الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكاتب أكرم البني بين الإيمان والتمني

يوسف العادل

2005 / 3 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ثمة نقطتان سأحاور فيهما الكاتب أكرم البني في مقاله المنشور في الصحيفة الإلكترونية( الحوار المتمدن) عدد 1138 تاريخ 15/3/2005 بعنوان( السورية في لبنان محددات وتحديات):
أولاً :لقد دخل الكاتب أكرم البني إلي ساحة الحوار مع الذين عالجوا تداعيات الأزمة الراهنة في العلاقات السورية اللبنانية واحتمالات تطورها وأجابوا على السؤال البسيط المطروح والمتعلق بموقع مصلحة المواطن من كل مايجري، وهو يتأبط في مواجهتهم، الرأي( الخيار) الأفضل والأسلم،كما ورد في المقال،وباعتبار أن الحقيقة رجحت أو احتكرت لديه هكذا في جبة اسم التفضيل ( أفضل، أسلم)، فإنه بذلك يكون قد صادر الحوار(من البداية) أصولاً،(الأصولي: كل من يدعي احتكار الحقيقة)،معتبراً آراء ودفوعات أولئك أشبه بحجج وذرائع، أكثر مما هي حقائق على الأرض.
وأعتقد أن الموضوع اللبناني الآن(آذار2005) تتناهبه جملة تصورات مرتبطة بالطبع إيديولوجياً بمصالح متنوعة ومن حق كلِ من أصحاب هذه المصالح التفاعل الديمقراطي الندي الحر في بوتقة الحوار الخلاق بحيث تشق المرجعية المعرفية طريقها وسط عملية تقاطعات معقدة، ’يحك فيها وعي الأطراف ويتفاعلون(ماداموا ليسوا أعداءً) إلى أن ترسو الفكرة المشتركة(بما فيها خيارات وأفكار كاتبنا أكرم) على بر القناعة بهذه الفكرة أو بمعارضتها، ولكن ليس من باب إقصائها إقصاءً وصائياً، أصولياً( قمعاً أو وعظاً) وإنما بتمثلها في الإطار العام للوعي الاجتماعي على أنها من مكوناته، ولها الحق في العيش المشترك مع أقرانها الأفكار الأخرى، وبالتالي يضمن الجميع أن المصلحة العليا( القاسم المشترك،وبالتالي الخيار الأفضل والأسلم) باتت مرئيةً و ممكنةً وقيد التنفيذ والتحقق وتقاسم المسؤوليات الاجتماعية، ولا نشهد هنا تنفيذاً معلقاً أو محظوراً على أي خلفية وصائية أوهيمنة للطرف السائد طبقياً وسياسياً كما يفعل النظام السوري في الموضوع اللبناني حيث يسطو منذ زمنٍ على الساحة اللبنانية والساحة السورية، وحيث ينعدم الرجاء في فتح باب الحوار معه أساساً (بله إمكانيات الإصلاح فيه) وذلك كما سنرى في الفقرة التالية.
ثانياً :لقد لجأ الكاتب أكرم البني إلى إسداء النصائح للنظام السوري أووعظه بأن يسير ’قدماً نحو الإصلاح الديمقراطي والانفتاح على المجتمع وقواه الحية بما يعيد صياغة الشرعية السياسية على أسس جديدة، وتأسيس عقد اجتماعي في الحياة السورية، لتصليب مواقفه في مواجهة الضغوط..الخ لاشك بأن هذه النصائح لاتأتلف مع منسيات الرأي العام السوري(الذي قطع أية آمال في الإصلاح لدى النظام السوري) ولا تأتلف كذلك مع الأسس النظرية السياسية التي تعلمها وخبرها الكاتب جيداً في حزب العمل الشيوعي في سوريا وهو القيادي البارز فيه، وفي طليعة العارفين بأن بنية النظام السوري(ومنذ نشأته قبل عقود) لا تنطوي على أية معطيات وإمكانيات عضوية مجتمعية(سياسية ،اقتصادية، إيديولوجية ) تستدعي نشدان أية آمال في الإصلاح الذي ’يفترض أن ينطلق من ضرورات بنية هذا النظام ،( لوكان غير هذا )، ومن مكوناتها المجتمعية، حيث التقاطع مع غنى وتنوع المصالح لطبقات وفئات وشرائح المجتمع، وهذا غير قائم أساساً في الحالة السورية التي دمر فيها النظام السوري وخرب وشوه قسمات وملامح المجتمع السوري عميقاً، وبالتالي فحينما يراهن الكاتب البني على إصلاحات ممكنة للنظام السياسي السوري، فإنه يجرنا إلى مايشبه الحالة الإيمانية في استسقاء هذا الإصلاح خارج شرطيه الذاتي والموضوعي وممكناته(نظام وطبقة وعلاقات إنتاج وبناء فوقي ودورة حياة مجتمعية يشعر فيها الجميع بانتمائهم إلى مقومات وأرصدة حياة يشاركون في صنعها ( مأكل وملبس ومشرب ومأوى وشريك حياة) وبأنهم سيدافعون مختارين عنها وعن هذا الانتماء وعن هذه المواطنة.
وأعتقد كذلك أن ثمة فرقاً جوهرياً بين أن تسقط ثمار تنازلات النظام تحت ضغط وإكراه أزماته أونضالات المعارضة، في سلة الحراك السياسي الناشب والمعارض، وبين أن تكون هذه التنازلات والمكاسب السياسية ثمرة إصلاحات دورية ضرورية ضرورة حياتية لنظام العقد الاجتماعي المعروف في سلم التطور التاريخي والمرجو في غير حالة النظام السوري الذي لأاعتقد أنه دعا أحداً أويدعوإلى أية وليمة عطاءات مجانية خيرية في حيز الممارسة السياسية للمجتمع، فنفوذ هذا النظام وثروته ومصالحه الضيقة الأنانية خطوط حمراء لايبلغها غير طوال العمر،مالم يتم التنازل بشتى أشكاله عن هذه الخطوط الحمراء.
ولاشك أن المسار التاريخي للنظام السوري قد شهد التنازلين التاليين مادام لابد من التنازل:
1 . تنازل خطاب القسم الذي أطلق فيه خدعة ربيع دمشق المزعوم ، وكان تنازلاً ورقياً احتفالياً ببداية عهد الرئيس الشاب وتجميلياً بامتياز، لكنه آل إلى مايشبه الورطة الداخلية حيث انبثق الحراك السياسي الذي عرفته سوريا، والذي لاتزال أجهزة النظام تعالجه بالطرق القمعية المتاحة خلف ظهر المتغيرات الدولية إلى أن تتاح الطرق القمعية القديمة التي يعرفها جيداً الكاتب البني، لسحب مفاعيل الحراك واستحقاقاته من التداول كي لا يتطور ويتنامى ويتكرس معلماً نضالياً راسخاً ينتزع التنازلات ولا يتسقطها خيريةً.
2. خطاب الانسحاب في 5/3/2005 الذي أعلن فيه الرئيس السوري تنازله عن لبنان بانسحاب الجيش وأجهزة المخابرات السورية منه تحت وقع الضغوط غير المسبوقة التي تؤشرتاريخياً إلى انعدام الطواعية في تعامل النظام السوري مع الساحة اللبنانية التي كما تعرضت(1976) للعبة لصوصية اشترك فيه الجميع(أمريكان وصهاينة ونظم عربية ودولية وبالطبع النظام السوري )، فإن هذه الساحة تتعرض الآن لنفس وقائع اللعبة اللصوصية(2005) وذلك بعد تسعة وعشرين عاماً استبيح خلالها الشعب اللبناني وقواه الحية أسوة بالشقيق السوري .
وأعتقد أنه في نهاية المطاف ليس من المفيد أن يشارك الكاتب أكرم البني( وهو أحد فرسان الرأي على الساحة السورية) في شد الوعي الاجتماعي إلي خارج جغرافية الحقيقة البسيطة المتداولة حول ألف باء نفض اليد من النظام السوري،وزيادة أرصدة الوهم في خزينة هذا الوعي، كما أعتقد أن التماس هلال الإصلاح في سماء هذا النظام لن يجلب غير الخيبات المريرة ، مادام بروتوس هذا الشعب( قواه الحية وفرسان الرأي فيه) يستدرجونه من حيث لم يحتسبوا إلى طقوس إصلاح مالا يمكن إصلاحه.
يوسف العادل
18/3/2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خطوة جديدة نحو إكسير الحياة؟ باحثون صينيون يكشفون عن علاج يط


.. ماذا تعني سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معب




.. حفل ميت غالا 2024.. إليكم أغرب الإطلالات على السجادة الحمراء


.. بعد إعلان حماس.. هل تنجح الضغوط في جعل حكومة نتنياهو توافق ع




.. حزب الله – إسرائيل.. جبهة مشتعلة وتطورات تصعيدية| #الظهيرة