، عن أسباب الظلمة المحيطة بشعب العراق ومعاناته اليومية ، خصوصا ما يتعلق بالفساد الطاغي في كل مكان وزاوية من أجهزة الدولة ، كبيرها وصغيرها. يريد الشعب أن يعرف أسباب إنطلاق رياح الفساد المالي والاداري والاخلاقي بعد رياح التغيير الذي اعقب سقوط الدكتاتورية.
مما نقرأه ونسمعة عن القادة في النظام العراقي الجديد ما بعد عام 2003 أنهم صاروا بسرعة مذهلة من طبقة الرأسماليين الأغنياء، بل أن كثيراً من القادة يتباهون أنهم من الطبقة الغنية، بما في ذلك الصنف الذي صار غنياً او راسماليا خلال السنوات العشر الاخيرة – بحكم موقعه الوظيفي - بفعل اساليب الفساد والرشاوى ونهب المال العام وسرقته على وفق أساليب ذكية لا يمكن كشفها بسهولة . كأن من حقهم تحقيق الإثراء السريع دون حسيب ورقيب ووازع من ضمير، كأن لا اعتراض عليه طالما مجتمعنا يتجه بصورة حثيثة ومتسارعة نحو الرأسمالية ،خاصة بعد سقوط الأنظمة الأشتراكية في الأتحاد السوفيتي السابق والمنظومة الأشتراكية في أوربا الغربية.
جميع المعنيين بالاقتصاد الرأسمالي وبطبائع الراسماليين أنفسهم يعرفون تماما منذ قيام الثورة الصناعية حتى اليوم أن الفساد ليس مقيما أصليا في البئر الراسمالية حسب، بل هو عواء الكلاب الراسمالية التي لا تغمض عيونها حول هذا البئر تحرسها لتساعدها في نيل أعلى أرقام المال والربح والثراء على حساب جوع وبؤس وحرمان الطبقات الفقيرة . هذا العواء وهاتهِ الطباع ممتدة كل أنواعها وابتكاراتها منذ ذلك الزمان في جميع بلدان العالم، بما في ذلك بلادنا بطالعها الحالي، حيث اشتعلت نار الفساد فيها مضيـّعة سفينة الكادحين من ابناء شعبنا في بحار الفقر ومتاهاة العوز رغم أن أرضنا فيها ثروات على امتداد الرمل اللامتناهي .
إن صعود البورجوازية العراقية الجديدة الى دست الحكم بعد نيسان 2003 يؤكد حقيقة أساسية واحدة هي أنهم لا يشكلون غير (أقلية) بالنسبة الى ارادة الشعب فـ(الغالبية العظمى) من ابناء شعبنا هم من الفقراء لا يملكون أي نسبة من الرأسمال الوطني وهم يعيشون تحت خط الفقر ، كما تشير إلى ذلك تقارير هيئة الامم المتحدة. كما أنهم لا يجدون من يمثلهم تمثيلا حقيقيا في البرلمان المفترض بقراراته وتشريعاته أن يكون ممثلا لمصالح (أكثرية أبناء الشعب) ، لكن (غالبية النواب) تحولوا مع الأسف الشديد الى (طبقة رأسمالية) تركض، بسرعة جنونية، نحو ضمان مصالحها الذاتية في الحصول على أقصى ما يمكن من المنافع المالية البلورية في الاستحواذ على أعلى الرواتب والمخصصات والأراضي السكنية والقصور والسيارات المصفحة والوهّاجة حتى ترامت تلك المخصصات الى حدٍ مخجل ٍ كان آخرها تخصيص 750 الف دينار شهرياً لكل واحد منهم (مخصصات القرطاسية) وهي من أغرب المنافع التي لا مثيل لها في أي بلد بالعالم الراسمالي كله، رغم أن أكثرية نوابنا لا يقرؤون ولا يكتبون مع ما يحملون من شهادات جامعية ، مزوّرة أو غير مزوّرة..!
من الغريب بذات الوقت أن الطبقة البورجوازية – التجارية – الحكومية – البرلمانية، بأغلب عناصرها تدّعي ليس بالانتماء إلى المباديء الوطنية، بل تدّعي ( التدين الاسلامي) وتمارس محاولة استغلال الطاقة الدينية النبيلة المكنونة في أعماق المجتمع وسطوحه لتحقيق مآربها الشخصية والتستر على فسادها المالي والاداري والسياسي بسيف الدين ومحبرته. كما تستند الطبقة الرأسمالية السياسية الفاسدة بذات الوقت إلى نشر الثقافة الظلامية المتفحمة منذ عصور غابرة بين الطبقات الفقيرة ذات الاكثرية الأمية بقصد نشر شرائع البؤس وزيادة جهل الناس المساكين وأميتهم للسيطرة على أصواتهم الانتخابية .
طالما ظلت بلاد الرافدين أكثر بلدان العالم فساداً، وطالما وُجد بين رجال الدولة طمع بمالها ومناصبها فأن ليالي الحزن لن ترحل منها وسيظل الألم هو الخبز اليومي الذي يتناوله المواطن العراقي إلى حين ٍ ليس قصيراً من هذا الدهر الضائع .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب وروائي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن


.. سلمى أبو ضيف قلدت نفسها في التمثيل مع منى الشاذلي .. شوفوا ع




.. سكرين شوت | الترند الذي يسبب انقساماً في مصر: استخدام أصوات