الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عربدة فى قمة السلطة.. الاستفتاء والدستور ومجلس الشورى ومجلس النواب

خليل كلفت

2012 / 12 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


عربدة فى قمة السلطة
الاستفتاء والدستور ومجلس الشورى ومجلس النواب
1: انتهت المهزلة، إذن، إلى إقرار الدستور بالاستفتاء (15 و 22 ديسمبر 2012) ولكنها لن تنتهى بهذا بل ستبدأ على الفور (فى غضون شهرين) معركة إخوانية جديدة: معركة مجلس النواب (الشعب سابقا)، وبعد عام من الآن سوف تأتى معركة مجلس الشورى الذى أنقذه اسمه الإسلاموىّ من التغيير الجذرى لكل التسميات قبل الإسلاموية.
2: وقد جاءت المشاركة/الإقبال بنسبة متدنية لم تتجاوز حوالى 32 المائة، وتم إقرار مشروع الدستور الذى أعدَّتْه الجمعية التأسيسية بنسبة حوالى 63.8 المائة من الأصوات الصحيحة قالوا "نعم" مقابل نسبة حوالى 36.2 المائة قالوا "لا". ومن الواضح أن نسبة المشاركة كانت أدنى من كل نسبها بعد الثورة (باستثناء مجلس الشورى حيث كانت حوالى 12.9 فى المائة فى بداية 2012): حوالى 41.2 فى المائة فى استفتاء 19 مارس 2011، وحوالى 54 فى المائة فى انتخابات مجلس الشعب 2011-2012، وحوالى 46.4 فى المائة فى الجولة الأولى لانتخابات رئاسة الجمهورية 23 و 24 مايو 2012، وحوالى النصف فى الجولة الثانية لتلك الانتخابات فى يونيو من نفس العام. كما انخفضت نسبة "نعم" من حوالى 77.27 فى المائة فى استفتاء 19 مارس 2011 إلى حوالى 63.8 فى المائة فى الاستفتاء الجديد، فيما ارتفعت نسبة "لا" من حوالى 22.73 فى المائة إلى حوالى 36.2 فى المائة من الأصوات الصحيحة بين الاستفتاءين. ومن الجلىّ أن نسبة "نعم" فى الاستفتاء الأخير أدنى من النسب التى حصل عليها الإخوان المسلمون والإسلام السياسى فى انتخابات مجلسىْ الشعب والشورى: حوالى 75 فى المائة، وحوالى 83.33 فى المائة لحزب الحرية والعدالة وحزب النور السلفى وحدهما، على الترتيب.
3: وتمثلت عربدة حقيقية فى الدستور فى منح مجلس الشورى الحالى القائم ماديا ولكنْ الذى فى حكم المنعدم قانونا، وشعبيا، والمنتخب بنسبة مشاركة/إقبال لم تتجاوز حوالى 12.9 فى المائة، بتشكيله الحالى، سلطة التشريع كاملة لتستمر حتى انتخاب مجلس النواب الذى تنتقل إليه السلطة التشريعية كاملة، ويتمتع مجلس الشورى الجديد المنتخب بعد سنة بالسلطة التشريعية بصورة مشتركة مع مجلس النواب فى الدستور الجديد، غير أنه ينفرد، عند حل مجلس النواب، "باختصاصاتهما التشريعية المشتركة"، وعند غياب المجلسين يكون لرئيس الجمهورية عند الضرورة إصدار قرارات لها قوة القانون تُعرض عليهما عند انعقادهما. واكتملت هذه العربدة الدستورية بعربدة رئاسية فقد اغتصب الرئيس لنفسه حقا ليس له عندما قام بتعيين تسعين عضوا فى مجلس الشورى، ومتى؟ يوم 22 ديسمبر، أىْ يوم المرحلة الثانية للاستفتاء. ويزعم الإخوان المسلمون أن الرئيس معنىٌّ بسرعة نقل سلطة التشريع إلى پرلمان منتخب وأن هذا يدلّ على عدم وجود أىّ نزوع منه إلى الاستبداد والديكتاتورية والفرعنة كما يتهمه خصومه، والحقيقة أن الالتزام الإخوانى للرئيس وهو الذى يأتى عنده فى المقام الأول يجعله مُلْزَما بسرعة خلق وتعزيز وترسيخ الپرلمان بوصفه پرلمانا إخوانيا وإسلاميا، فالجماعة والحزب هما الأساس وهما اللذان يعملان على استغلال سلطة التشريع وسلطات رئيس الجمهورية لبناء وترسيخ الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامى.
4: وتمثلت العربدة الرئاسية كذلك فى الإعلانات الدستورية والقرارات بقوانين التى أصدرها الرئيس وأحدث بها انقساما حادا بالغ الخطورة فى البلاد دون إصغاء إلى النصح والتحذير والإنذار، بالإضافة إلى العربدة المتمثلة فى الاعتداءات وتنظيم المذابح للمتظاهرين السلميِّين وحصار المحكمة الدستورية العليا لتحصين الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى بالعنف من حكم محتمل بحلهما، ولا شك فى أن الرئاسة والجماعة خططتا لهذه التدابير البالغة الفظاعة التى ترتبت عليها تطورات داخلية وخارجية ضخمة أهمها تصاعد الحركة الجماهيرية الثورية وتصعيد نضال القضاة دفاعا عن استقلال القضاء واتجاه الاقتصاد إلى الانهيار، وتدهور الموقف السياسى والائتمانى لمصر فى الخارج، وذلك بهدف اكتساح كل عائق من طريق اندفاع مخططات الجماعة والرئاسة الرامية للهرب إلى الأمام إدراكا منهما لحقيقة موقفهما البالغ الدقة والحرج والخطورة، نظرا لرفضهم بحدة من جانب الجماهير الشعبية ومن جانب حلفائهم غير الإسلامويِّين فى الثورة المضادة ومن جانب مؤسسات وهيئات وجهات وفئات لا حصر لها.
5: كما أن عبارة "الحرب الأهلية" التى لم يكن لها مكان فى أىّ تصوُّر عن الصراع بين الثورة والثورة المضادة فى مصر صارت تجرى بقلق شديد على كل لسان فى الأسابيع الأخيرة، حيث لم يَعُدْ أمام الإخوان المسلمين سبيل للحصول على القبول الشعبى كما لم يَعُدْ لهم سبيل إلى انسحاب سلس منظم من سلطتهم التى صارت تمثل خطرا محدقا ليس فقط على الشعب المصرى من خلال دولة دينية إسلامية بل على الإخوان المسلمين وحلفائهم الإسلاميِّين السياسيِّين الذين ما يزالون يعيشون فى أوهام الكهف رغم أن الرفض الواسع النطاق لهم من جانب الشعب ومن جانب القطاعات الرأسمالية الحاسمة ودولتها العميقة صار يهدد حكمهم رغم "اعتدال" زعماء جبهة الإنقاذ الوطنى الذى صار ينقذ الحكم الإخوانى المرة تلو المرة عن طريق إحباط وتثبيط وإهدار طاقات الحركة الجماهيرية الثورية، كما أثبتت المشاركة فى الاستفتاء بلا أىّ ضمانات وكما سوف تثبت المشاركة فى الانتخابات الپرلمانية القادمة بلا أىّ ضمانات أيضا. وصحيح أن دعاة المشاركة سيشيرون إلى مكاسب مثل ارتفاع نسبة التصويت ب "لا"، غير أن ثمن هذه المكاسب كان غاليا جدا وقد تمثل فى الانحسار الذى حدث فى الحركة الجماهيرية التى كانت قد بلغت ذروة من ذُراها العالية. وهذه معادلة سياسية أساسية تُرافقنا منذ البداية: الموقف الثورى يتقدم من خلال الفعل الجماهيرى الثورى غير أن موقف الثورة المضادة يعمل على إبعاد قوى الثورة عن طريق النضال الثورى الجماهيرى بتوجيه طاقاته إلى الطريق القانونى الحافل بالاستفتاءات والانتخابات النيابية والرئاسية، وذلك من خلال صندوق تزييف إرادة الشعب فى كل استفتاء وفى كل انتخاب. ويتشامخ علينا هؤلاء الإسلامويون بالحديث المتواصل الممل عن أول رئيس مدنى منتخب فى انتخابات حرة نزيهة فى مصر، مع أن الانتخابات الرئاسية فى جولتها الثانية كانت من عمليات التزييف الكبرى فى الانتخابات المصرية لأن قيام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتخيير الشعب بين كابوسين أدَّى إلى نتيجة مزيفة حيث ذهبت ملايين الأصوات إلى شفيق خوفا من مرسى وإلى مرسى خوفا من شفيق، وهنا شاركت القوى السياسية المعتدلة وغير الواعية فى تلك المهزلة بدلا من المقاطعة والتركيز على النضال الثورى الجماهيرى.
6: ويتحدَّانا الإخوان الذين يزعمون أنهم أنتجوا تحفة دستورية فريدة بالمطالبة بمناقشة المنتج بدلا من الحديث الذى لا يرغبون فى سماعه عن شرعية تشكيل الجمعية التأسيسية، وهم يتجاهلون بهذا حقيقة أن المنتج أىْ الدستور كان ثمرة مُرَّة لذلك التشكيل. ولأنهم يحدِّقون النظر طول الوقت بإعجاب نرجسى فى مرآة أنفسهم فإنهم يجهلون حقيقتهم كما يجهلون حقيقة منتَجهم المتمثل فى الدستور الجديد. على أن تناوُل هذا المنتج، الدستور، بالعرض والنقد غير وارد فى هذا المقال الصغير، وأرجو أن يتسع الوقت لوقفة متأنية لمناقشة مواده وخاصة سلطات رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية بوجه عام، وعلاقات هذه الأخيرة بمكتبها التشريعى الملحق بها، وكذلك تأسيس الدستور لإخضاع السلطة القضائية لسيطرة الرئيس، وعلى وجه الخصوص مواد الدستور التى يمكن أن تكون خطوة نحو تأسيس دولة دينية وهى لا تقتصر على المادة الثانية وحدها بل تشمل مجموعة مترابطة من المواد، وهناك بالطبع مواده الخاصة بالمقومات السياسية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية وبالحقوق والحريات والضمانات.
7: وفى غضون شهرين تبدأ انتخابات مجلس النواب لتتواصل العملية القانونية لبناء السلطة التشريعية التى لا قيمة لها فى مصر سواء أكانت إخوانية أم لم تكن، وتخصّ قيمتها الوحيدة السلطة التنفيذية التى تستكمل بها مظهرها الديمقراطى وتستخدمها لصالحها. وأنا لا أدعو إلى مقاطعة الپرلمان دائما وفى كل الأوضاع ومن حيث المبدأ وإنما يهمنى تأكيد أن هذا المسار القانونى فخٌّ ومصيدةٌ وشَرَكٌ لضرب وتصفية الثورة وإبعادها عن الصيرورة الثورية السليمة.
26 ديسمبر 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نواكشوط تعلن اقتناء جيشها مسيرات وأسلحة متطورة، لماذا؟


.. مندوبة بريطانيا بمجلس الأمن: نحن فى أشد الحاجة لتلبية الحاجا




.. الجيش الإسرائيلي ينشر مقطعا لعملية تحرير 3 رهائن من غزة| #عا


.. عاجل | مجلس الأمن يتبنى قرارا أمريكيا يدعو لوقف إطلاق النار




.. نتنياهو يلتقي وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في القدس