الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في اللغة - 5

عبدالله الداخل

2012 / 12 / 26
الادب والفن


1
أجمل ما يمكن أن نراه، منذ الولادة، هو وجه الأم.
لذا لا أعتقد أن عاقلاً يمكن أن يصف وجه أمه بـ"الاسطوانة"!
كيف يكون وجهُ الأم اسطوانة record؟
آخر ما أجرؤ على التفكير به هو أن وجه أمي الجميل يمكن أن يشبه شيئاً مدوراً أسود في وسطه ثقب! لو أن شيئاً من هذا القبيل يُقال الآن وتم تشبيه وجه الأم بـ"سي دي CD" فربما كان في هذا شيءٌ من الذوق لأن جميع الـ CDs فضية اللون، كالقمر! لكن كيف يكون وجه الأم كالإسطوانه؟ حتى لو كان في الظلام! بل في الظلام يكون "بدراً"!

وكل الأمهات جميلات أيضاً في مشاعرهن، رغم الحقيقة المرة بأن هناك نساءاً يُخطئن في تسمية أطفالهن!

لكن المشكلة هي أن الخطأ في تسمية الأطفال قد يصبح موروثاً!
كيف؟
إذا صادف، مثلاً، أن رجاني أحدٌ إختيار إسم ٍلمولود، فإن آخر ما يمكن أن يأتي إلى ذاكرتي هو إسم "غيلان"! وذلك لأن أول ما يتبادر الى أذهان اللغويين، وينبغي أن يتبادر قبل ذلك إلى أذهان الشعراء، أن هذه الكلمة هي في حالة الجمع (مما يضاعف المشكلة) لأن مفردها "غول"!
فكيف هيمن هذا الإسم على ذاكرة شاعر ٍبحيث سمّى ابنه الأول به؟
هذا أمرٌ عصي على الفهم!

لهذا السبب فإن من بين ما قد يدور في خـَلـَد قرائي الأعزاء الذين يتميزون بالذكاء هو احتمال إقدامي على تبديل اسمي الأول رسمياً وعلى كافة "الصّـُعُد" أو "الأصعدة" وفي كل مكان!

الشيء المدهش في تأريخ الفكر، إذاً، أن الجديد الذي يلوح مفيداً سرعان ما يصبح قديماً وربما فاسداً أو ضاراً بمجرد تفحصه بدقة والاعتراض عليه، أليس كذلك؟

2
ما زال الأميركان يستعملون عبارة hang up، لإنهاء نداء التلفون، منذ زمن كَــرَيَـمْ بَلْ Graham Bell عندما كانوا يعلـّقون (عمودياً) "البوق" receiver، الذي كانوا يضعونه على آذانهم (وهو مستقل عن بقية الجهاز)، رغم أنهم الآن قد كفـّوا حتى عن "تعليق" جزءَيْ "الهاتف"، كما في الأرضيّ القديم، في "مهدِهِما" cradle (أفقياً)!

3
أ- في مرحلة ما بعد الجلاء الصوري عن البلاد.
ب- في مرحلةِ ما بعد الجلاء الصوري عن البلاد.
ت- في مرحلةٍ ما بعد الجلاء الصوري عن البلاد.
ث- في مرحلةٍ ما، بعد الجلاء الصوري عن البلاد.

ما الفروق بين هذه الأمثلة من العبارات؟ هل في "تحريك" أو تنوين "مرحلة"، أي "ضبط آخر" المفردة هذه، وفي "التنقيط" punctuation الذي هو هنا مجرد إضافة فاصلة (فارزة) comma في المثال الأخير بهدف مزيد من التوضيح لما ورد في المثال الثالث؟

أ‌- مفهوم الزمن في المثال الأول "ضبابي" نسبياً! بل لا نعرف ماذا يريد الكاتب قوله، على وجه الدقة، بالمقارنة بالمثال الذي يليه. لكنا نفهم، على العموم، أنها المرحلة التي تلي الجلاء الصوري عن البلاد. إن مفردة "مرحلة" هنا غير محركة وكثير من القراء سيقرأون التاء فيها مسكـّنة ً("مرحلة ْ") وهو سلوك يقع ضمن العربية "الوسيطة"، "الحديثة"، أعني التي "دَرَجَ" عليها كثيرون من عرب هذا العصر، حيث تمثل حلاً "وسطاً" بين الفصحى والدارجة! أي حالة شبيهة بما توصل إلى بلورته الروائي الكبير نجيب محفوظ. قد تبدو مفردة "ما" في هذا المثال وفي المثال الذي يليه كأداة وصل، "إسم موصول" كما يعرّفه "التقليديون"، ويقابل هذا في الانجليزية "ضمير" الوصل أو الربط relative pronoun؛ لعبارة أخرى، قد تبدو "ما" هنا بمعنى "التي" وهي جزءٌ من نص تعريف أو تفسير "مرحلة"، حيث يبدأ هذا التعريف أو التفسير بها! لكن كيف يمكن تبرير كون "مرحلة" هنا نكرة، أي غير معرّفة بـ "الـ" (هي "مرحلة"، وليست "المرحلة")؟ أي لا يمكننا أن نقول: "مرحلة التي" لكنْ "المرحلة التي"! إذاً "ما" هنا "مصدرية"، وهي شبيهة بالاستعمال الآتي: "سأواصل الكتابة ما حَيـِيتُ" أي مدة بقائي حياً!

ب‌- المثال الثاني يحمل نفس المفاهيم تماماً حيث يعني الكاتب مرحلة واحدة، معينة، وهي المرحلة التي تلي الجلاء الصوري عن البلاد، لكن هذا المثال أوضح من سابقه بسبب الكسرة التي تربط الكلمة مباشرة بتعريفها "اللائق" بها! إنه "أفصح" من سابقه!
إن العلاقة الصوتية بين حرفي التاء القصيرة في "مرحلة" في المثالين الأولين هو أن الفرق في عدد المقاطع يختلف بإضافة مقطع واحد عند لفظ "ـةِ" عنه عند لفظ "ـة ْ"، أي أن "مرحلة- ْ" (بتسكين "ـة") تتكون من ثلاثة مقاطع (مَرْ-حَ-لة ْ) بينما "مرحلةِ" بـ"كسر" "ـةِ" تتكون من أربعة مقاطع (مَرْ- حَ-لَ-ـةِ)؛ إضرب المنضدة التي تجلس عليها ضرباً خفيفاً بيدك عند كل "مقطع" syllable لتكتشف الفرق في عدد المقاطع بينهما! لذلك فإن التسكين، وفي حالات مشابهة ايضا، عملٌ "تفرضه الحضارة" كما يُقال رغم احتمال اعتباره غير فصيح إلا في بعض "حالات" الشعر، لأن ما يتحكم بعدد المقاطع الصوتية هو السلوك العفوي في اللفظ لمجموعات كبيرة من الناس، لكون اللغة وسيلة َتفاهم، أداة وليست هدفاً! أما في النقاشات والجدالات والخصامات والصراعات بأنواعها فتختفي كلماتٌ بالاضافة الى اختفاء المقاطع! فمن الأمثلة الكبيرة على هذا السلوك المهم نجدها في الفروق في المفردات بين الانجليزيتين البريطانية والأميركية حيث تتمثل هذه الفروق أساساً في الفروق في عدد مقاطع المفردات البديلة في الأميركية مثلاً، وهي بالمئات، حيث أهم الدراسات في الفروق، بأنواعها، بين الانجليزيتين، تقع في بضع مجلدات! إن اختصار عدد المقاطع الصوتية syllables في المفردات الأميركية البديلة للبريطانية يؤدي في نهاية المطاف الى فروق في سُرَع التعبير وما قد ينطوي على هذه السرع أو يتولد منها من فوارق خطيرة!

ت‌- في المثال الثالث هناك تغيّر جذري في المفاهيم لأن الكاتب يفترض عدة مراحل تلي الجلاء الصوري! وهو يعني في هذا المثال واحدة من هذه المراحل، لكنه لا يقول لنا ما هي هذه المراحل وما عددها أو طبيعتها، انما يكتفي بالاشارة، بـ"غموض"، إلى واحدة منها لا يقول لنا شيئاً عنها هي الأخرى لأسباب لا نعرفها إلاّ من خلال مواصلة الخطاب discourse، وربما لن نعرفـَها لأن الكاتب قد لا يعرفـُها أو لا يريد البوح بتفاصيلها! وبسبب هذا الـ"غموض" تسمى "ما"، هنا، بـ"الإبهامية"! إذن فالكاتب "يتحدث" عن جزءٍ مما يُتحدث عنه في المثالين الأولين! لكن هذا الجزء غير معين وغير واضح المعالم، "نكرة" من نوع ٍما! وذلك لأنّ "ما" التي لا تعود الى تعريف "مرحلة" بل إلى تنكيرها (مرحلة من المراحل، غير محددة) حيث أن التصاق تنوين التاء بـ"ما" تبدو له وظيفة الإرجاع، أي إلى "الوراء"، أعني الى اليمين، نحو "مرحلة"، بعكس الاتجاه الذي يوحي به التصاق الكسرة بـ"ما" الـ"مصدرية"، فتنقلها الى الأمام، نحو اليسار، باتجاه التعريف!

ث‌- أما في المثال الرابع فإن وجود الفاصلة، التي لا يمكن استعمالها في الأمثلة "أ" أو "ب"، والتي تفيد هنا كوقفة قصيرة، هو نوع من تعزيز المفهوم الأساسي في الثالث (ت)، وهو، مرة أخرى، "تنكير" لـ"مرحلة" باعتبارها جزءاً غير واضح المعالم من مجموعة غير معروفة من الأجزاء الأخرى المشابهة.

لـ"ما"، في الأمثلة الأربعة، إذاً، وظيفتان ديناميكيتان في انتقالها في المثالين الأولين كجزءٍ من كلٍّ في علاقات لمفاهيم معينة، إلى جزءٍ من كلٍّ في علاقات لمفاهيم أخرى مغايرة في المثالين الأخيرين!


آمل أني قمتُ أعلاه بـ"وصف" description بعض "الحالات" اللغوية، بدلاً من تقديم "وصفة" prescription على طريقة "قل ولا تقل"!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان عبدالله رشاد: الحياة أصبحت سهلة بالنسبة للفنانين الشب


.. الفنان عبدالله رشاد يتحدث لصباح العربية عن دور السعودية وهيئ




.. أسباب نجاح أغنية -كان ودي نلتقي-.. الفنان الدكتور عبدالله رش


.. جزء من أغنية -أستاذ عشق وفلسفة-.. للفنان الدكتور عبدالله رشا




.. الفنان عبدالله رشاد يبدع في صباح العربية بغناء -كأني مغرم بل