الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصران

صالح سليمان عبدالعظيم

2012 / 12 / 28
مواضيع وابحاث سياسية



لا يمكن لأى متابع للشأن المصري الحالي ألا يلحظ أن مصر أصبحت مصرين. كنا في السابق نتحدث عن تجانس مصر وسهولة العيش فيها، شعب واحد وأرض واحدة، رغم اختلاف الجغرافيا والطباع ومستوى الانفتاح. كنا في السابق نعيش جنبا إلى جنب نخبة وعوام، مسلمين وأقباط، فقراء وأغنياء، ليبراليين ويساريين وإسلاميين، صعايدة وفلاحين وقاهريين، ولم نكن نشعر بحجم هذا الاختلاف الهائل الذي نستشعره الآن، ومستوى العداء الذي نكنه لبعضنا البعض. ورغم وطأة النظام السابق، وحماقة سياساته، فقد كنا نشعر فعلا بالكلية الجمعية التي تمثل ثراء أى مجتمع وعظمة بقاءه واستمراره. كانت مصر توليفة جميلة بكل ما فيها من بعض القبح وشدة الفقر وهيمنة النظام، كانت مصرنا جميعا، ولم تكن يوما ما لفصيل معين، وإنتماءات سياسية أو دينية محددة. لم نكن نشعر بهؤلاء القادمين من أعماق الكراهية والرغبة الهائلة في التقسيم والتشتيت وتصفية الحسابات، كانوا يعيشون بيننا وهم يمقتوننا ويزدرون أنماط حياتنا، ويصنفوننا أهل كفر مقارنة بهم أهل الإيمان!
نجح الإخوان بامتياز، فيما لم ينجح فيه أحد قبلهم، في تقسيم مصر، من أجل مشروع سياسي أحمق، يحقق لهم الاستفراد والهيمنة والاستعلاء. وعلى جثث المصريين وتجانسهم وعبقرية بقائهم، استطاع الإخوان أن يقسموا مصر قسمين، قسم مع وقسم ضد. وهو أمر ظهر واضحا من خلال الاستفتاء على الدستور، دستور الإخوان، الذي أظهر حجم الإنقسام جليا واضحا لا تخطأه العين، رغم مزاعم الموافقة عليه.
وبعيدا عن دستور الإخوان والسلفيين الذين يتصورون أن كل شيئ سوف يتحقق بعد تمرير هذا الدستور، دستور العار والتدليس، فإن الواضح أن حالة الإنقسام مستشرية بشكل كبير في كافة أرجاء مصر، في الأسرة الواحدة، المدارس، الجامعات، المؤسسات والمصالح الحكومية، الوزارات، سيارات النقل العام، المقاهي، لن تجد حديثا إلا وينتهي بخلافات جمة بين المصريين قسم يؤيد وآخر يعارض، حتى يصل الأمر إلى الاشتباك والتراشق. لن تجد برنامجا تليفزيونيا إلا وينتهي بعراك وسباب، رغم محاولة الضيوف ادعاء الأدب والتزام الحيدة والموضوعية. لن تجد فصيلا واحدا في مصر يمكن الاعتماد عليه كركيزة للإنطلاق لجمع شمل المصريين، ولم بعثرتهم، وعراكهم اليومي المستطير. حتى الشيوخ الذين كنا نظن فيهم التعالي على الصراعات والدعوى بالموعظة الحسنة طالتهم حمى الاختلاف، وأصبحنا لا نسمع منهم إلا السباب بطريقة لم تعهدها مصر في أسوأ عصور الإنحطاط التي مرت بها. نرى شيوخا لا هم لهم سوى تعقب الآخرين والنيل منهم، من كان يصدق أن العالم ضاق بهم وبأفكارهم بحيث لا يجدون فيه سوى مطاردة برنامج كوميدي ومحاولة النيل من مقدمه، واستعداء الآخرين عليه، تعطشا لإراقة الدماء، وإثبات الذات الهمجية المتغطرسة.
كيف انجرت مصر إلى ذلك المستوى؟ وكيف أصابها هذا الإنفلات الجمعي الذي يُنبأ بمستويات غير محمودة من التقسيم الفعلي، وويلات الاحتراب الأهلي؟ وهل تواجه مصر ما آل إليه الوضع في إيران من سيطرة حكم الملالي الإخواني السلفي الجديد؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هو الحل؟ وما هي إمكانية الخروج من هذا الوضع الخطير؟
لا يرى الإخوان وأتباعهم في مصر إلا مجرد ساحة لمشروعهم الإسلامي غير واضح المعالم على الإطلاق. ويعتقد الإخوان كذبا أن الآخرين يعارضون مشروعهم الإسلامي كراهية في الإسلام وتعاليمه، ولا يرون أنهم لا يمتلكون مشروعا إسلاميا حقيقيا بالأساس. وهنا تكمن الخطورة الحقيقية فيما تواجهه مصر الآن. فالمصريون منقسمون فيما بينهم بخصوص ما يطرحه الإخوان والسلفيون وغيرهم من التيارات الإسلامية الأخرى، حول مشروع إسلامي جديد لمصر وربما في أحلامهم للمنطقة العربية والعالم الإسلامي، والمشكلة هنا أننا لا نجد مشروعا فعليا له ملامح محددة وأسس حقيقية يمكن أن تستند إليه القوى الاجتماعية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها الأيديولوجية، بقدر ما نجد شكلا من أشكال الدعوة في أبسط أشكالها البدائية التي لا تليق بمجريات الأمور في القرن الواحد والعشرين.
الإنقسام الحادث في مصر هو انقسام حول مشروع وهمي للإخوان لم تتحدد ملامحه أو أطره الفعلية التي تظهر شذرات منه من خلال دعوات المرشد المتحيزة، وأحاديث العريان الصادمة، وخطب القرضاوي الملتوية. وهي شذرات قد تحدث تأثيرها في قرى مصر الفقيرة، بينما لا تلقى رواجا في عاصمتها المستنيرة أو بين أرجاء المحافظات الأكثر تعليما ودراية مثل المنوفية والغربية والجيزة.
الواقع أن الانقسام الحالي في مصر، رغم جانبه الوهمي الذي جرنا إليه الإخوان، انقسام بين العلم والتخلف، الوعي والاستلاب، الكرامة والخضوع. انقسام تظهر فيه القاهرة واعية بمكانتها وناسها وقدراتها، بحيث تظل شوكة في حلق الإخوان وأتباعهم، شوكة في حلق من يريدون الهمينة علينا بمشروعاتهم الوهمية الضبابية الظلامية!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم المعارضة والانتقادات.. لأول مرة لندن ترحّل طالب لجوء إلى


.. مفاوضات اللحظات الأخيرة بين إسرائيل وحماس.. الضغوط تتزايد عل




.. استقبال لاجئي قطاع غزة في أميركا.. من هم المستفيدون؟


.. أميركا.. الجامعات تبدأ التفاوض مع المحتجين المؤيدين للفلسطين




.. هيرتسي هاليفي: قواتنا تجهز لهجوم في الجبهة الشمالية