الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل لعب المفكرون العرب أي دور في ثورات الشعوب العربية؟

منعم زيدان صويص

2012 / 12 / 29
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


عادة ما تسبق ثورات الشعوب إرهاصات وتحركات ثقافية على مستوى الكتاب والفلاسفة وقادة الرأي الذين يرون ما لا يراه الناس العاديون ويلاحظون تغييرات مبكرة أو توترات أو علامات تعطيهم الإنطباع بأن تحولا سيحصل في حياة الناس وأن مرحلة جديدة ستبدأ في تاريخ الشعوب، ولكن ثورات الشعوب العربية الحديثة داهمت المثقفين والمفكرين العرب مثلما داهمت الحكام والأنظمة وأخذتهم على حين غرة.

فعلى سبيل المثال، تنبأ زبيغنيو بريزنسكي، الأمريكي البولندي الأصل والخبير في علم السياسة والإستراتيجي الشهير الذي كان مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس جيمي كارتر، بسقوط الإتحاد السوفييتي، وتنبأ بالغزو السوفييتي لأفغانستان وأخر تنبؤاتة كانت أن الولايات المتحدة الآن تبدو عليها نفس الأعراض التي أدت إلي "تعفن" الإتحاد السوفياتي من الداخل. ويبدو أن التطورات الحالية في العالم توحي بأن هذه النبوءة الأخيرة منطقية.

أما كتابنا ومفكرونا وقادة الرأي عندنا فقد كانو متلقين وليسوا مساهمين فيما حصل، كانت تصرفاتهم ردود فعل وليست أفعالا، فلم يتنبأوا بهذه الثورات ولم يتوقعوها أبدا، وبدل أن يقودوا الشعوب أصبحت الشعوب تقودهم.
وأعتقد أن سبب فشل الكتاب والمفكرين وقادة الرأي العرب في أن يكونوا جزءا مما حدث في المنطقة العربية هو أن هذه الثورات لم تكن نتيجة لرغبة حقيقية في التغيير مبنية على "عوامل ضغط ثقافي" بدأ بالتدريج ووصل إلى نقطة الإنفجار، وأنما نتيجة ضغط إقتصادي، لأن شرارة هذه الثورات إنطلقت من تونس حيث أحرق الشاب البوعزيزي نفسه لأن وضعه المعاشي كان سيئا ولم يكن له عمل دائم يعتاش منه ولأنه شعر بالإهانه لأنه تلقى صفعة من شرطية، وعندما علم التونسيون بما حدث خرجوا بمظاهرات ضد الوضع الذي كانوا فيه من بطالة وفقر، وتسلط ممثلا بالنظام التونسي. ويمكننا أن نقول ان الأوضاع المعيشية التعيسة في مصر وليبيا وسوريا واليمن وحتى الأردن والفرق الشاسع بين الغني والفقير نتيجة لتبني هذه الدول النظام الرأسمالي واقتصاد السوق، جعل الناس يثورون على أوضاعهم وعلى حكوماتهم التي لم تكن تعيرهم أي إهتمام، وكانت الشعوب في جميع هذه البلدان تشعربأنها مستعبدة ولهذا كان المتظاهرون يطلقون هتافات مطالبين بالحريه من مستعبديهم، الذين هم من أبناء جلدتهم، فلم تكن هذه الشعارات ضد الأعداء التقليديين الأجانب. وكان هناك عامل آخر ساهم في إنتشار هذا الشعور إنتشار النار في الهشيم، ألا وهو ثورة من نوع آخر هي ثورة الإعلام والإتصالات والإنترنت وادواتها. والدليل على أن الفقر كان هو المسؤول عن هذه الإنتفاضات، أن دول الخليج النفطية الغنية بقيت مستقرة تماما وكأنها في عالم آخر، ولم تخرج فيها أية مظاهرة ولم تُسمع هناك أية أحتجاجات.

المثقفون العرب لم يكونوا على علم بما كان يدور في أدمغة شعوبهم، وكانت الطبقة الوحيدة القريبة من الشعوب هي طبقة الأحزاب الدينية التي كانت تمنّي نفسها منذ قرن من الزمان بأن تتسلم الحكم في البلدان العربية وتنشىء أنظمة ثيوقراطية أو تعيد الخلافة الإسلامية. والحقيقة أن هؤلا لم يصدقوا في البداية ما كانوا يشاهدونه، وفوجئوا بأنهم برزوا كمنتصرين، وكانوا في حيرة من أمرهم لولا أن بعض رجال الدين وزعماء الدين السياسي، ومنهم الشيخ يوسف القرضاوي وراشد الغنوشى، امسكوا بزمام المبادرة ودعوا اتباعهم للإنخراط في هذه الثورات، وبما أنهم الأحزاب الوحيدة المنظمة ذات القوعد الشعبية العريضة في هذه الدول نجحوا في تسلم القيادة ومن ثم الإدعاء بأنهم هم قادة الثورات.

عوامل التغيير، حتى تنتج إصلاحا حقيقيا، يجب أن تغطي النواحي الفكرية والثقافية، بالإضافة إلى النواحي السياسية والإقتصادية التي كانت الشعوب المحتجة والمتظاهرون يركزون عليها. فالنواحي الفكرية والثقافية تتعلق بتربية النشء وغرس المقدرة على الفكر الحرفي عقولهم، وهذا يتطلب صبرا ووقتا وجهدا من المدرسة ومن البيت، فهل بيوتنا ومدارسنا مهيأة لتغيير من هذا النوع؟ والمواطن الفقير، من ناحية ثانية، لا يملك القدرة على التفكير الحر إذا كانت معدته خاوية. إن الشعوب العربية الثائرة لم تنجح في تحقيق أي شيء ذي قيمة سوى تغيير الأنظمة فجاءت الأنظمة الجديدة إما مثل السابقة أو أسوأ منها. ولم تتبلور أنظمة ديمقراطية بالمعنى الصحيح، ولم تنمو الثقافة الحرة بل إن اليأس بدأ يتسرب إلى النفوس بعد أن تبين أن مصر مهددة بنوع آخر من الدكتاتورية وتونس تتأرجح بين الرجعية والتقدمية، حيث تحاول الأولى تصفية ما حققته الثانية في عهد بورقيبة منذ منتصف الخمسينات. الثورة الليبية كلفت آلاف الأرواح ولا يزال الوضع غير مرضي. اليمن لا تزال تغلي، وهناك جمر كثير تحت الرماد. أما في سوريا فما حصل فيها من خسائر في الأرواح والممتلكات يفوق الوصف، ناهيك عن الشروخ المذهبية والإجتماعية الخطيرة التى يصعب رأبُها. ويُعزى هذا إلى تراكمات قرون من الجهل وضيق الأفق وانعدام حرية التفكير والإنقسامات الدينية والإثنية.

بقي أن نقول أن هناك بصيص أمل، ظهر في مصر، وهو يتسع باضطراد، فالمقاومة التي تبديها قوى التحرر في هذه البلاد ذات الحضارة الإنسانية العريقة تثلج الصدرو تبعث الأمل بأن ما حدث مؤخرا سوف يبدأ بالإرتداد، بعد أن توضحت للشعب الحقائق التي كانت غائبة عنه، وأن مصر، التي تاخرت في نواحي كثيرة خلال نصف القرن الماضي، ستعود لتنتعش من جديد وتقود حركة الثقافة التقدمية في العالم العربي كما قادتها في النصف الأول من القرن العشرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية


.. الشرطة الأميركية تعتقل متظاهرين مؤيدين لفلسطين وتفكك مخيما ت




.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام


.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف




.. شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام