الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عروس مجدل شمس

صبحي حديدي

2005 / 3 / 19
الادب والفن


ما خلا «زهرة الجولان»، الشريط الوثائقي للروائي والناقد والسينمائي صلاح دهني، واعتماد مدينة القنيطرة مكاناً وحاضنة للسيرة الذاتية في فيلمَيْ محمد ملص «أحلام المدينة» و«الليل»، لا يظهر الجولان في السينما السورية إلا في إطار الموضوعات السياسية والدعاوية التي تعالج وقوعه تحت الإحتلال الإسرائيلي سنة 1967. ولهذا يصعب على سوريّ مثلي أن لا ينتابه مزيج من غصّة وحسرة إذْ يكتشف أنّ أفضل ما قدّمه الفنّ السابع عن الجولان هو، حتى إشعار آخر قصير الأجل كما يُرجى، الفيلم البديع «عروس سورية» The Syrian Bride للمخرج عيران ريكليس... الإسرائيلي!
وليس الأمر أنّ الفيلم إدانة دامغة صريحة وذكيّة للإحتلال الإسرائيلي، أو استكشاف نزيه وصادق لتشبّث أهل الجولان بالهوية السورية رغم كلّ مشاقّ ومصاعب الحياة في ظلّ الإحتلال فحسب، بل الأمر أوّلاً وببساطة أنّ الفيلم ينأى بعيداً عن الكليشيهات المألوفة التي تُثقل أيّ بحث فنّي في مسألة الإحتلال، ويغوص عميقاً في قلب مفردات العيش الإنسانية والنفسية والسلوكية التي تنتجها وقائع الإحتلال كلّ يوم. هي حكاية منى، الصبيّة الجولانية إبنة بلدة مجدل شمس، التي ستُزفّ إلى زوجها السوري نجم المسسلات الهزلية المقيم في دمشق، وذلك عبر بوّابة مدينة القنيطرة المحتلة، وبإشراف الصليب الأحمر.
هذه، في جملة واحدة، حكاية الفيلم الذي تتفرّع فيه حكايات صغرى هنا وهناك، تتآلف على نحو بارع للغاية لكي تصنع رسائل الفيلم، المباشرة أو المصاغة في شيفرات شفيفة، والتي تضع واقع الإحتلال في الخلفية لكي تتوغّل في صميم حيوات الأفراد، بحيث ينتهي السيناريو إلى ما يشبه رواية العائلة وتقاطع المصائر. والنصّ الأدبي، الذي أنجزه المخرج بالتعاون مع الكاتبة الفلسطينية سهى عرّار، يقيم توازناً دقيقاً للغاية بين المأساة التي تبلغ ذروة كافكاوية وسوريالية، والملهاة التي تسبغ على النكتة روح المرارة؛ وبين المشهد العاطفي الذي يجعل الدموع تطفر بكاءً، وذاك الذي يجعلها تنهمر ضحكاً؛ وبين التشاؤم هنا، والتفاؤل هناك، والتشاؤل معظم الوقت... في استذكار عن سابق قصد للروائي الفلسطيني الراحل إميل حبيبي كما يقول ريكليس...
عن سابق قصد أيضاً أنّ معظم ممثلات وممثلي الفيلم فلسطينيون، تأكدوا ــ تماماً كما فعلت سهى عرّار ــ من أنّ المشروع لا يستبطن أيّة مقولة صهيونية، ولا ينطوي على أيّ تجميل للإحتلال، بل ينتهي إلى العكس تماماً وصراحة. هنالك هيام عبّاس طبعاً، في دور أمل أخت العروس الكبرى، والفنّانة الكبيرة التي تشدّنا هذه المرّة أيضاً إلى إغواء الغموض في شخصيتها الفريدة؛ والعروس كلارا خوري (بطلة «عرس رنا» للفلسطيني هاني أبو أسعد)؛ ومكرم خوري، الأب الحائر بين مواقفه الوطنية التي أدخلته السجن، واضطراره إلى مجاراة التقاليد؛ وأشرف برهوم، الأخ الذي يعيش في إيطاليا، ومخلوق العولمة الطريف الذي يتاجر في كلّ شيء؛ وإياد شيتي، الأخ الثاني، والمحامي المنفيّ طواعية خارج البلدة لأنه جلب على أبيه سخط رجال الدين بسبب زواجه من طبيبة روسية...
وثمة تفصيل مثير ويرتدي خصوصية سياسية لا تشبه معظم ما يكتنف الفيلم من خصوصيات، وهو أنّ يوم الزفاف يصادف أيضاً تنصيب بشار الأسد وإلقاء خطاب القسم من سدّة مجلس الشعب. والحال أنّ ريكليس يدهشنا حين ينتهز هذا التفصيل لكي يضخّ الكثير من مشاعر الولاء للرئيس الجديد على لسان الأب حاتم، الذي يقول بعد الإستماع إلى الخطاب: «أسد إبن أسد...»، وكذلك في المظاهرة التي تخرج احتفاء بالمناسبة ويتصدّرها رجال الدين، وتتضمّن شعاراتها الهتاف التالي: «وحدة وحدة وطنية... والجولان سورية». كأن ريكليس أراد القول إنّ أهل الجولان متشبثون بالهوية السورية كائناً مَن كان ساكن القصر الرئاسي في دمشق، وليست هذه بالرسالة الطفيفة إذْ تصدر عن إسرائيلي!
ذروة الدراما، وهي أيضاً بؤرة الفيلم القصوى، تقع حين تتكشّف الجوانب البيروقراطية للإحتلال: من الجانب الإسرائيلي أوّلاً، حين يصرّ الموظف على دمغ وثيقة سفر العروس بخاتم إسرائيلي يفيد مغادرة البلاد (إنها تغادر أرض إسرائيل فعلياً، يقول الموظف)؛ ومن الجانب السوري، حين يصرّ الضابط السوري على رفض دخول العروس بوثيقة سفر عليها خاتم إسرائيلي (إنها مواطنة سورية تسافر من سورية إلى سورية، يقول الضابط)... متناسياً أنّ العروس ليست مواطنة إسرائيلية لأنها رفضت جنسية الإحتلال، ولكنها في الآن ذاته لا تحمل جواز سفر سورياً!
وهكذا، وبعد وقوع الصبيّة في هذه الـ No Man s Land العجيبة، إذْ ليس مسموحاً لها الذهاب إلى عريسها المنتظر عند معبر القنيطرة على الجانب السوري، ولم يعد مسموحاً لها العودة إلى مجدل شمس بموجب قوانين الدولة العبرية. وفي برهة انكشاف فريدة تقرّر العروس عبور الخطّ المستحيل، ضدّ أعراف الإحتلال وضدّ البيروقراطية، ولكن أيضاً وأساساً: متجرّدة، أو مجرّدة رغماً عنها، من كلّ هوية! هذه، مع ذلك، ليست نهاية سعيدة لأننا لا نرى العروس تخرج من البوّابة الإسرائيلية، ولا نراها تدخل عبر البوّابة السورية، بل إننا لا نراها أبداً في الواقع: تختفي هكذا في المطلق، وإنّ كانت عيون أختها أمل تشخص صوب جهة تشير إلى أنّ العروس السورية خرجت بالفعل من سورية، ودخلت إلى... سورية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص


.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟




.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و


.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا




.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف