الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحريات العامة في الدستور العراقي لسنة 2005 (بين المفهوم الغربي والفقهي)

ئارام باله ته ي

2012 / 12 / 28
حقوق الانسان


الحريات العامة في الدستور العراقي لسنة 2005
(بين المفهوم الغربي والفقهي)
يعتقد جان جاك روسو أن "الحرية الحقة هي أن نطيع القوانين التي اشترعناها نحن لأنفسنا"
وفي المعنى الصوفي كما يوردها الجرجاني "الحرية في اصطلاح أهل الحقيقة الخروج عن رق الكائنات وقطع جميع العلائق والأغيار وهي على مراتب" . ويلاحظ ان مفهوم الحرية يستخدم بهذا المعنى في الفلسفة الحديثة (ديكارت ، سبينوزا ، كانط ) . ويذهب الليبراليون الى المناداة بالتحرر الكامل من كل أنواع الاكراه الخارجي أو الداخلي والتصرف ضمن مايمليه قانون النفس ورغباتها ، وتكريس الحريات على شكل عقد اجتماعي تتفق عليه الأغلبية ، وهي تشمل الميادين الأقتصادية والسياسية والأجتماعية . في حين يثير المفكر (عبدالله العروي) في هذا الجانب نقطة بالغة الأهمية ، أردت أن أجعل منها منفذا للتطرق الى (الحريات) في الدستور العراقي لسنة 2005 ، اذ أن العروي يذهب الى أن الكلمة العربية (الحرية) ضيقة بالنسبة للمفهوم الغربي حول الحرية . ويضيف بأن الفقه الأسلامي يربط بين مفهوم الحرية والعقل والتكليف والمروءة . وينتهي العروي الى أن الحرية عند الفقهاء المسلمين: هي الأتفاق مع مايوحي به الشرع والعقل . انطلاقا من هنا فأن المرء يتساءل عما اذا كانت هذه الحريات الموجودة في الدستور متطابقة مع المعاير العالمية (الغربية الصبغة) أم أنها على غير ذلك ، لاسيما أن المادة (38) من الدستور تشير صراحة الى أن هذه الحريات يجب أن لاتتعارض مع النظام العام والاداب . هذا في الوقت الذي يختلف فيه مفهوم ومعيار (النظام العام والاداب) بين العراق والدول الغربية ، بل أن هذا المفهوم يختلف من منطقة الى أخرى داخل العراق نفسه . وكذلك الحال بالنسبة للمادة (42) التي تكفل حرية العقيدة ، هي بدورها تحدث اشكالية أخرى مشابهة . اذ أن المفهوم الغربي لايرى عتبا على من يغير دينه ، ويعد ذلك جزءا من حرية العقيدة . في حين أننا هنا سنكون أمام اشكالية عقوبة (المرتد) ، وكذلك تعارض هذه الحرية العقيدية مع ماجاء في المادة (2) من الدستور العراقي والمتعلقة بعدم جواز سن قانون يتعارض وثوابت أحكام الاسلام .
ان قانون ادارة الدولة على الرغم من خلطه بين الحقوق والحريات ، وعدم فرده لباب خاص بالحريات ، الا أنه برأينا كان أكثر توفيقا من الدستور في موضوع الحقوق الحريات ، عندما أشار بما لايقبل اللبس في المادة (23) الى تمتع الشعب العراقي بكل ماجاء في المعاهدات والأتفاقيات الدولية وغيرها من وثائق القانون الدولي . لكن هذه المادة لم تضف الى الدستور بفعل فاعل أو بعفوية ، وهذا يمكن أن يفسر بالنهاية الى عدم ارتقاء (الحريات) الموجودة في الدستور العراقي الى درجة الحريات وفق المعاير العالمية . من جانب اخر، ان الدستور العراقي يعطي انطباعا بالتعارض بين نصوصه أحيانا ، اذ بالأضافة الى ماتم ذكره ، تذهب المادة (43) الى حرية ممارسة الشعائر الحسينية ، دون أن تحدد ماهية هذه الشعائر . حيث نرى أطفالا يعرضون أنفسهم للضرب والتجريح بالالات الحادة (وهي حرية دستورية) ، لكنها تتعارض مع ماجاء في المادة (29) من مسؤولية الدولة في حماية الطفولة . وهنالك اشكاليات أخرى شبيهة ، ربما أسؤها تشجيع القبلية والعشائرية في دولة لها 5000 سنة من الحضارة !!
وعلى الرغم مما سبق فأن الدستور يحفل برزمة جيدة من الحريات ، لو طبقت على أرض الواقع ، وهذه اشكالية اخرى لايسع المجال للدخول في شرح تفاصيلها ، واخر مثال على ذلك تعرض السجينات لأعمال تتعارض مع المادة (37) فقرة (ج) من الدستور.أي أن التطبيق يختلف عن التنظير الدستوري .
وهناك من يذهب الى أن الضوابط الدستورية المتمثلة بـ ( مبدأ سيادة القانون ، مبدأ الفصل بين السلطات ، مبدأ استقلال القضاء ) ، يمكن أن تكون ضمنات أساسية لحماية الحقوق والحريات الواردة في الدستور العراقي . هذا لو تم تفعيل هذه الضوابط الدستورية وتوفرت ارادة وثقافة تحترم الأنسان كأنسان ولدته أمه حرا لايجوز استعباده ، وفق القول المنسوب لعمر بن الخطاب . لكن الممارسات اليومية في العراق ، تذكرني بمقولة (هيغل) "ان الدولة في الشرق تتميز بحرية مطلقة لفرد واحد وعبودية مطلقة لمن سواه" .
يعتقد (حسن الترابي) أن الفرد يتحمل مسؤولية دينية للمثابرة بغية الوصول للحرية ، ويجوز له القتال ضد حكم الأستبداد . في حين لازال الكثيرون يؤمنون بثقافة الحجاج بن يوسف الثقفي التي ترى أن ضعف السلطان أضر من جوره . وأمام هذا التصدع الثقافي المتباين تبقى مسألة الحريات غير مفهومة أو غير متفق عليها ، ليس في العراق فحسب بل في الدول ذات الثقافة الأسلامية بصورة عامة . وعليه فأن الشد والجذب بين الثقافة الغربية والاسلامية يظهر بوضوح في موضوع الحريات العامة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: عملية رفح تخدم هدفي إعادة الأسرى والقضاء على حماس


.. شبكات | تفاصيل صفقة تبادل الأسرى ضمن الاتفاق الذي وافقت عليه




.. الدبابات الإسرائيلية تسيطرعلى معبر رفح الفلسطيني .. -وين ترو


.. متضامنون مع فلسطين يتظاهرون دعما لغزة في الدنمارك




.. واشنطن طالبت السلطة الفلسطينية بالعدول عن الانضمام للأمم الم