الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة المصرية و مخاض الانتقال الديمقراطي

محمد حمزة

2012 / 12 / 23
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


اعتبرت ثورات "الربيع العربي" لحظة تاريخية غير مسبوقة ، كتب فيها الشباب العربي و المغاربي فصلا جديدا من كفاحه من اجل الانعتاق ، الكرامة ، المساواة ، الحرية و الدمقراطية. ثوار "النيت" و المعرفة الحديثة لم يستبشروا بمجتمع جاهز سحري وحتمي لاهوتي كامل و مكتمل، بل اعلنوا انهم ذاهبون لبناء مجتمع افضل ؛ مجتمع تكون فيه لحظة الاتفاق على الحاكم لحظة للدفاع عن الحرية وبناء مجتمع المواطنة الذي ينبذ ثنائية " الكفر – الإيمان " السياسية و يقلص فضاء المقدس ، و يسيد رابطة القانون ،و المساواة بين الرجل و المرأة ، و يصون حقوق الأقليات ...
في مصر انتفض الشباب الثائر في وجه نفسه ( عبر كسر حاجز الخوف ) تم عمد الى تحديد هوية انسانية عنوانها الكرامة و حريات الفرد و حقوقه السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ...وحقه في المشاركة و تقرير المصير.
والثورة المصرية لا تبتعد عن كونها ضد العقل " المكون " على الحاكمية او "المستبد العادل"، لصالح حاكمية الشعب. فالشعب هو الذي كان يريد ، موضوعيا ، اسقاط الاستبداد و الفساد و بناء الدولة الديمقراطية العصرية رغم النجاح الانتخابي الكاسح للحركات التي تنهل من السياسات اللاعقلانية و من "فكر" التداخل بين العقيدة والفضاء العام , والتي لم تحسم مشكل الديمقراطية بصورة نهائية . النجاح الانتخابي للاخوان المسلمين و التيار السلفي في مصر يعيد مرة أخرى سؤال العقلانية السياسية (وهو سؤال الحداثة الجوهري) إلى الواجهة بعد أن غيبته ثقافة الاستبداد. فهل ستكون هذه الثورات هي نهاية الخرافة السياسية؟ أم انه سيكون أشبه ب 1848 في أوروبا ؟. فإلى أي مدى قد تصل تلك المقارنة؟ يبدو ان الوقت لازال مبكرا كي نتمكن من تحديد ذلك.
في أوروبا، انتهت ثورات 1848 التي بدأت باسم الحرية والديمقراطية، و انتهت بإنشاء أنظمة ديكتاتورية .فمثلا، بفضل ثورة 1848 بفرنسا (الايام الثلاث الخالدات) جاء لويس نابوليون الى السلطة، حيت فاز في الانتخابات الرئاسية باغلبية الاصوات. لكن وبعد ثلاث سنوات، اصدر دستورا جديدا ركز فيه كل السلط بين يديه، ثم اعلن نفسه امبراطورا تحت اسم نابوليون الثالث (وهو بالمناسبة ابن اخ نابوليون بونابارت). استمرت امبراطوريته الى سنة 1870 سنة الانهيار بعد الهزيمة في معركة سيدان امام الجيش النمساوي.
فهل مرسي الآن يشبه نابوليون الثالث؟ وهل من الممكن أن يحدث الشيء نفسه في مصر؟ الإجابة هي أننا لا ندري. وعلى الرغم من ذلك، فيمكننا القول بأن إسقاط الاستبداد مدخل أساسي ،لكنه غير كاف للانتقال إلى دولة الحرية والديمقراطية.
الانتقال الديمقراطي في مصر يشهد الان ولادته العسيرة و المتعثرة نتيجة عوامل متعددة من بينها :
- الاستفادة الانتخابية للتيار الاصولي ( الاخوان و التيار السلفي) مما يستبدل شعار الثورة بشعار " الاسلام هو الحل " ، وتصبح المرجعية الاسلامية فوق الديمقراطية و تقزيم هده الاخيرة في صندوق الانتخاب فقط او لصالح حكم الاغلبية.
- معضلة الاعلان الدستوري للرئيس محمود مرسي الذي طالب ب"ديكتاتورية مؤقتة" تؤسس لدكتاتورية قائمة على حكم الرجل الاوحد ، يصعب الخلاص منها.
- محاولة فرض دستور "الاخوان" لا يستجيب للمعايير الديمقراطية ، دستور يفرق المصريين بين من مع الشريعة و من ضدها، و يجمع المتناقضات : مشروع التحديث و مشروع التيوقراطيا المقنعة، والتنصيص في الدستور على الاخذ برأي علماء الازهر حصرا في الشؤون المتعلقة بالشريعة الاسلامية مما يعطي لهؤلاء العلماء الحق في تفسير الدستور بدل المحكمة الدستورية العليا.
فاذا كانت الثورات لا تقود حتما الى ديمقراطية جاهزة ، فان الثقافة السياسية متغير مهم في تفسير و استشراف الديمقراطية. فواحدة من انماط التحول الديمقراطي هي الضغوط من اسفل الهرم السياسي. وهذا ما تعيشه الحركة المدنية المصرية الان من مقاومة مواطنة للدفاع عن الحقوق و الحريات و مدنية الدولة ، مما يبقي الامل في تغيير موازن القوى لصالح التغيير الديمقراطي الشامل و انبعاث مواطنة لازالت تعيش مخاضا .
الديمقراطية لا تعطى، بل تنتزع، و انتزاعها يعني انها معركة طويلة و النضال الشعبي من أجل الديمقراطية هو شرط قيامها و مدخلها الحقيقي. انها سيرورة معقدة و مركبة تحتمل التقدم و التراجع، الفشل و النجاح. فإعادة توزيع السلط في أي مجتمع من المجتمعات ليست قضية نظرية ، ولكنها تستدعي معركة حقيقية. ذلك أنها تمس مصالح فئات و طبقات حية موجودة على الساحة، وقادرة على الحركة والدفاع عن مكتسباتها. كما ان تكريس الحريات السياسية ليست هي الأخرى أيضا مسألة أخلاقية ، و لكنها مرتبطة مباشرة بالتوزيع المادي للموارد. فمتى تمكن المواطنات و المواطنون من حرياتهم السياسية، صار بإمكانهم الاعتراض على الاستخدام الاحتكاري لهذه الموارد من قبل نخب دائمة وقائمة.
ان بناء قوة ديموقراطية منظمة تعد مدخلا اساسيا لإعادة بناء ميزان القوى من اجل الضغط على الاسلام السياسي للكف عن تلاعبه بالحقوق و الحريات و بهوية الدولة .فمعركة الدستور تتطلب من الحركة الديمقراطية المصرية عملا منظما و طاقة نضالية عالية ، فهو اخطر من ان يترك "للإسلام السياسي " وحده و للا عقلانيته السياسية.
بالطبع ، تحول مصر الى دولة مدنية ديمقراطية حديثة امر لن يتحقق بين عشية و ضحاها ، فهي ولادة عسيرة و قد تتم على نحو طبيعي او بتدخل الاطباء لإجراء عملية قيصرية ، لكن المؤكد النتيجة لها علاقة بمدى قوة و حيوية الجبهة المدنية الديمقراطية.
إن الديمقراطية لن تخرج من قلب المجتمعات كما يخرج الجنين من بطن امه ، انها ثمرة مخاض و صراع طويل و النضال الشعبي هو شرط قيامها و مدخلها الحقيقي.
ان استمرار مقاومة شباب الثورة الان و الاتفجار الشعبي الهائل الدي ادخل كثل هائلة من الشباب الى معترك النشاط السياسي ، يبقي الامل في انبعاث المحتمل الديمقراطـي. فغالبا ما عاينا خلال مجرى التاريخ ، يقول "ادغار موران" كيف ان اللامحتمل قد يتحقق اكثر من المحتمل . فلنتعلم كيف نراهن على ما هو غير محتمل الان ، أي نهاية اللاعقلانية السياسية و بناء الدولة المدنية الديمقراطية العصرية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة