الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الابداع والهم النضالي - ابراهيم الحريري نموذجا

عقيل الناصري

2012 / 12 / 29
مقابلات و حوارات




لقد عاشت الانتلجينسيا العراقية منذ أن خطت سنوات فتوتها، في صراع مستديم مع واقعها ومحيطها الاجتماعي من جهة ، ومع ذاتها الطامحة إلى تغير ذلك الواقع من جهة ثانية. مما ترتب على هذا الصراع عواقب جمة صاغت من الكثير منهم ما يمكن أن نطلق عليهم (مثقفيين عضويين) ربطوا بين مهماتهم الحياتية وغائية التغيير التي نظروا إليها كصيرورة اجتماعية سياسية، وبالتالي وسموا الثقافة العامة بطابعها الاجتماعي ذو المنحى اليساري العام وبنزعته التقدمية ، تبلورت بكل ابعادها في تجليات الوعي الاجتماعي: الجمالية والحقوقية والفلسفية والسياسية بل وحتى الدينية.
هذا النزوع يمكن رصده في مختلف مراحل التطور التاريخي لسيرورة الظاهرة العراقية المعاصرة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ولحد الآن.
كما يمكننا رصد قرينة أخرى ارتبطت بهذه الصيرورة ، مفادها أن كل عقد زمني سبق وأن أفرز مجموعة من هؤلاء المثقفين العضويين ، انجزت بعض من مهامها،وربما الكثير منها ما أمكن وبما أتيح لها، وبعضها الآخر كان ذو منزع استعجالي يحاول مصارعة الواقع بأدوات تغييرية غير متلائمة مع ذات المهام، كما لو أنهم يصارعون السماء بأيديهم العارية.. يدفعهم ويحفزهم إلى ذلك ايمانهم بعدالة غائية التغيير وضروراته لواقع دينامكية التطور المرغوب وأهميته.
وثالثة الظواهر التي يمكن رصدها هنا.. أن الكثير من هؤلاء دعاة التغيير الاجتماعي قد نذروا أنفسهم لهذه الغائية التي هي بمعايير الاخلاق فكرة سامية، وبالجمال ايثار سمفوني متواصل ، وبالسياسة غائية اجتصادية مستهدفة، وبالتطور ضرورة موضوعية ملحة.. وقد تحملت هذه الانتلجنسيا شتى صنوف العذاب والحرمان بل حتى أن الكثير منهم كانوا قرباناٌ لهذه الضرورات ولذات الغائية بقدر ما كانوا من ماهيات معالم الذات الانسانية في تجلياتها الجمالية.
الأمعان في هذه العوالم ستشخص الابصار وترنو نحو اولئك الرواد الأوائل، منذ عشرينيات القرن المنصرم حيث رواد الفكر المساواتي الاجتماعي، وثلاثينيات الفكر التقدمي والديمقراطي واربعينيات التبلور النقابي والحزبي وخمسينيات المثقفين والطبقة الوسطى وتأثيراتهم المتصاعد..
أما عن مستوى الافراد فيصعب عدهم وتكاد الارقام لا تستوعبهم .. لكننا نتلمس وجودهم المعنوي ونسترشد بهم وبتأثيرهم المادي على مجمل الحياة بابعادها الاجتصادية والسياسية الثقافية.
ينتمي رفيق الدرب والكلمة ، إبراهيم الحريري، إلى هذه الفئة من الانتلجنسيا العضوية.. حيث ربط مهامة الثقافية في سيسيولوحية صيرورة التغيير الغائي المرغوب والمعبر عنه جمعياً واجتماعياً.. حيث ساهم بقوة روحية وزخم فيزيائي ليس في تهيئة تربة التغيير فحسب، بل كان مساهما مدركاً، حسب الممكن والمتاح، في فعل البناء .. وبهذا كان مساهما واعيا في استحداث تاريخ جديد لذاته ولحراكيته السياسية وانتماءه، بالمفهوم الواسع، الطبقي والوطني..
ولقد ولج الفعل العضوي منذ نعومة اضفاره.. فكان أصغر سجين سياسي ،في العهد الملكي ومن بعدها اعتاد الدخول والخروج منه كما لو أنها ضريبة النضال والوعي .. ومن هذا الحراك السجني تعلم صلابة العود وتحمل المصاعب، وفهم حراكية الحياة وروابطها الفلسفية وحل بعض من لغز محركات الصراع الطبقي واسترشد به ليس كمفهوم مجرد بل كوسيلة تحقيق لغائية التغيير.. وفعل العمل الواعي.
وأنتبه إلى الكلمة وتأثيرها.. فأسترشد بها وبمنظومة المفاهيم الجديدة التي تسربت إلى روحه بتناغم هرموني رغم استعصائها عليه في البدء.. لفهم الفكرة ومن ثم التعبير عن المكنون، سواءالذاتي أو/و الاجتماعي، فكانت مرحلة التهيأ إلى الانطلاق.. التي فجرها التغيير الجذري الذي قادته الانتلجنسيا العسكرية في 14 تموز 1958..
فدخل عالم الابداع ونحت الأفكار وتنامت مكونات تركيبته المعرفية وتصلبت أبعادها النفسية وتعمقت مطالعاته فكان الخبر الصحفي منطلقه ومن ثم العمود الصحفي المكثف، فالتحقيقات الصحفية العامة لمختلف المناحي .. فخلقت منه مَعلَماً ثقافياً ذو نظرة جدلية متجذرة.
هذه العوالم الابداعية وولوجه المبكر للحياة السياسية والتثقيف الذاتي والحزبي.. قد فتحت له بابا واسعة في عالم القصة والرواية.. وخاضها بجدارة وثقة وابدع فيها .. فكان له منجز مشهود في هذا الحقل.
كان الحريري تواقاً أن تأخذ ثورة تموز مداها..و ان لا يبقى الزعيم يعمل للفقراء بل كان يرى أن يحكم بهم.. وعندما تلكأ الزعيم ، وهذا مستنبط من ذاته الطبقية ونظرته الوسطية، تألم الحريري وراودته، كأمنية، فكرة تغير حكم قاسم منطلقا من ايمانه بماهية منطلقاته الفلسفية، كمبدع ومثقف عضوي، وربما، إذا سمح لي بالقول، إن مرد ذلك هو ربطه بين الواقع بكل تعقيداته، وبين الأمنية، لاننا كيسار عراقي غلبتنا الأمنية منذ عام التأسيس منذ مطلع الثلاثينيات، وزرعنا الأمل في النفوس المنتفضة، واردنا تجاوز هذا الواقع دون معرفة قوانينه وسنن تطوره، فكانت عدم القدرة على التحليل الصائب.
لذا غضب ولا يزال على قاسم، وان كان لغضبه ما يبرره.
وعندما تصدعت الحياة السياسية عند هجوم الجراد على طلع النخيل من عام 1963.. فكان المبادر مع رفاقه.. محبي الحياة والناس من كل الاجناس، إلى التصدي إلى هذه الهجمة، وتحمل ما تحمل مع رفاق دربه وخاصة العضويين منهم،من تشريد وسجن ومن ثم ولوج المنافي التي تحولت إلى مهاجر.. لكنه والكثيرين، عاش العراق فيهم.. وحملوه في ضمائرهم وسلوكهم الواعي.. وحالما تغير الحال.. عاد ليساهم في تهيئة تربة التغيير الديمقراطي بغية كتابة تاريخ جديد للوطن ، رغم مطبات الزمن وتغير الظروف وضرورات الفهم للحراك الاجتماعي.
وهنا نتسائل واياكم
هل اصاب الحريري في اختياره الطريق لصعب؟
هل ارتكب الخطأ؟واين مكمنه؟ ضمن حراكه كذات، أو حركته السياسية؟
هل تغيرت نظراته إلى الحياة بعد ما شهد العالم المادي اعمق التغيرات؟
هل أصاب ووصل إلى المبتغى وحقق حلم حياته السياسية؟
كيف يرى ذاته الآن؟؟
وهل سرى اليأس إلى قلبه وضميره المعرفي قبل السياسي؟

الاجابة متروكة له.. لكن اصراره على تغيير نمط الحياة وهو ابن السبعين ونيف، وتشبثه بالفكرة الغائية وبالابعاد الجمالية للذات الواعية وبما أمن به من فلسفة الصراع والتطور..والارتقاء وعدم فقدان بوصلة التوجه .. والتناغم بين الواقع المتغير ؟؟ كلها دلالات
ربما تجيب على بعض من هذه الاسئلة.
ومع كل ذلك ارسى حجرا في الثقافة العراقية التقدمية، فله أكثر من حسنة معرفية واخلاقية ..
له العمر المديد والعطاء الدائم.. انه غصن من شجرة الحياة دائمة الخضرة
.
بغداد في 13 كانون أول 2012
عق* مداخلة ألقيت في حفل تكريم إبراهيم الحريري بمناسبة الذكرى الحادية والستون على انتماءه السياسي في الحزب الشيوعي العراقي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التهاني بالمناسبة والعام الجديد
د علي الساعدي ( 2012 / 12 / 29 - 01:49 )
للكاتب الصديق د عقيل الشكر الجزيل وهو يوثق لاحد اقدم وارق مناضلي شعبنا
وللاخ ابراهيم اخلص التهاني بهذا التاريخ الجميل
ولكما الامنيات العطره بالعام الجديد الذي اتمنى ان يكون فيه شعبنا بمرحلة اعلى في نضاله ضد الارهاب والفساد والتزوير على اشكاله وكل عام والجميع بخير


2 - شكرا
علي فهد ياسين ( 2012 / 12 / 29 - 14:37 )
الشكر والتقدير للدكتور الناصري والاستاذ ابراهيم الحريري وكل عام وهما بالف خير
توصيف جديد ومحكم من عقيل الناصري لانقلاب شباط الاسود
وعندما تصدعت الحياة السياسية عند هجوم الجراد على طلع النخيل من عام 1963.. )
فعلا وصف دقيق !


3 - وعد ابراهيم وعد حر
صادق البلادي ( 2012 / 12 / 29 - 19:21 )
شكرا أبا ناديا على هذا التوصيف الواقعي لإبراهيم ،وعند قراءتي لكلمته في الإحتفال كتبت اليه

اأيها لشيخ الصبي
تحية
“في كلمتك وأنت تعدد الخطايا، النياشين ، تذكر وجود“غير ذلك من -الخطايا- التي لا يسمح الوقت ولم يحن بعد للكشف عنها.
مفهوم أن المرء لإعتبارات عديدة ، وخدمة وحرصا على الهدف الأسمى، أن لا يكشف كل ماعنده، ولكن خاصة وأنت تتمنى رحمة بالرائعة ماجدة ألا يطول الطريق، مع أني وغيري يتمنونه أن يطول، وهذا أوسكار نيمايير غادرنا قبل أيام وهو يقترب من عيد ميلاده الخامس بعد المائة، هل هذه الخطايا المخزونة مدونة ، أم ما تزال أحداثا في الدماغ مسجلة فقط؟
لا تكن بخيلا وتحرمنا مما هو ثمين
فوعدني أن يكتب قبل بلوغه الخامسة بعد المائة،
واعتبرت وعده وعد حر لا وعد سياسيين ، فما إنتسبَ ولا إنتسبتُ الى هذه الخانة..


اخر الافلام

.. هل قامر ماكرون بحل الجمعية الوطنية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حل الجمعية الوطنية، سلاح ذو حدين محفوف بالمخاطر




.. كولومبيا تقرر وقف بيع الفحم لإسرائيل حتى وقف الإبادة الجماعي


.. قوات الاحتلال تنشر فرق القناصة على أسطح وداخل عدد من البنايا




.. فيضانات تجتاح جنوب النمسا والسلطات تناشد السكان بالبقاء في ا