الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة العنف اللفظى فى مصر

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2012 / 12 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


تنتشر ثقافة السباب واللعان فى جميع أرجاء المعمورة. فالسباب يعتبر الطريقة الوحيدة التى يجيدها المصريون عند الاختلاف فى الرأي. فالكل يسب ويلعن ويعبر عن سخطه وإحباطاته فى كل مناسبة ويتساوى فى إتقان هذه المهارة المتعلمون وغير المتعلمين والمثقفون وغير المثقفين والمشتغلون بالسياسة وغير المشتغلين بها. ومن الملاحظ أننا صرنا نشهد ظاهرة العنف اللفظى المتمثل فى السباب واللعان فى شوارع قرى ومدن المعمورة وفى قنواتها الفضائية. الغريب أن بعض مقدمى البرامج الدينية فى الفضائيات باتوا لا يترددون فى استخدام أبشع الألفاظ لمواجهة خصومهم. وكل هذا يعد انعكاسا لما يحدث من صراعات فى الساحة السياسية والتى ألقت بظلالها على الأوضاع الاقتصادية للبلاد.

من المؤكد أن الشوارع المصرية قد تحولت إلى مسرح للسباب والعنف اللفظى والبدنى. لا تكاد سيارة تلمس سيارة أخرى حتى يخرج مستقلوها للبدء فى مشاجرة حامية الوطيس تستخدم فيها كل أساليب السباب والشتائم والبلطجة. هذا ما حدث منذ أسبوعين حين كنت جالسا فى مقهى بجوار محطة أسوان حيث تصطف سيارات الأجرة فى قارعة الطريق وتسير السيارات فى كل اتجاه من دون الالتفات لإشارات المرور. لقد تفادت سيارة الاصطدام بسيارة أخرى حيث ناور سائقها حتى ارتطمت سيارته بالرصيف فبل أن تتوقف. المثير للدهشة أن قائد السيارة اعتبر سائق السيارة الأخرى هو المتسبب فى الخطأ فأسرع يلتقط سنجة من شنطة السيارة واتجه نحو السيارة الأخرى محاولا الاعتداء على سائقها وناطقا بأبشع ألفاظ السباب ولولا المارة الذين تدخلوا لتهدئة الأجواء لحدث ما لا تحمد عقباه. لعل القارئ يتساءل من أين تأنى هذه الثقافة السيئة التى لم يعتدها الشارع المصرى.

لا شك أن القنوات الفضائية التى يطل منها بعض شيوخنا ساهمت فى تسميم الأجواء. وهذه القنوات الفضائية تعتبر محط أنظار جماهير المشاهدين لتعلم دينهم و حيث يتطلع الكبار والصغار لتعلم سماحة الإسلام والخلق القويم الذى أرساه رسولنا الذى خاطبه المولى عز وجل فى سورة القلم قائلا: " وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ". الغريب إننا نفاجئ من حين إلى آخر ببعض شيوخ الفضائيات ينطقون ذات الألفاظ البذيئة التى نسمعها فى شوارع وحوارى المعمورة. لعل الجميع تابع ذلك الداعية الذى تفرغ لكيل السباب لإحدى الممثلات من دون سبب مقنع واصفا إياها بالزانية، وهى تهمة عظيمة الشأن ولذلك وضع الإسلام قيودا لإثباتها وهى توافر أربعة شهود عدول ممن رأوا الواقعة بكل تفاصيلها وإلا وقع الحد على الشهود. كما إن هنالك شيخا يرتدى الجلباب الأبيض ويتزين بلحية بيضاء يتفوه بأبشع العبارات ويكبل السباب لأحد مقدمى البرامج ويناديه يا سافل وهى الكلمة التى كررها عدة مرات. و يا ليته توقف عند عبارات السباب والشتائم لكنه حاول أن يبرر ما يفعله قائلا إن الله سبحانه وتعالى يسب ويلعن حين يقول فى القرآن" كمثل الحمار يحمل أسفارا". ويتساءل الشيخ: :أليس هذا سبا؟ ويقول الشيخ أيضا إن الخلفاء الراشدين كانوا يمارسون أسلوب السباب. فعمر رد على أحد الأعراب الذى توجه إلى الرسول مستفسرا عما يفعل بآلهة اللات والعزة: تخرأ عليه أى تبرز على هذه الآلهة. ولا ندرى لماذا لم يستشهد الشيخ بواقعة تبين حلم النبى وخلقه العظيم حين مرض اليهودى الذى كان يضع القاذورات أمام منزل النبى فزاره النبى لكى يطمئن عل صحته وكانت هذه الزيارة سببا فى إشهار اليهودى إسلامه. ونتساءل أيضا: لماذا لم يستشهد الشيخ بذلك الإعرابى الذى توجه للرسول الكريم لكى يأذن له بالزنا. هل سبه الرسول؟ هل ترك أصحابه يفتكون به أو يلقنونه درسا لا ينسى. لقد حاور الرسول الإعرابى حتى أقنعه بفداحة الزنا وذهب الإعرابى بعد أن صرف النظر عن ارتكاب هذا الفعل المحرم.

لعله بات لزاما أن نعزى كل ما يحدث من انفلات أخلافى إلى الصراع السياسيى والى الحالة الاقتصادية التى تمر بها البلاد. من المعروف أن الشارع السياسى فى مصر يتسم بالارتباك والتردد والعنف وعدم التسامح وكيل الاتهامات سواء بحق أو بغير حق والتربص وتصيد الأخطاء والكذب. لقد شهد شهر ديسمبر عدة أحداث مؤسفة وقرارات متضاربة. ففى الأسبوع الأول من شهر ديسمبر شهد محيط قصر الاتحادية أحداث عنف ضد المتظاهرين السلميين. وفى 14 ديسمبر تعرض الشيخ المحلاوى للحصار فى جامع إبراهيم بالإسكندرية وذلك لاستخدامه المنبر فى الدعاية للتصويت بنعم للدستور. وفى اليوم التالى تعرض المقر الرئيسى لحزب الوفد للاقتحام وفى اليوم التالى هدد حركة حازمون باقتحام قسم الدقى. أما فى 21 ديسمبر فقد أحبط الاهالى محاولة اقتحام مقر حزب الوفد بالسويس. كما تم إحكام الحصار حول مدينة الإنتاج الإعلامى وحول المحكمة الدستورية. وهذه الوقائع لم تخلو من العنف والسباب والتهديد والبلطجة مما يعكس حالة الانفلات الأخلاقى التى نعيشها فى المعمورة. وبالإضافة إلى ذلك فقد شهد الشهر أيضا ارتباك وتردد المسئولين فى اتخاذ القرارات. ما يدعو إلى البكاء والصراخ هو أن كل طرف يعتبر أن الآخر هو المتسبب فيما حدث ولا يعترف أى طرف بأخطائه أبدا ولا يسمع أحد لأحد ليختفى الحوار بين جميع الأطراف ولا تبقى سوى وسيلة واحدة هى العنف. وكذلك الحال بالنسبة للحالة الاقتصادية حيث تشير كل المؤشرات إلى انخفاض المؤشر الائتمانى لمصر إلى درجة خطيرة. وهذا المؤشر يعكس عدم قدرة مصر على سداد الديون ومن ثم تعكس صعوبة المفاوضات مع الجهات التى تقدم القروض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز