الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استخدام الفقراء وليس استهدافهم

إلهامي الميرغني

2012 / 12 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


استخدام الفقراء وليس استهدافهم

صندوق النقد الدولي هو المؤسسة الدولية المسئولة عن ضبط السياسات الاقتصادية والمالية بما يضمن استمرار النظام الرأسمالي وخضوعه لتوجهات النظام الرأسمالي العالمي ومخططات حلف الناتو.أما البنك الدولي فهو المسئول عن البرامج التنفيذية لسياسات الصندوق وتمويل المشروعات التي تحقق هذه السياسات.
الغريب في الأمر أن هذه المؤسسات هي اللاعب الرئيسي في منظومة الفساد العالمي وهي هيئة الأركان الاقتصادية لنظام الليبرالية الجديدة. يساعدها بعض اللاعبين الآخرين مثل بنك الاستثمار الأوروبي وبنك التنمية الأفريقي وبنك التنمية الإسلامي وكلها مكملات لبرامج ومشروعات استمرار وإعادة إنتاج التبعية.
لعبت هذه المؤسسات دور هام في إفساد الحكومات الرأسمالية في مختلف دول العالم،بل أن بعض الأجهزة السياسية مثل المخابرات الأمريكية كانت الداعم الرئيسي لهذه السياسات كما تحدث جون بركنز في كتابه الهام "الاغتيال الاقتصادي للأمم – اعترافات قرصان اقتصادي". وبعد أن افسدوا الحكومات والحكام خرجوا علينا بمصطلح الشفافية ومكافحة الفساد التي أصبحت لها منظمة دولية واتفاقيات. وبعد أن أدت سياساتهم لسقوط غالبية سكان العالم التابع تحت خط الفقر ، خرجوا علينا بمصطلحات مثل " تمكين الفقراء " و"استهداف الفقراء" واستهداف القري الأكثر فقراً.
ولا نعلم كيف يمكن تمكين من تم استبعادهم اجتماعياً وتهميشهم ثقافيا وسياسياً ومن قبل اقتصادياً. إن مشاريع استهداف القري الفقيرة الذي قدمت له هذه المنظمات مليارات الدولارات والذي تاجرت به بعض منظمات المجتمع المدني.لم يؤدي لتقليل حدة الفقر بل أدي لتأبيد الفقر وإعادة إنتاجه وتدهور أوضاع الفقراء.
بالرجوع إلي بيانات تقرير " مؤشرات الفقر طبقاً لبيانات بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك ( 2010/2011) " الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وبعيداً عن خلافنا حول طريقة احتساب الفقر في الجهاز والذي يحدد خط الفقر الأدنى بدخل شهري للفرد 256.3 جنيه وخط الفقر المدقع للفرد 171.8 جنيه شهرياً. نجد عدد من الحقائق منها:
- ارتفعت نسبة الفقراء لإجمالي الجمهورية من 22% عام 2008/2009 إلي 25% عام 2010/2011.
- يعيش في صعيد مصر 25.6% من السكان ولكن الصعيد يضم 51% من الفقراء في مصر. هل يفسر ذلك لماذا صوتت قنا والمنيا والفيوم وبني سويف وسوهاج بنعم للدستور الجديد!!!.
- عام 2008/2009 كان 44% من سكان الصعيد لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الغذائية ولكن في عام 2010/2011 أرتفعت إلي 51% من سكان الصعيد.وتعد أسيوط أفقر محافظات الصعيد.
- إذا بحثنا عن علاقة الفقر بالحالة التعليمية سنجد 36% من الفقراء أميين عام 2010/2011 و29% منهم يقرؤون ويكتبون و24% يحملون شهادات محو الأمية . لكن من المهم أيضا أن نعرف أن 7% ممن يحملون شهادات جامعية فقراء و 13% ممن يحملون شهادات فوق المتوسطة و 21% ممن يحملون شهادات ثانوية فنية.
- وإذا عرفنا أن حملة الشهادات الجامعية الفقراء زادت نسبة الفقر بينهم من 5% إلي 7% بين عامي 2009 و2011. بينما حملة الدبلومات الفنية زادت نسبة الفقراء بينهم من 17% إلي 21% خلال نفس الفترة. لعرفنا مدي اتساع الفقر.
- نسبة الفقراء بين موظفي الحكومة والقطاع العام 10.1% و عمال القطاع الخاص 26.7% منهم فقراء وعمال القطاع الخاص خارج المنشآت منهم 61.4% فقراء ذلك رغم اختلافنا من تقديرات الجهاز في حساب معدل الفقر.
- ارتفع عدد الفقراء من العاملين في أعمال غير دائمة من 13% عام 2008/2009 إلي 25% عام 2010/2011 أي تضاعفت نسبتهم خلال ثلاث سنوات.
ضمن مشروع استهداف الفقر الذي تنفذه وزارة التنمية المحلية بتمويل عدد من المنظمات الدولية نجد أن المشروع يستهدف 1092 قرية موزعة علي 223 وحدة محلية.ويتضح من تقرير الوزارة المنشور علي موقعها أن 93% من القري الأكثر فقراً موزعة علي خمس محافظات بالصعيد هي المنيا 33% وأسيوط 22% وسوهاج 25% وقنا 11% والأقصر 3% . وهي المحافظات التي صوتت بنسبة 84% و77% و79% و85% و77% بنعم. بينما يوجد محافظتين فقط من الوجه البحري هما الشرقية والبحيرة.ورغم أن معدل الفقر في محافظة الفيوم يبلغ 41% وفي بني سويف 38% وفقاً لبيانات التعبئة والإحصاء إلا أنها لم تدخل ضمن مشروع استهداف الفقر بما يعكس خلل معايير الاختيار .كما أن معدل الفقر في أسيوط اكبر من المنيا ومع ذلك قري المنيا المستهدفة أكثر.


كيف يستهدفون الفقر
كل البرامج التي تمول بمليارات الدولارات لا تقضي علي الفقر ولكن تساعد الفقراء علي التكييف مع الفقر. ومنذ سنوات اقتصر التعامل علي استخدام الفقراء في الحشد والهتاف " بالروح بالدم " عبر سنوات طويلة. وأتذكر الدييش عرايس بطل رواية يوسف القعيد " يحدث في مصر الآن " الذي خرج يستقبل نيكسون وينتظر أنهار السمن والعسل التي بشرنا بها السادات أو ليحصل علي علبة سمن أمريكي وشكارة دقيق عليها علامة المعونة الأمريكية.وكيف قاده الحلم إلي الموت في مظاهرة استقبال نيكسون.
علي مدي تاريخ طويل يعود لما قبل ثورة 23 يوليو ، كان الفقراء هم وقود التغيير في ثورة الشعب عام 1919 أو في ثورة 1936 وماتلاها . لكن الحكومات المتعاقبة كانت تكتفي باستخدام الفقراء وحشدهم في الانتخابات من اجل إنجاح أحزاب الأقليات قبل الثورة ، أو لإنجاح مرشحي الاتحاد الاشتراكي بعد الثورة. لم تسعي الحكومات الرأسمالية المتعاقبة علي مواجهة الفقر بل عملت علي استخدام الفقراء. واستطاعت ثورة يوليو تقديم عدة مكتسبات اجتماعية للفلاحين ولكن حرمتهم من حق التنظيم فحلت الأحزاب وحرمتها وظلت التعاونيات الزراعية حكر علي ممثلي العائلات وكبار الملاك وقيادات الاتحاد الاشتراكي والحزب الوطني،فضاعت المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية وفسدت التعاونيات.
عندما جاء الرئيس السادات ثم تبعه الرئيس مبارك،ورغم تحول حزب السلطة من الاتحاد الاشتراكي إلي حزب مصر ثم الحزب الوطني ظل الفقراء يستخدمون في المواكب والانتخابات ويحشدون بنفس الطريقة القديمة للتصويت لمرشح الحكومة أي كان هذا المرشح ، احد القضاة أو ضباط الشرطة السابقين أو احد كبار العائلات وقيادات الحزب.لم يتم مواجهة الفقر ومساعدة الفقراء علي تجاوزه ، بل تم استخدام الفقراء وإعادة إنتاج الفقر. زاد من ذلك بيع القطاع العام وتقليص وإلغاء الدعم وخصخصة المرافق والخدمات العامة وإطلاق قوي السوق تعربد وتنهش الفقراء.
عام 2005 اصدر "ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان" تقريراً مفصلاً حول "جرائم الفقر في مصر" ، وذلك خلال الفترة من 1 مارس - 30 يونيو 2005. وقد سجل التقرير عدد من الملاحظات منها: خلال 4 شهور حدثت 197 جريمة بسبب الفقر.تراوحت المبالغ المالية والعينية موضوع الجرائم بسبب الفقر من (5) جنيهات إلى (2000) جنيه مصري، وبلغت نسبتها 9.6% من إجمالي الحوادث التي حدثت خلال هذه الفترة.
يرتبط الفقر بالعنف بدء من العنف الأسري وانتهاء بالعنف الاجتماعي وصولاً إلي البلطجة واستخدام القوة . لو عادت ذاكرتنا للوراء قليلاً سنجد أن بلطجية الحوض المرصود قاموا بمجزرة في السيدة زينب وقبض علي 11 منهم ( جريدة الوفد 18 مايو 2004 ).في مركز طوخ بمحافظة القليوبية القي بلطجي مية نار علي شخص رفض دفع الإتاوة ( جريدة الوفد26 يونية 2005 ).كما هاجم 35 بلطجي قرية الأطفال في مدينة نصر ( المصري اليوم 19 فبراير 2007 ).أوقف خمسة مسلحين بأسلحة بيضاء حركة المرور بالحي الثامن بمدينة نصر ـ لمدة ساعتين كاملتين- ومنعوا الميكروباصات من نقل أي مواطن من منطقة ميدان "التبة" إلي الخارج ( جريدة البديل 24/4/2008).
قبل انتخابات مجلس الشعب المزورة في 2010 انفردت جريدة الوفد المصرية بنشر دراسة اللواء رفعت عبد الحميد خبير العلوم الجنائية حول العلاقة بين البلطجة والفوز بالانتخابات، حيث أكدت الدراسة،على الارتفاع الجنوني في أسعار البلطجية وخاصة النساء اللاتى سيعملن لصالح المرشحات على مقاعد كوته المرأة.وإذا كان موقع إيلاف قد عرض عام 2010 لظاهرة البلطجة النسائية ، فقد شهدت مصر كلها اعتداء البلطجية علي معارضات التعديلات الدستورية في عام 2005 أمام نقابة الصحفيين وهتك عرض الصحفيات المعارضات.
لذلك لا يجب أن يتمادي البعض باتهام ثورة 25 يناير بأنها السبب الرئيسي لهذه الظاهرة التي عادت للانتشار في مصر مع اشتداد أزمة نظام مبارك واستمرت حتى الآن.
كما أن تطور الدولة البوليسية الاستبدادية وتوسع جهاز الشرطة في استخدام الفقراء لمواجهة الفقراء ،عادت ظاهرة البلطجة تطل برأسها من جديد لتذكرنا بفتوات حرافيش نجيب محفوظ ، أو فتوات عماد الدين وكلوت بك في أفلام العشرينات والثلاثينات. وعلي مدي عقدين تم التوسع في استخدام المرشدين والتي تقدر بعض المصادر عددهم بمئات الآلاف. ووفقا لما نشرته جريدة الأهرام يوجد في مصر 93 ألف مسجل خطر.
لذلك لم تؤدي البرامج الحكومية إلي تقليل حدة الفقراء أو أعداد الفقراء بل أدت إلي استمرار الفقر وتأبيده واتساع خريطة انتشاره.كما أن الشرطة استغلت احتياج الفقراء في توظيفهم لصالح حماية الأمن مع بعض الصدامات التي تحدث بين الحين والآخر ويقع ضحيتها رجال الشرطة أنفسهم.وكما يقول المثل الشعبي " اللي يحضر العفريت ... يصرفه ". ولعل صدامات الشرطة وبعض البلطجية في المنيا منذ أيام لخير دليل علي ذلك ، وكيف ينقلب السحر علي الساحر.
كما أن جماعات الإسلام السياسي استخدمت هذه الظاهرة لصالح حشد أنصار لها تعدهم بالجنة في الآخرة ، وكانت عشوائيات القاهرة مثل إمبابة وعين شمس معاقل للجمهوريات الإسلامية في فترات سابقة . ومواقع لنشر عشرات الجمعيات والمراكز الاجتماعية التي تقدم بعض فتات الخدمات للفقراء الذين توقفت الدولة عن دعمهم وتركتهم لقوي السوق وتجاره .كانت الجمعيات الخيرية تحشدهم كوقود لمعاركها لكي تعيد إنتاج الفقر ولا تواجهه. نفس الوضع ينطبق علي منطقة أبو هلال في جنوب مدينة المنيا والتي تفجرت فيها أحداث العنف مع الشرطة منذ أيام.
أوضحت دراسة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار " أوضاع الفقراء في مصر " والتي نشرت في مارس 2010 أن 26% فقط من الفقراء يهتمون بالسياسة بينما 74% من الفقراء ليست لديهم اهتمامات سياسية.كما أوضحت نتائج الدراسة أن 63% من الفقراء يعتمدون علي أراء أصدقائهم كمصدر للمعرفة.وأوضح 36% من الفقراء أنهم شاركوا في الانتخابات البرلمانية .
ومن النتائج الهامة حول المؤسسات التي يثق بها الفقراء يتضح أن 85.1% من الفقراء يضعون ثقتهم في الجمعيات الخيرية،كما أن 78.3% يعتمدون علي التليفزيون كمصدر ثقة. لذلك فإن علينا أن نضع هذه الحقائق نصب أعيننا وهناك الاف الجمعيات الخيرية التي تؤبد الفقر وتشتري الفقراء.لذلك حرص مشروع الدستور الجديد علي جعل الجمعيات الخيرية بالإخطار من اجل المزيد من خداع الفقراء. كما أن هذه النتائج توضح خطورة القنوات الدينية التي نسخر منها ونضحك من شيوخها مع باسم يوسف،بينما هي تشكل مصدر رئيسي للمعرفة والثقة لدي الفقراء !!!!
نشر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار دراسة في يوليو 2009 حول " موائد الرحمن " أوضح خلالها وجود أكثر من 13 ألف مائدة رحمن يأكل عليها ما بين 1.8 و 1.9 مليون شخص خلال شهر رمضان وتتكلف أكثر من 516 مليون جنيه سنوياً.كما أوضحت دراسة أخري للدكتور حمدي عبدالعظيم أن المصريين ينفقون علي سهرات رأس السنة 5 مليار جنيه سنوياً .
كما تقدر دراسة مركز المعلومات " التقرير الأول لمرصد العمل الخيري في مصر" أكتوبر 2010 حجم العطاء الخيري في مصر بنحو 4.5 مليار جنيه لو أنفقت علي جميع الأفراد تحت خط الفقر سيكون متوسط نصيب الفرد 278 جنيه سنوياً أي 23 جنيه شهرياً. لذلك لا يمثل هذا الحل سوي تجميل للصورة وتأبيد للفقر تستثمره الجمعيات الخيرية وتوظفه سياسياً ليظل الفقراء علي فقرهم.
إن ما يحدث باسم الدين سواء من الجمعيات والأحزاب الدينية أو من أجهزة الدولة لا يحقق إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية وضخ استثمارات تساهم في توفير فرص عمل منتج وتشكل مواجهة حقيقية للفقر.بل أن ما يحدث ليس استهداف الفقراء بل استخدام الفقراء وفقرهم وتوظيفهم لخدمة أجهزة الدولة البوليسية الفاسدة من ناحية أو قوي الفاشية الدينية من ناحية أخري .

إلهامي الميرغني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصنيف فقراء مصر
‎هانى شاكر ( 2012 / 12 / 28 - 14:58 )

تصنيف فقراء مصر

مصر تئن ألأن تحت ضغط ألإنفلات ألسكانى وألفقر .. قدرة مصر على إستيعاب ألسكان ، وأيضاً إحتياجها ألفعلى لسكان قادرين على إقامة مجتمع صحى قادر على ألإنتاج وإدارة مرافق ألبلاد وألدفاع عنها ... لاتزيد عن عشرة -10- ملايين

إذن هناك فائض بشرى مقداره خمس وسبعين مليون .. - 75 مليون ..

طب دول بتوع مين ؟ وكيف سيتوزع وقود ألأتون ألقادم لحرق مصر فى اليوم ألتالى لنهب ألمتحف ألمصرى ؟

أ - فقراء ألحكومة .. جحافل ألموظفين ألذين فقدوا ثرواتهم فى الدروس ألخصوصية على أولادهم ألعاطلين .. ألذين يجيشون فى أتوبيسات ألحزب ألوطنى لأنتخاب ألرئيس ..

ب - فقراء ألأسلام ألسياسى ... أهالى ألحاج ألعائد من ألخليج بعشر زوجات منقبات و 100 عيل .. فى أيديهم سيوف جاهزة لقتل ألسائح وزوجته ألكفار .. وهدم بيت القبطى ألمشرك وحرق كنيسته

ج - فقراء ألله .. من نسيهم ألكل .. المعين ألذى لا ينضب لتنهل منه الحكومه جنود ألأمن ألمركزى - 150 جنيه راتب شهرى - ولينهل منه كحاكيح ألقرضاوى زوجات مراهقات ب 500 دولار للقطعه


...

اخر الافلام

.. مسؤول إيراني لرويترز: ما زلنا متفائلين لكن المعلومات الواردة


.. رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية يأمر بفتح تحقيق




.. مسؤول إيراني لرويترز: حياة الرئيس ووزير الخارجية في خطر بعد


.. وزير الداخلية الإيراني: طائرة الرئيس ابراهيم رئيسي تعرضت لهب




.. قراءة في رسالة المرشد الإيراني خامنئي للشعب حول حادث اختفاء