الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاسيتي

أحمد أمين نصر

2012 / 12 / 23
الادب والفن


تاسيتي
في قديم الزمان يحكي أن ....
يحكي أنه في المملكة السوداء ....
كان هناك معلما حاذقا يربي أطفال القرية و يجد متعته في تعليمهم تلاوة كتاب الأخلاق إلي جانب قواعد اللغة و الحساب. تعود أن ينتظرهم بعد صلاة منتصف النهار من كل يوم من أيام السنة. أما أيام الجمعه فكانت مخصصة لمجموعته المفضله من الأطفال و هي سبب شهرته في وسط المعلمين. خمسة أطفال بكم و ثلاثة عمي و طفلان قادران يقومان بمساعدته في تدريس الثمانية الأخرين. حبه لهذه المجموعة فاق كل شيئ فكانت كالإبنه الثالثة له بعد توأميه تاهوت و تاسيتي.
تاهوت و تاسيتي كانتا من أجمل و أرق بنات القريه، و يضرب بهما المثل في حسن الخلق و حب الناس. أما تاهوت فكانت تحفظ كتاب الأخلاق عن ظهر قلب و تتلوه للاطفال حتي يصل أباها بعد فراغه من صلاته بالناس وسط النهار في المعبد الكبير.و تاسيتي كانت مولعة بتحضير الطعام و مساعدة أمها في الإعتناء ببقرتهم الحلوب فتأخذها للحقل لترعي ، ثم تعيدها للمنزل فتحلب لبنها ، و تصنع منه الزبده والجبن فتأخزهما الأم للبيع في السوق.
أما الأم فهي سيدة فاضله ترعي زوجها و تقدر عمله و تتابع توأمتيها و تدللهما و تدعوا الرب دائما أن يرزقها مولود يحما إسم المعلم. في أول النهار تنهض مع زوجها الي الحقل حاملة معها طعام افطاره ، ثم يعودان حين ينتصف النهار مارين بالمعبد الكبير حيث يقودان أهل القرية في الصلاة. و بعد إنتهاء الدرس يتناول الجميع طعام الغذاء و ينهض المعلم للعمل في الحقل و يعود في الليل فيصلي الجميع صلاة الغروب ثم يلتقون علي مائدة الطعام يأكلون و يتسامرون و يحكي المعلم قصصا قرأها علي جدران المعبد الكبير و يستمع لحكايات توأميه و ينصت لهمسات زوجته و يقودها لغرفتهما ثم يصليان سويا و يرتلا دعاء الليل من كتاب الأخلاق قبل ان يستسلم كل منهما للأخر شغفا و مودة و حبا و أخيرا يسدلا ستار النوم حتي يآتي الصباح.

اليوم المشهود؛
و لما تبين لهما الخيط الأبيض من الأسود من فجر الجمعه أخذا يتلوان صفحات الكتاب و نهضا سويا للصلاة و همس المعلم قائلا “يا أم البنات طلبتني السماء ، علني أقيم الصلاة بالغار و أبتهل للرب طلبا للبركه و الزرية الصالحه و أن يحل السلام علي القرية.”
بادلته الهمسات قائلة “ بإسم الرب أبشرك يا معلم بأني حامل وقد أخبرتني السماء بأنه يرثك يا أبا هوسين و يقيم في الناس أخلاق المعلم الأول” فتهلل المعلم و دمعت عيناه مناديا رب السماء “ الغار الغار إذا و الصلاة و التعبد”

ركب المعلم حماره و قبل زوجته و أوصاها بما في رحمها و البنات و البقرة و الأطفال القادمون للدرس وواعدها اللقاء بعد صلاة منتصف النهار. قبلت يداه و علقت زاده علي الحمار ، و أخذت تتمتم بكلمات داعية لله بسلامة العوده.
قصوا أثارهما فوقفوا علي باب الغار و نظروا لما نسجه العنكبوت فقطعوه بسيوفهم قائلين “لا يلدغ المؤمن من غار مرتين”، و إذا بالحمار يفصل بينهما دفاعا عن المعلم الذي أخذ يتلو الفصل الأول من كتاب الأخلاق “أنا الله”. عشرة رجال ملثمون علي أحصنة ضربوا الحمار بالسيوف فسقط رأسه عند قدمي المعلم . رفع المعلم رأسه للسماء محدثا فشقه سيف إلي نصفين فخرجت “أنا” من ناحية و “الله” من الناحية الأخري و سقط كتاب الأخلاق في بركة من الدماء. أخفوا الدماء و رفعوا اللثام ثم ولوا عائدين، منتصرين، مكبرين.
هبت عاصفة رملية هوجاء و إهتز البيت فقالت الأم “مالها” و نادت توأمتيها و إحتضنتهما و صرخت “ سأذهب إلي الغار و أعود مع المعلم و الحمار، وأنت ياتاسيتي فلتأتي بالبقرة من الحقل، و لتنتظري بالبيت يا تاهوت تراعين هؤلاء الأطفال العشره حتي نعود جميعا”
أغلقت تاهوت أبواب الدار و أجلست الأطفال في وسط الصحن و صعدت لحجرتها و فتحت النافذة المطلة عليه و أخزت تتلو للأطفال حكايات كتاب الأخلاق و تنظر من النافذة الأخري علي الطريق علها تلمح القادم من بعيد.
و هالها مارأت و فزعت حينما إغتصبوا الباب عنوة و وقفوا في صحن الدار وسط ذهول الأطفال و بكائهم ، عشرة ملثمون يعيثون في البيت خرابا، وقفذت من النافذة إلي الصحن لتحتضن الأطفال فإنقضوا عليها كالذئاب المفترسه فقنصوها و صعدوا بها للغرفة و هي تصرخ و تأن، وتركلهم برجليها وتعضهم بفكيها، وتعلق الأطفال بكوة مخفيه بنافذة غرفتها و تناوبوا عليها منفعلين بما يحدث.
أغلقوا النافذتين و باب الغرفة و سط صياحها و عويلها ، فصلبوها أربعة منهم حيث إعتلاها كبيرهم فيعلو صراخها، فيآتيها الثاني و هي تولول، ثم ثالثهم يقذف بها فيرج صياحها البيت. و فجآة ضاع صوتها و بردت أطرافها و تجمد فيها الإحساس وإلتفت عيونها و سقطت جفونها فتناولها الأخرون ضاحكين ساخرين و لكتاب الأخلاق ممزقين و لما إنتهوا منها جميعا إمتطوا أحصنتهم ثم ولوا عائدين، منتشين و مكبرين.
همت الأم في السير حتي مدخل الغار فراعها أثار الحمار و حوافر الأحصنة العشرة و الأرض المخضبة بالدماء، وأخذت تتلو من الكتاب” أنا الله “ و الغار يردد معها حتي رأت المعلم نصفين و الكتاب مشبعا بالدماء فإختفت فيه الحروف و الكلمات ، فوضعته علي قلبه الدافئ ثم دفنت الجميع وتوجهت عائدة نحو البيت .ذلك أخر عطاياه لنا
“ياأماه، ياأماه وضعت البقرة عجلا بعد مخاض طالت أوجاعه”، قالت تاسيتي و هي تجري ناحية أمها، فإحتضنتها و قبلتها و حمدت الله علي السلامة.و فجأة سألت “أين أبي يا أمي؟ ، أين المعلم؟”
“ذهب للقاء رب السماء والمعلم الأكبر ، صرع الشر الخير حينما تغلب الحقد علي الحب” قالت الأم واضعة يد تاسيتي علي بطنها لتحس مابها و أضافت “ ذلك أخر عطاياه لنا يا أخت هوسين” ثم أسرعا ناحية الدار بعيون دامعة و قلوب واجفه و أقدام متردده.

علا صريخ الأطفال و إحتشد أهل القرية جميعا ، و عاينوا الدار و حملت الأمهات أطفالهن ، و رأي الرجال تاهوت مسجية علي الأرض ، هامدة عارية تخفي عورتها بكتاب الأخلاق الممذق فإنتشلوه منها وأشاحوا وجوههم بعيدا ثم خرجوا يتنادون و ينتظرون حكماء المملكة السوداء.
إنتصف اليوم و بدت الشمس شاهدة في وسط السماء غاضبة متحفزة لأبناء الأرض و نورها أسئلة ملتهبة عن خير ضاع و حب خفت ، و عيون أهل القرية شاخصة حائره تبحث عن الحقيقة الساطعه و روح تاهوت الضائعه.
وصلت الأم و تاسيتي ورأت الشر في العيون فصرخت مدوية في عنان السماء “تاهوت، تاهوت، تاهوت” و إذا بعشرة حكماء علي أحصنتهم يتقدمون الناس متوشحين السواد و علي رؤسهم عمامات مرصعة بكتاب أخلاق من ذهب و منقوش عليها “ الحق فوق الخير و الشر” ثم نادوا جميعا “ الشهود ، الشهود، المحاكمه”
إنبري الطفلين القادرين دفاعا عن تاهوت وصراعها مع الذئاب البشريه و خاصة كبيرهم و من تلاه، فإبتدأ الحكيم الأول و الثاني بحكم الفضيلة و البراءة.
ثم جاء دور العميان، فبدأ أولهم بصراخ تاهوت و إنتزاعها إلي غرفتها ورجة البيت في المرة الثالثه، فأمن ثالث الحكماء علي ماسبق من الحكم.
ثم حكي ثانيهم و ثالثهم عن صمتها و ضحكاتهم، فظهر الغضب علي الحكيمين فقررا أنها الرزيلة و الحفرة.
و ختم البكم الخمسة الشهادة بحركات أياديهم، يد فوق تتحرك ذهابا و إيابا و تحتها يد ثابته ، خمسة مرات فكان ذلك دليل الحكام الخمسة علي أنها الرزيلة و الحفرة.
إصطف الحكماء العشرة، وتحسسوا عماماتهم و لمسوا بها كتاب الأخلاق الذهبي و وجم الناس وأنصتوا لسماع الحكم. أمر كبيرهم مساعده بأن يأتي بالزانية و يضعها علي حصانه فتأخذها أمها إلي الحفرة.
عشرة شهدوا ان عشرة اغتصبوا و عشرة حكموا، سبعة بآنها ملعونة و ثلاثة ضاع حكمهم و تاهت “لأ”هم حينما أختفي صوتها و مات جسدها وخافت الأم علي تاسيتي و هوسين فأخذت تبكي و تتلوا من كتاب الأخلاق “ و إذا الموؤدة سؤلت بأي حق أُغتصبت، و ضاع صوتها ونهبت و بأي ذنب في التراب وضعت و في وسط النهار روحها صلبت” و هي تهيل التراب علي تاهوت و علي وجهها . وتاهوت تقبل و جهها و تزيل عنه التراب ناظرة للحكماء العشرة و مشيرة إليهم.
و عند خروج أخر أنفاس تاهوت إنفض الجمع وهم واجمين و الحسرة تملأ قلوبهم و إنطلق الحكماء العشرة عائدين منتصرين و مكبرين. حينئذ لمحت الأم أثار الدماء علي ذيول الأحصنة وأرجلها فبادرت تاسيتي قائلة “سيعودون ليلا ،فلنترك الدار ونذهب للغار،و بعد الغروب نعود و نحضر زيتا فإذا دخلوا سيغلقون الباب من ورائهم فنقوم بإشعال النار في المنزل و الزيت فيعرف أهل القرية الحقيقة و ينفذ فيهم حكم السماء”








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي