الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طلاب الولاية لا يولون

خالد قنوت

2012 / 12 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


لا يمكن لأحد أن ينكر العنف الذي تعرض له المعارضين السوريين للنظام السوري منذ ثورة البعث سنة 1963, لكن عنف النظام أخذ منحاً أكثر قسوة و تنظيماً مع استيلاء حافظ الأسد على الحكم في سورية و ترتيبه البيت السوري على قواعد أمنية و استخباراتية في منتهى الصرامة و التعقيد قوامها أجهزة تصل لحد الاختلاف فيما بينها و لكنها تصل لقمة المنافسة في نيل الرضى الأسدي و لكنها جميعها تتقاطع عند شخص الرئيس و قراراته غير القابلة للنقاش. استمرت هذه المكونات الأمنية و الاستخباراتية في نفس طريقة العمل بعد توريث السلطة لبشار الأسد بالرغم من تغيير كل قياداتها و لكنها بقيت تحت نفس الشكل و المضمون مع محاولة مفضوحة لتحسين صورتها القبيحة زمن ربيع دمشق المغدور.
نضالات المعارضين السوريين وصلت إلى شكل دونكيشوتي خلال عقدين من الزمن مع جذر جماهيري و تدجين للشعب و للقوى السياسية التاريخية في منظمات شعبية و جبهة وطنية و اتحادات و نقابات لا تملك من العمل السياسي سوى التبعية المطلقة للنظام و لرئيسه شخصياً.
تم التعامل مع القوى المعارضة بكل أشكال القمع بدءاً بالاعتقال و انتهاءاً بالتصفيات فكان أكبر الضحايا هم الأحزاب اليسارية و الحركات الدينية نتج عن ذلك سحق لحزب العمال الثوري و لحزب العمل و للمكتب السياسي و بعض الأحزاب الكردية مع بقاء أغلب كوادرها بالداخل و كذلك سحق دامي لحركة الاخوان المسلمين التي انتقلت للعمل السياسي في المنفى فخسرت القاعدة الشعبية التقليدية لها مع مرور السنين.
بقايا المعارضين حاولوا عدة محاولات لتجميع قواهم و قد سمحت لهم الفرصة مع ربيع دمشق و إنشاء المنتديات للحوار و الاتفاق و الاختلاف لكن طبيعة النظام لم تسمح لهم بإعادة إنتاج سياسي لها, فزج المعارضين ثانية في غياهب المعتقلات بمحاكمات أمنية إقصائية.
قيام الثورة, أعاد الحياة للمعارضين الذين صدمتهم الثورة كما صدمت بإصرارها و تضحياتها النظام نفسه الذي أعاد ترتيب أوراقه من جديد و بدأ باستهداف الشخصيات المعارضة التي تمتلك بعداً وطنياً واعياً, سرعان ما جعل معظمهم يهجرون الوطن و ينتشرون في أقصاع الأرض ليعملوا منها في خدمة الثورة و استمراريتها.
الفرز الحقيقي و الأصيل للحراك على الأرض كان الأخطر على النظام و قد كان ذكياً و فعالاً إلى حد أخرج مئات الألوف من السوريين بشكل مدني سلمي غير مألوف في تاريخ سورية بهذا الشكل و بهذا الوعي الشعبي الذي تمثل بالهتاف الوطني المدني و بالشعارات التي تدرجت بالمطالبة بالاصلاح و تحقيق الحرية و الكرامة و دولة ديمقراطية مدنية تعددية إلى مطلب إسقاط النظام بتناسب طردي مع ازدياد عنف النظام و همجيته.
استطاعت الأجهزة الأمنية أن ترصد و تحدد تكون قيادات ميدانية لهذا الحراك فعالجته بالتصفيات و بالاعتقالات و بالتهجير القسري و قد أصابت الصفين الأول و الثاني من تلك القيادات فكان الجيل الثالث المتشكل أقل خبرة آنذاك و لكن الانتقال القسري و الدراماتيكي إلى الحالة المسلحة أفقد الحراك السياسي هذا الجيل بأغلبيته و انتقل إلى العمل المسلح أو للعمل الإغاثي.
المراحل المتلاحقة التي مرت بها المعارضات الخارجية و ما تمخض عنها من كيانات غير متجانسة تصل إلى الحد المرضي أفرزت مجلس وطني و هيئة تنسيق تنافرت و تصارعت إلى حد شوه العمل السياسي نفسه, تجسد ذلك في الشخصانية و الذاتاوية و الاقصائية و لكن الجميع اتفق على أنه يمثل الثورة و هو لا يملك أي ثقل على ارض الواقع.
الشهية الكبيرة لبعض المعارضين التقليديين و لبعض من السياسيين و لبعض الحالمين بالعمل السياسي دفعتهم لإقامة تكتلات سياسية تدرجت من الحالة الفطرية البدائية إلى الحالة الوهمية, تدفع غالبيتهم حب السلطة و الظهور الشخصي و هذا لا اعتبره امتهان من أحد لأنه مع الوقت سيتفاعل و يفرز أشكالاً سياسية قد تكون صحيحة و صحية في المستقبل إذا استطاعت أن تكون مقنعة للمواطن السوري الذي يرتقي بحسه السياسي مع يوميات الثورة.
الحدث الأهم هو تشكيل الائتلاف الوطني لقوى المعارضة الحديث و ما حمله من مهمة قد تكون أكبر من إمكانياته التي قد تكون معدومة في ظل تحديات وطنية و دولية هائلة تترافق مع حجم دمار اقتصادي للوطن و أعداد كبيرة لمتضررين لا يمكن لمنظمة أو دولة بعينها أن تتمكن من توفير متطلبات الحياة الأساسية لهم, ناهيك عن بنيته غير المتجانسة أيضاً و تنافرها تتمثل بانتقال التجربة الفاشلة لأعضاء المجلس الوطني معهم و تسلطهم على الائتلاف من جديد. لا يمكن هنا أن نغفل عن حالة رياء و كذب متعمد لدول و منظمات دولية في تقديم الدعم السياسي و المادي و التي تثبت كل يوم إصرارها على الدفع في عملية التدمير الذاتي لمقدرات الوطن الاقتصادية و العسكرية و الاجتماعية في انتظار و ترقب لمكون سياسي يستطيع أن يوقع أوراق اعتماده على حساب الوطن و سيادته و استقلاله و هذا ما لم يستطع أحد أن يفعله حتى الآن.
السبب الرئيسي لذلك هو ما يحصل على أرض الوطن, حيث الثورة تستمر برصيد ذاتي أساسي اسطوري مع دعم خارجي مقبول من السوريين المغتربين. السوريون اليوم يتدبروا أمورهم المعيشية و الإغاثية و التسليحية بقدرات ذاتية محضة, هناك تكافل اجتماعي أعظم من أن يوصف بكلمات, و تفاني في تقديم الإعانات و الإغاثات بين الأحياء و القرى و المدن السورية, طبعاً لا ننكر وجود مستغلين و طفيليين يتصيدون لقمة العيش من أفواه الجوعى فيحتكرون المواد الغذائية و يزيدون أسعارها و يرفعون من قيم استئجار المساكن في وقت يعيش السوريين في المدارس و الحدائق العامة و حتى في الكهوف. الحالة الذاتية الأكثر جدارة, هي موضوع تسليح الجيش الحر و كتائبه التي انتظرت المدد و السلاح النوعي أشهر و أشهر فلم تستلم سوى النذر اليسير فما كان منها إلا أن تسلح نفسها من مخازن الجيش السوري الذي تخلى عن مهمته الوطنية الأساسية في الدفاع عن الشعب.
يتحول الوضع السياسي و العسكري في الداخل بشكل متسارع و قد يصل لحد المفاجأة. هناك مناطق خارج نطاق سيطرة النظام تماماً لا يعكر صفوها سوى قصف طيران سلاح الجو لها, يستطيع السوريون ابتداع الطرق و الوسائل التي تثبت تمسكهم بالأرض و بالحلم الكبير في الحرية, صحيح انهم يتعرضون للجوع و البرد و لكنهم صامدين و مصممين على استكمال ما بدأوه و دفعوا ثمنه غالياً.
بالعودة للائتلاف الوطني لقوى المعارضة و بعد أن نال الاعتراف الرسمي من دول كثيرة في العالم كممثل وحيد للثورة السورية و لتحقيق حالة نوعية وطنية تنقله من حالة التحسر و النواح من تقصير الآخرين الذين وعدوه و لم يفُ بوعودهم لغاية في نفس يعقوب, و كحالة تطهيرية ذاتية من العناصر المتسلقة التعطشة للسلطة و للاقصاء فإن انتقال الائتلاف الوطني إلى الداخل السوري المحرر صار أكثر من أساسي و ضروري أو على الأقل إلى المناطق الحدودية.
لا يمكن أن تكون هناك قيادة لثورة تخاطبها عن بعد و عن طريق البرامج التلفزيونية و الفضائيات إلى ما لا نهاية.
الثورة بأشد الحاجة اليوم لتضحيات تبدأ من قيادتها أو من تدعي القيادة, تعيش مع الشعب و مع المقاتلين تجوع مع جوعهم و يصيبها البرد كما تصيبهم و تتقي المخاطر و تقاتل كما يقاتل الجميع. تعيش معهم و تبني صروح الثقة و الاحترام بين الشعب الصامد و بينها.
هذا الكلام لا يخص الائتلاف الوطني وحده و إنما كل قيادة أو كل من يطمح لقيادة الوطن. لا يمكن أن يضحي الشعب و عند سقوط النظام يهبط المعارضين الأشاوس على الوزارات و المناصب من علياء أبراجهم.
لا يمكن أن يبرر أحد من المعارضات الخارجية بقائه خارج الوطن و هناك العديد من المعارضين مازالوا يعملون بالداخل و بين الجماهير و تحت القصف و التهديد و الجوع و البرد. ليس هناك معارض في المنفى يطمح للقيادة أفضل و أهم من رياض الترك و ياسين الحاج صالح و خولة دنيا و رزان زيتون و منتهى الأطرش و منذر خدام و عبد العزيز الخير و الكثير الكثير ممن نعرفهم و لا يمكن أن نبوح بأسمائهم و آخرين لا نعرفهم و لكنهم يعملون بصمت نسمع بأسمائهم بعد استشهادهم مدنيين كانوا أم عسكريين.
الحكومة الانتقالية العتيدة المرتقبة لا تأخذ مشروعيتها إلا على أرض سورية أو على الأقل بين سوريي المخيمات على حدود الوطن و بعدها تنتقل إلى الداخل لتعمل و تعيش و تنتصر مع الشعب السوري و ترقص في ساحات مدنه و قراه كما سيفعل السوريين, لا عن طريق شاشات الفضائيات و الكومبيوترات.
شرعية أي حكومة انتقالية تأتي من الشعب و ليست من الدول الاقليمية و العظمى و لا من الأمم المتحدة.
ستثبتون صدقكم و أصالتكم بذلك و سترون أن العالم سيجري وراءكم يطلب موافقتكم على الدعم و الاعتراف لا أن تستجدوا دعمه و اعترافه و معوناته.
الشعب السوري أثبت للعالم أنه يملك القرار و قد امتلك الوسائل و ليس لأحد في هذا العالم منة عليه فقد باعوه الكلام و الوعود و قد شبع منها. بقدراته الذاتية يسير و يسقط الأقنعة عن الجميع و يحصن نفسه من الفتن و التشرزم و الأجندات اللاوطنية.
كل يوم تزداد قناعتي بأن هذا الشعب الاستثنائي سيفاجئ العالم برقيه و حضاريته و وعيه خاصة بعد إسقاطه للنظام نهائياً و هو الوحيد الذي سيختار قيادته من الأكفاء و الأصيلين و المخلصين و المضحين من بين صفوفه و ليس ممن يتمتع بالدفء و الأمان و رغد العيش خارج الوطن ونصب عينيه السلطة و الجاه و الولاية, فقد قالها الفاروق عمر بن الخطاب, يوماً: (طالب الولاية لا يولى).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تشهد انتخابات رئاسية يوم الجمعة 28 يونيو والمرشحون يتق


.. الاعتداء على داعمين لفلسطين اعتصموا بمركز تجاري بالسويد




.. تقرير حالة انعدام الأمن الغذائي: 96% من سكان غزة يواجهون مست


.. مصادر العربية: إطلاق النار في محج قلعة أثناء القبض على من سا




.. -إيرباص- تُعاني بسبب الإمداد.. والرئيس التنفيذي للشركة يتوقع