الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موت المؤلف والصحف العربية

عبد الكريم بدرخان

2012 / 12 / 29
الصحافة والاعلام


موت المؤلف (Mort du Sujet) مصطلح ابتدعه الفيلسوف الفرنسي: رولان بارت (1915-1980)، وهو مرتبط بفكره وفكر تلاميذه فيما بعد البنيوية. ولا يراد بالمصطلح معناه الظاهري، بل معناه المجازي. والمراد به أن يبتعد القارئ عن اسم المؤلف وحياته الشخصية، ويركزّ على النص بذاته، فتلك المعلومات لاتفيد في فهم النص، بل هي مضلِّلة. ثم إنّ المؤلف ليس خالقاً للنص، فهو يعتمد في كتابة النصّ على موروث ثقافي متعدّد الكتابات والأصوات والرموز.

مضى نصف قرن على ظهور نظرية (موت المؤلف) في الغرب، وما زلنا نحن العرب، نعتبر المؤلف خالقاً، حتى ولو كان النص رديئاً وممجوجاً. ونعتبر أن كثرةَ الكتابةِ والنشرِ دليلٌ على عظمة المؤلف، فذاك صحفي ينشرُ خمسَ مقالاتٍ في الأسبوع، وذاك شاعر يُصدر ديوانين كل سنة، وذاك روائي ينتجُ الروايات مثلما تُنتج المسلسلات لشهر رمضان. وفي الحقيقة.. إن كثرة الكتابة والنشر.. ليست سوى دليلٍ على رداءةِ الصحف ومؤسسات النشر التي تنشرها.

عندما نقرأ الصحف العربية، نختار المقالة التي نقرؤها.. انطلاقاً من اسم كاتبها، ونبدي إعجاباً بها لأنها مقالة لكاتب مشهور، حتى ولو كانت مقالة سخيفة. وبما أن الصحف العربية الكبرى لا تنشر إلا للأسماء المشهورة، فقد ساهمتْ في تكريس المكرَّس، وفي صنع أصنام ثقافية تجثو على رقاب الشعب المسكين. وقد صدَّق هؤلاء الكتاب الكبار (هم كبار في السنّ فقط) أنفسهم، وأصبحوا يكتبون وينشرون أيَّ كلام، طالما أن الدولارات تنتظرهم. وبالمقابل فقد ظُلِم العديد من الكتّاب، وظُلمتْ مقالاتهم، وظُلمت الأفكار التي تحتويها، فقط لأنهم غير مشهورين.

من يتابع كبريات الصحف العربية، يجد أن أسماء الكتّاب تتكرّر كل يوم في المقالات اليومية، وتتكرّر كل أسبوع في الملاحق الأسبوعية، وكأن الوطن العربي ليس فيه سوى عشرين كاتباً، هم من يملك معجزة الكتابة، وهم المكلّفون بتحليل الواقع واستشراف المستقبل، وإغناء ثقافة القارئ ومعرفته.

لقد أثبتتْ ثورات الربيع العربي، أن الشباب أكثرُ وعياً وإبداعاً من آبائهم، فهم صنعوا في فترة قصيرة، ما لم يستطع آباؤهم صنعه في عقود، وفرضوا أنفسهم على العالم كمعادلةٍ لا تقبل أنصاف الحلول. لكن الصحف العربية ما زالت تتبنى منظومة الاستبداد، وتعمل بنفس آليات الأنظمة الساقطة، فهي تصنع أبطالاً من ورق، وتفرض على الناس عبادتهم، وتقمع أي صوتٍ مطالب بالتغيير. علماً أن هؤلاء الكتّاب الكبار (الكبار بالعمر) هم نتاج الأنظمة المستبدة.. شاؤوا أم أبوا، وهم ليسوا مؤهّلين فكرياً أو أخلاقياً لكي يركبوا قطار الثورة. وعندما تقرأ مقالاتهم؛ فإنك لا تجد فيها إلا ما تسمعه في نشرات الأخبار كل يوم. وها قد أصبح عندنا ديناصورات ثقافية، كالديناصورات التي كانت تجتمع في مؤتمرات القمة العربية.

نتمنّى أن يعمّ الربيع العربي على الصحافة العربية، وهو لن يأتي إلا بقتل المؤلف، وتحطيم الأصنام الثقافية، مثلما تتحطّم الأصنام السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا