الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميكانيزمات الاستبداد وتحولاته الحتمية.... (1)

مسَلم الكساسبة

2012 / 12 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


ترى المدرسة الرأسمالية في أن الحرية الاقتصادية (نظام السوق الحر) ستؤدي حتما وفي نهاية المطاف إلى الحرية السياسية .. وأن اختيار الليبرالية الاقتصادية لوحدها منزوعة من سياقها وبدون شرطها ومعادلها الموضوعي وهو الليبرالية السياسية سيجعل منها دكتاتورية تحالف السلطة وأرباب المال والأعمال ورفاهيتهم الخاصة دون سائر الناس الذين يصبحون وقود تلك الرفاهية ودافعي تكاليفها .. ما يؤدي في منتصف أو نهاية المطاف إلى تغيرات بنيوية في شكل وجوهر التحالفات وعلاقات الولاء .. حيث تتحول طبقة أرباب المال والأعمال إلى محور عازل تدور حوله كتلتين تغدوان متناقضتي المصالح هما كتلة هائلة وزنا وعددا هي كتلة الغالبية الساحقة من الناس وتدور حول ذلك المحور نزاعا او صراعا من اجل البقاء .. وكتلة أخرى ضئيلة حجما ثقيلة نفوذا هي كتلة أرباب النفوذ السياسي والسلطة وتدور حول ذلك المحور تحالفا وتنفعا أو مقايضة لسلطتها ونفوذها بالمال ونفوذه .. وان الحكام المستبدين حينما انخرطوا في عمليات الخصخصة والبيع وخشوا شركاء في البزنس مع أربابه إنما هم في الحقيقة قد بلعوا الطعم دون أن ينتبهوا لذلك..وان زواج المال والسلطة الناشئ عن ذلك التحالف الغير شرعي لا يلبث أن ينتهي بخراب بيت مشترك للطرفين حين يتدخل الطرف الثالث الذي هو بمثابة الأرض التي يبني عليها ذلك الزواج قصوره .. حين تمور من تحته وتنتفض رافضة أن تكون مجرد مدفن لفضلاته ومستهلك لفتاته.

ففي تونس مثلا أشعل الثورة مواطن جوّعته سياسات الخصخصة واللصلصة واشتغال بن علي وزوجته في البزنس وانشغاله عن مهامه كرئيس دولة بمهام من نوع آخر تتعارض مع جلال مهام ذلك الموقع .. وتحالفاته مع قوى البزنس القذر فأضاف إلى حمل الناس المتمثل في استبداده حملا آخر يتمثل في فساده حتى غدا حملا اكبر من أن يطيقوه ونقيضا سافرا لمصالحهم فطوحوا به كما يطوح حصان غاضب عن ظهره براكب ثقيل الوزن والظل معا .

وفي مصر كذلك الأمر أدى تحالف جمال –احمد عز ومن على شاكلتهم على المسار الاقتصادي إلى إفقار الشعب بينما أدى تحالف مبارك - العدلي ومن على شاكلتهم أيضا على المسار التسلطي الأمني إلى إذلالهم وتجريدهم من إنسانيتهم وكرامتهم وخدمة للمسار الآخر لكي يشتغل براحته ما أدى في النهاية إلى أن ينفجر الوضع حينما غدا فوق طاقة الناس احتمالهم .

وهنا قد يتساءل البعض : إذا كيف اندلعت ثورة في ليبيا وسوريا وهما اقرب للاشتراكية من الخصخصة والرسملة وإحداهما دولة نفطية شعبها ثري مرفه ونظامها مناوئ للسياسات الرأسمالية ، والأخرى رغم عدم غناها لكن نأيها عن تلك السياسات أبقاها على الأقل في مأمن من النهب والنصب وبلا ديون تثقلها لصناديق العالم المختلفة .. وتلك في الواقع قصة أخرى إذ بالأساس فالاستبداد وحده كاف لإشعال الثورات لكن الشعوب كالمواد كل له درجة حرارة اشتعال مختلفة وأيضا هي –أي الشعوب - متفاوتة في طاقة احتمالها فبعضها يكفيه الاستبداد وحده لكي يشتعل وبعضها لا يشعله إلا الظلم المباشر المتعلق بزاده وقوت يومه عندها يبدأ يفكر ويحس ان هناك ظلم واستبداد فعلا. ولكن هذا لا يعني أن الشعوب لا تثور إلا إذا تعدى الاستبداد السياسي ودخل في مرحلة الاستبداد المعاشي الاقتصادي .. فأحيانا يكون الاستبداد السياسي ذاته شديد الوطأة لدرجة يقوم لوحده مقام الاستبدادين الاقتصادي والسياسي معا بل وربما يكون اشد وطأة منهما .. يضاف لكل ذلك أن هناك مصالح دولية وتحالفات أممية انتهزت تيار الربيع العربي لتحقق مصالحها الخاصة في تلك الدول فألقت حجرا في برك تبدو ساكنة في ظاهرها وان كانت تمور في أعماقها .

الهدف من هذا التحليل السريع والموجز هو عرض التطورات والتحولات التي يمر بها الاستبداد في مساره الحتمي إلى الزوال .. وكيف أن الاستبداد وحده كاف لإثارة النقمة حتى لو بقي استبداد سياسيا مجردا "عاموديا " -المستبد العادل- فانه في النهاية لايلبث إلا ريثما ينقلب ليمر في المراحل الأخرى كتطور طبيعي لمساره الحتمي وليتحول في النهاية إلى استبداد أفقي عريض ومتشعب مؤلف من شبكة من القوى والمصالح المستأثرة بالقوة والقرار والمال وليشعر الناس بمرارته فيطوحوا به مهما تكلفوا لذلك .

أن المستبد حينما يصل إلى المرحلة التي يعقد بها صفقة مع المترفين ماليا في تحالف طبقي سافر ثم يبقى يتوقع من الناس أن يُبقوا على ذات الولاء له .. فكأنما هو بذلك قد سمح لنفسه أن يتحول إلى تاجر بينما حرّم على الناس أن يتحولوا بدورهم في علاقتهم معه إلى زبائن من حقهم المفاصلة والشك بأيمان التاجر وتكذيبه ومقاضاته إن هو غش أو مارس الجشع .. إذ كيف تتوقع منه أن يظل يناديك يا عمي من طلقت أمه وأخرجته وإياها من البيت لتستثمره ككازينو أو ملهى !
كيف تغير صفتك تجاه الآخرين وتبقى تتوقع منهم أن يبقوا على ذات الصفة تجاهك ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وثائقي -آشلي آند ماديسون-: ماذا حدث بعد قرصنة موقع المواعدة


.. كاليدونيا الجديدة: السلطات الفرنسية تبدأ -عملية كبيرة- للسيط




.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري يعلن مقتل جنديين


.. مقطع مؤثر لأب يتحدث مع طفله الذي استشهد بقصف مدفعي على مخيم




.. واصف عريقات: الجندي الإسرائيلي لا يقاتل بل يستخدم المدفعيات