الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أقولُ لقاتلي العربيِّ : أنتَ شَهيد

كمال سبتي

2005 / 3 / 20
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


الحياة ، الحياة للساكتين عن قتلنا..
"دماؤهم تملأ الشوارع ، اللهم زد وبارك "
خاتمة البيان العربيّ عن مجزرة الحلة..


كلما سال دمنا في مقتلٍ رحنا نقرأ البيان العربيَّ عنه ، لكأنما موتنا لا يتم إلاّ بقراءة البيان العربي عنه ، أو لكأننا لا نصدقه إلاّ بقراءة البيان العربيّ الذي اعتدنا قدومه غيرَ متأخرٍ كثيراً عن حفلة الدم . فقرأناه عن تفجير الناس في طرقاتِ مدينة مزار، وفي جامع ، وفي حافلة ركاب ، وفي سوق شعبيّ ، وفي مستشفى ، وفي مجزرة تتكرّر كل يوم .
إنه بيان عربي مبين عن قتلنا.
يكتب العرب بياناً مبيناً كلَّ مرةٍ عن نصر لهم في العراقِ ، مبينٍ.
نصر لهم بقتل عرب العراق.
لكنني سأقول الحياة ، الحياة للعربيّ..لأنني لم أتعوّدْ منذ ولدتُ غيرَ عَدِّهِ أخاً لي في البلاد وفي اللغة وفي التاريخ بل وفي المصير كما كان يصرخ عبد الناصر في خطبه.
أمّا وقد أصبحَ قاتلي.
فسأقول لقاتلي العربيّ وقدْ مُتَّ وفجَّرتَ بتفجير نفسِكَ نساءَنا لابساتِ السواد وأطفالَنا الذاهبين – على قلقٍ – إلى المدرسة ، وقدْ مُتَّ وفجَّرتَ بتفجير نفسكَ سوقَ أهلي الفقيرَ وجامعَهم الصغيرَ.. فأنت شهيد حتى تستريحَ من الشكِّ وحتى يستريحَ أئمة دفعوك إلى قتلنا.
أَوَ أبخلُ عليكِ بنعت الشهيد وأنتَ تعنّيتَ الطريقَ الطويلَ وقطعتَ بلداناً حتى تقتلَ علياً وعماراً و أبا ذرّ وسلمان..؟
سأقول لقاتلي العربيّ أنت شهيد حتى تستريح من الشكِّ وحتى تبكي أمّي التي ربتني صغيراً على أن أحبَّك وأن أفديكَ بنفسي.أمّي التي في القبر!
سأقول لقاتلي العربيّ : اُقْتُلْني - فديتك يا أخي - كلَّ يوم ونِلِ الشهادة.
اُقْتُلْني ، وقد سكت الجميعُ والجميع..
اُقْتُلْني حتى أقولَ الحياةُ ، الحياةُ للجميعِ والجميع..
الحياةُ ، الحياة للشام إن هي نسِيَتْ دمَنا في صدّ الجيوش عن دمشق ، وأكوامَ جثثنا في كوميديا حرب جبل الشيخ ننتزعه من الإسرائيليين فنسلمه لإخوتنا فينتزعه الإسرائيليون فننتزعه ثانية فـ..
والحياة ، الحياة لأصدقائنا أدباء الشام لا يقدرون أن يقولوا : لا للمقتل وإن همساً.
والحياة ، الحياة لأدونيس ( وهو صديق قريب ) زرتُهُ في قريته "قصّابين" بقضاء جبلة آبَ عامِ 2002 وبقيتُ كلَّ وقتي هناكَ متخيلاً "جبلة " مدينتي الناصريةَ وعائلتَه الكريمةَ أهلي في عزِّ ضياع بلادي مني..وكتبتُ قصيدة في ما بعد باسم "قصّابين" أخَّرتْ نشرَها أجواءُ الحرب آنذاك.الحياة له ساكتاً عن مقتلنا وقد كان لاذعاً في ما كتَبَ عنا بعد سقوط بغداد.
والحياةُ ، الحياة لصادق جلال العظم الجريءِ الجريءِ قبْلاً.
والحياة ، الحياة للبنان وكنا نحفظ منه يافعين : جبران وأبا ماضي وأبا شبكة والخوري.. ونتبارى في صدق حفظنا لهم في حينا الجنوبيِّ - المُكفَّرِ هذه الأيامَ - كلَّ عشية.
والحياة ، الحياة لأنسي الحاج ولأجيال بعده ، يسكتون عن ألمنا بألم المسيح ويخفون سلامه عن ضحايانا.
والحياة ، الحياة لفلسطين الحبيبة وقد كتبنا شعراً عنها وبكينا بكاءَها ، والحياة ، الحياة لأدبائها وقد نسوا دمَنا المسفوحَ فوق ترابها وقبورَنا اليتيمة في جنين.
والحياة ، الحياة لمحمود درويش ( وهو صديق قريب ) لا يعضد إخوةً حفظوه على رحلات المدرسة المتوسطة.
والحياة، الحياة للأردنّ، المحتفيةِ عوائله علناً - في الشوارع وفي الصحفِ – بـ»استشهاد» أبنائها في مجازر قتلنا في الشوارع والأسواق والحافلات والجوامع والأعراس والمآتم.
والحياة ، الحياة لأصدقائنا أدباء الأردنّ وقد سُفِحَ دمنا فوق تراب بلادهم مراراً ، إنْ في أربد أو إن أمامَها ، فسكتوا عن مقتلنا حائرين..!
والحياة ، الحياة للجزيرة الأصل ومثقفيها..ولعبد الله الغدامي لا يقول كلمة في القتل صبراً وفي كل قتل.
والحياة ، الحياة لمصر المعلِّمة.
وقد تعلمنا من كتّابها الأوائل نهضَتنا.
وقد كنّا نردّد كلمات عبد الناصر في تظاهرات عاصمتنا ومدننا الجنوبية.
وقد كنا بكينا مع أبينا وقتَ غداءٍ حين سمع نبأ موت عبد الناصر من إذاعة "صوت العرب".
والحياة ، الحياة لأدبائها ومثقفيها لا ينطقون كلمة ضد قاتلنا كما نطق الوحيد سيد محمود القمني.
والحياة ، الحياة للمغرب وقد شهد في محاورةِ ابنِ رشدٍ الأميرَ يوسفَ حولَ شرح أرسطو مشهدَ تغيير العالم.
والحياة ، الحياة لمحمد عابد الجابري ساكتاً ، لا ينطق عن الهوى ، وقد كان لاذعاً في لومنا بمخطط تكوينِهِ العقلَ العربيّ.
والحياة ، الحياة للطاهر بن جلّون ممثلاً لنا في محفل الكتابة بالفرنسية إن سكتَ وإن نطق بغير مقتلنا.
ولغيرهما..
لا يقولُ ما لا يُرضي العامّة.
والموتُ لي
والموتُ لي
ابنَ أولئك الذين صدَّقوا ثورةَ بيتِ النبي ذات مرة ، فطُرِدوا من الدين وذُبِحوا وصُلِبوا على أعواد النخل..وسُمّوا رافضةً كي يبينوا لغيرهم فيكون ثوابُ قاتل أحد منهم الجنة ، وقد تُردَّدُ قبلَ المقتل آيات من القرآن : لا تبدأ من (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهِ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ) ولا تنتهي بـ(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه..)..إلخ
والموتُ لي موتَ آبائي الذين قُتِلوا قبل "المتوكل" وموتَ آبائي الذين قُتِلوا بعده.
والموتُ لي عاشقاً أبا حنيفة في فقهه : فقه المساواة وفي عذابه و شهادته ، ولم أكن حنفياً.
والموتُ لي قارئاً مالكاً النجمَ بعبارة الشافعيّ عنه : " ما أحد أمنّ عليّ من مالك وإذا ذكر العلماء فمالك النجم." ، ولم أكن مالكياً.
والموتُ لي ممجّداً الشافعيّ المازجَ في فقهه : فقهَ العراق "مدرسة الرأي" بفقه الحجاز " مدرسة الحديث" ليخفف من حدة الجدل الفقهي بينهما ، ولم أكن شافعياً.
والموتُ لي سانداً كلَّ حديثٍ بمُسنَد أحمد بن حنبل ، وباكياً عليه في محنته ، ولم أكن حنبلياً.
والموتُ لي مطروداً بنسبي العربي من "نعمة العروبة" وإن كنتُ أصلَها وروحَها.
الموتُ لي.

14-3-‏2005‏
هولندا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وقفات تضامنية بمدن مغربية عدة تطالب بوقف التطبيع ومقاطعة إسر


.. فايز الدويري: المعارك في منطقة جباليا ستكون صعبة وقاسية




.. ناشطة أمريكية تهاجم المتخاذلين عن نصرة غزة


.. تحذير من المحكمة لمايكل كوهين بسبب مقاطع فيديو على تيك توك ح




.. ميلانيا ترمب تمنع ابنها بارون من الانضمام لعالم السياسة.. فم