الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا أمة منقسمة

مجدى خليل

2012 / 12 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


منذ هجرتى إلى أمريكا لم انضم إلى أى من الحزبين الكبيرين وغالبا ما يكون تصويتى فى الأنتخابات الرئاسية بناء على تقييم الشخص وليس الحزب،أما فى أنتخابات الكونجرس فغالبا يكون صوتى للحزب الجمهورى ذو الاجندة المحافظة والمتعاون معنا كثير من ممثليه فيما يتعلق بوضع الأقباط فىى مصر، غير أننى فى الأنتخابات الأخيرة كنت عضوا ضمن مجموعة الشرق الأوسط من آجل رومنى، وهم مجموعة من الخبراء الذين استاءوا من تصرفات إدارة اوباما خاصة تجاه ما يسمى بالربيع العربى، وقد دفعنا هذا لدعم المرشح الجمهورى رومنى والانضمام إلى حملته لعلى أنتخابه يعيد ضبط الشرق الأوسط لصالح القوى المدنية وليس الإسلامية كما فعل أوباما،وللأسف لم يحالف رومنى الحظ ولكن الخطورة أن الأنتخابات الأخيرة أنها كشفت انقساما عميقا فى الامة الأمريكية، وهذا الانقسام بل والتراجع الأمريكى يرجع بدوره إلى تزايد نسبة الاقليات فى المكون الأمريكى من جهة وتحالف الليبرالية المتطرفة واليسار ضد القيم الأمريكية التقليدية التى تأسست عليها هذه الامة من جهة أخرى.هذا الأنقسام تراه فى ولايات محافظة تصوت لمنع تطبيق الشريعة الإسلامية وولايات متطرفة ليبراليا تصوت لصالح زواج المثليين، تراه فى تصويت كثيف من البيض لصالح رومنى(61% لرومنى،37% لاوباما)، فى المقابل تصويت مرتفع جدا من الأقليات المختلفة لأوباما، ففى السود صوت 93% لأوباما مقابل 6% فقط لرومنى، وفى الهسبانك القادمين من أمريكا الجنوبية صوت 71% لأوباما مقابل 27% لرومنى، وفى الاسيويين صوت73% لأوباما مقابل 26% لرومنى،وفى المسلمين صوت 67% لأوباما مقابل 7% فقط لرومنى.
خطورة هذا الأنقسام أنه يمتد للقيم الأمريكية، فالأغلبية البيضاء الانجلوسكسونية البروتستانتية التى تسمى بالواثب هى التى شكلت قيم هذه الدولة العظيمة ، بل أن عظمة هذه الدولة وكل مجدها وتقدمها نابع من هذه القيم التى تجسدت بشكل واضح فى فكر الأباء المؤسسين للدولة، فما الذى تغير حتى وصلنا إلى هذه الحالة؟، فى تقديرى الاجابة تكمن فى تراجع نسبة البيض فى المكون الأمريكى من ناحية ونمو الليبرالية المترفة الفاسدة المتطرفة من ناحية أخرى.
أما عن نسبة البيض فى المكون الأمريكى فهم يشكلون 63%وفقا لإحصاء 2011، ولكن هذه النسبة تضم كل ما هو غير هسبنك أو اسود أو اسيوى أو هندى، ولكن المهاجرين من الشرق الأوسط مثلا يصنفون كبيض. وفى تقديرات أخرى أن نسبة الواثب حاليا لا تتعدى 40% من المكون الأمريكى. ولكن الخطورة فى التراجع المنتظم فى نسبة البيض من الواثب بسبب عاملى الهجرة والنمو السريع فى المواليد بين الأقليات، ووفقا لنفس الاحصائية فرغم أن نسبة البيض تشكل 63% فأن المواليد منهم فى السنوات الخمس الأخيرة تدور فقط حول رقم 49%، ومن الواثب اقل من 30%.فإذا اضفنا إلى ذلك أستمرار تدفق المهاجرين فأن معنى ذلك أن أمريكا ستصبح أمة مختلفة بعد عدة عقود من الآن.
من ناحية أخرى يتزايد التيار الليبرالى المتطرف الفاسد فى أمريكا سنة بعد سنة، وحيث أن أمريكا بالفعل أنجزت وضمنت لمواطنيها كافة الحريات والحقوق الأساسية التى تقرها المواثيق الدولية،فان التطرف فى طلب المزيد اتجه إلى قضايا تافهة ومقززة مثل زواج المثلين والاجهاض غير المحدود والسعى للتحلل من أى سلطة بما فى ذلك رغبة البعض فى أنهاء ما يسمى بمفهوم الدولة بدعوى أنها شكلت قيدا على حرية الإنسان وحقوقه ( لاحظ أن العلاقات المثلية موجودة فى كل الدول، ولكن زواج المثليين هو درجة أخرى من الإنحدار حيث أنه اعتراف من الدولة بزواج رجل برجل وامراة بامرأة والسماح لهذه الاسر الشاذة بنسب اطفال اليها). ولا ابالغ فى القول إنه إذا استمر هذا التدهور فأنه فى أقل من عقد سوف يكون هناك زواج رسمى قانونى بين الإنسان والحيونات.
من ناحية أخرى فأن المنافسة السياسية قائمة على كاريزما الشخص وليس مؤهلاته، وعلى قدرته على جمع أموال لحملته الأنتخابية وليس قدرته على تقديم حلول لمشكلات بلده، حتى أن البعض اشار إلى أن جورج واشنطن لو ترشح امام شخص كاريزمى يجيد الكلام مثل أوباما أو كلينتون فسوف يخسر الأنتخابات. فالمعروف أن جورج واشنطن كان قائدا بكل معنى الكلمة تتجسد فيه مؤهلات القائد وقيم الواثب العظيمة فى حين أن شخص مثل اوباما مفوه فى الكلام ولكن دارسوا شخصيته توصلوا إلى خوفه من اتخاذ قرارات قوية وجريئة.
أحد أبعاد هذا الأنقسام أن الواثب يؤمنون بأمريكا وبقدرتها على الصمود فى كافة الظروف لأنهم بنوا هذه الدولة قطعة قطعة، ولكن الأقليات لأ تؤمن بنفس الدرجة بالدولة الأمريكية، فهم يؤمنون بالتجربة أكثر من ايمانهم بالدولة، وفى حال فشل التجربة فهم مستعدون للعودة إلى أوطانهم الاصلية.
معنى هذا أن الدولة الأمريكية على المدى البعيد فى خطر؟ نعم هذا صحيح بل أن هناك من يصف الوضع الراهن بالحرب الاهلية الصامتة، وقد نبه إلى ذلك عالم السياسة الأمريكى المرموق الراحل صامويل هنتنجتون فى كتابه ( من نحن؟) مبرزا عناصر الهوية والثقافة الأمريكية فى عدد من المحددات الرئيسية وتشمل: اللغة الإنجليزية، والمسيحية، والالتزام الدينى، والمفاهيم الانجليزية لحكم القانون، ومسئولية الحكام، وحقوق الأفراد، والقيم البروتستانتية الداعمة للفردية، وأخلاقيات العمل، والاعتقاد بأن الناس لديهم القدرة وعليهم واجب محاولة خلق جنة على الأرض،أى " مدينة على التل" وفقا للتعبير الأمريكى الشهير، ولكن الكثير من هذه العناصر وهذه القيم معرض للتراجع بل والتأكل، ومن هنا ينبع الخطر الحقيقى على أمريكا، ومن هنا أيضا يبرز الانقسام فى الأمة الأمريكية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر