الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقعد في مكان عام

زهية خليل

2012 / 12 / 23
الادب والفن


مقعد قي مكان عام
جلست على مقعد مهترئة جوانبه في حديقة عامة بعد أن قررت أن اقضي الوقت حتى يحين موعدي مع صديقتي , أخذت أجول بناظري في المكان ,حيث كانت أوراق الشجر الجميلة بالألوان المتعددة كألوان الزهر احمر واصفر واخضر تكسو الأرض, وتعطي جمالا خلابا وأخذت أنفاسي ترتاح في صعودها وهبوطها, تداعب أفكاري حول الحياة والجمال في الكون والرغبة في التغيير كالأشجار , كي لا يقف القلب عند ماضيه, وتتوقف الرغبات , ويكسو الموت أجنحة الانطلاق والإحساس بالحرية , لحظة الاستقلال حينما نكبر وتكبر الأشياء معنا إما بالزمن أو تشيخ بالأفكار أو تتآكل في محتواها وتبهت رونق الأشياء, ..ولكن لغة الشجر تساوقت مع أفكاري حول التغيير من اجل اكتشاف لغة الأشياء من جديد, وبهدوء بعد أن ترك الأولاد أماكنهم وهاجروا لاماكن أخرى لم يودعوها على أمل الرجوع إليها, ولكن رجوعهم لم يحمل موعد بل حمل كل معان الهجران والوجع والنسيان , ولطالما فكرت في قدرتهم على نسيان وجهي الذي حاصرهم طوال أعوام عديدة , وحضني الذي لم يغادرهم سوى في الواقع, إنهم أجساد انفصلت عن جسدي ولكن مازلت أتحسس أيديهم وأتنفس أنفاسهم واشتم روائحهم ورائحتهم , يالهم من أطفال رائعين تملكتهم الشقاوة والعفرتة ..وتملكني معهم الصبر والحب حتى كدت أدمنهم واخنق أحلامهم وأفكارهم من شدة ما أغلقت حضني بهم ,ولكنهم باغتوني وتحرروا من ذلك الحضن الذي مازال يحتفظ بنفس الدفء والمكان والشكل حتى أشفق على نفسي وأتحول لطفل يدخله ثم يخرج من شدة حرارته .
وتخيلت أولادي كيف تكون أحضانهم مع أطفالهم , وكيف تسير الحياة للأمام دون الرجوع , ولم يكسر جمال مخيلتي سوى صوت سيدة أزاحتني دون استئذان جلست بجانبي , يعلو صوت أطفالها الخمسة حولها ,وأصبحت تصرخ وتنهرهم ..
- ابتعدوا عني اذهبوا والعبوا ..حلو عني ..
جاء أصغرهم لها يبكي وأخذت تنهره :
- مفيش فلوس روح مش راح اشتريلك بوظة .
ولكنه رفض أن يتركها وكلما نهرته التصق بها أكثر, تذكرت حينها قول صديقتي حينما مررنا بطفل يبكي ويلحق بأمه وهي غير مكترثة , قالت لي صديقتي وهي تضحك :
-.سيبقى هذا الطفل طوال عمره يلاحق أمه وهي تصده وسيكون حريص على رضاها بينما نحن الذين نجري وراء أطفالنا ونعطيهم عواطفنا سنبقى نجري وراءهم ليعطونا
حينها ضحكت مطولا ونهرتها بأن هذه الملاحظة ليست قانونا نفسيا لتفسير علاقات البشر , ولكن إحساس الشفقة تملكني على الطفل ونسيت حينها أن أشفق على نفسي ..فالمشهد يتكرر دائما, الشيء ونقيضه وتدور حوله أقدار العلاقات البشرية بشكل أو بآخر ,
ازدادت الأصوات حولي ولم انعم بالهدوء الذي حلمت به وأنا قادمة من بيتي كي أتنفس طعم الحرية والهواء المنعش ..لأجد تلك المرأة تنتهك خصوصية المكان وتكرر دورة الحياة ..مددت يدي بشواكل معدودة وأعطيتها للطفل كي تنعم الأشجار بالهدوء مقابل قليل من البوظة , خرجت وفي طريقي كان الطفل أمام عربة البوظة يزاحم إخوته الذين شاركوا فمه نفس لحسة البوظة ..وتناثرت البوظة مع الصراخ , الذي تتبعني حتى وصلت لمكان صديقتي التي استقبلتني بابتسامة مشرقة لنبدأ يوما بذكريات جميلة وجديدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي


.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل




.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي