الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحضور الفذ للمفردة الأنفوميدياية-عن -وحشة اسفيرية-*

أسامة الخوّاض
(Osama Elkhawad)

2012 / 12 / 29
الادب والفن


الحضور الفذ للمفردة الأنفوميدياية

بقلم:
جبير بولاد
******************

.. ذات حوار ما ..كُنا حضرة من الصحّاب ، نفتح صفحة العالم أمامنا و نفردها بتلقائية ..نستجلي و نحاور مفرداته العصية ، مرة برجم المعرفة و تارة بالتكهنات الممكنة لما نسميه بالنقد ..كانت محاولات للقول أننا هنا نعلن مكاننا من مركزية العالم ، كوننا ليس طرفا بعيدا جغرافيا فقط ، و لكن حتي بالمعني الذي يدل علي عدم مشاركتنا الفعلية في إنتاج المعرفة

، أو تشابكنا معها في الحوارات التي تدور ، أو حتي اللحاق بالجديد في دنيا هذه الأفكار .
يحضرني ذات مساء من تلك المساءات موضوع كنا قد بداءنا بالتساؤل حوله و هو أننا عشنا ضمن حقبة كان لأدواتها التواصلية التي عهدها الناس حضور مكثف في الأدب .. القصائد و الأغاني ، فلو تفحصت أذناك قليلا لوقفت علي تعابير هذه الفترة و التي لا زالت تلهب شعورنا بالرغم من قفزنا خطوات منها علي مستوي مشهد جديد في تطور تلك الأدوات التواصلية .

أنظر لهذا النص الغنائي الذي تموضع فيه نقش الحناء الي أعلي أرائك التعبير في تلك الأغنية السودانية علي بساطته :
" القليب الراسمو حنّة
و بيهو عاوز تمتحنا
و الله في أمرك محنا "
و تلك أغنية أخري تستدعي و ظيفة أخري للمنديل القماشي :
" رسّل لي
حرير أبيض منسوجة بقطيفة
...
صورة سهم و قلب نحيل
و أنت جميل ..و الجابك لي
ملاك و جميل
يا المنديل "
.. لكن كانت من أكثر الأدوات أراحة في تلك الأرائك بشموخ ، كانت الرسائل و التي حملت في كثافة أحاسيس المحبين السودانيين في أغانيهم ..قد يكون للرسائل كبير قدم في تواريخ العالمين و لكن في الأغاني السودانية ، كانت تضج بنكهة ، و حمولة أكبر .. حمولة يحفها الشجن و عذابات الضنا ، و البعد عن المحبوب و المشقة في لقائه منفردا في مجتمع العيون الراصدة و المُدِينة و الزاجرة .

..لاحظ أننا هنا ركزنا علي الأدوات ( رسم الحناء/المناديل/الرسائل/....الخ) و لم نشمل التعبير الوصفي العضوي من أمثال العيون و الشعر و الأنامل لما لهذه التعابير من سهولة في الأستلاف ، كونها ذات دلالة مباشرة بالشخص المعني بالوصف(المحبوب) أي كما تقول البلاغة الجزء يدل علي الكل فيما غير أجتهاد في تقصي الصور الأخري و التحليق معها .
و للمفردة الأخيرة "الرسائل" توظيف جمّ ، الي الحد الذي وصل ببعض المحبين الي التحسر علي ماضيهم الذي لم يخلقوا فيه علاقة مع الحرف المكتوب حتي يتسني لهم التواصل من علي البعد أذا ما تعذر القرب من المحبوب، و أحيانا هذا التحسر لم يكن بسبب فوائد التعلم الأخري ، أي طمعا في سلم وظيفي جيد أو الأنفتاح بصورة أكبر علي معارف أخري و لكن كانوا يعتبرون المقتل في عدم التعلم هو حوجتهم الماسة لطرف ثالث للتواصل مع المحبوب و هو حينها المطل علي الأسرار و لكن هو أيضا الوسيلة الموسلة لنقل الأحاسيس و المشاعر في تعذر اللقياء .. علي أي حال ، في ذاك الحوار الذي كان يكتحل أمسية وردية ، كنا قد تسألنا عن كوننا في حقبة أتسع فيها التعليم و بسطت أدوات التواصل في ثورة قد تكون حطمت التعابير القديمة (الرسائل/الحنة/المنديل/...الخ) فكيف يمكن توظيف التعابير الجديدة في أدب غنائي جديد ..تعابير تتحول من كونها تنتمي لحوشي الألفاظ مثل أيميل/ماسنجر /اسكاي بي/تويتر /فسبوك ..الخ ، الي تعابير شجية تحمل الحس و النغم الدفاق في غير نشاذ !!؟

كيف يمكن حشر مصطلحات الأنفوميديا الصعبة النطق و التراكيب في أغانينا و شعرنا ؟ كان ذاك هو تساؤلنا و أعتقد من أنني ما زلت أحمل ذاك التساؤل القديم حتي وقوفي علي النص الطازج للصديق الشاعر أسامة الخواض و المعنون "وحشة أسفيرية" .

..نص "وحشة أسفيرية" يخفي كثيرا من أسراب طيور اللوعة و لكنه يحمل مشاعر مشتركة بيننا جميعا كبشر ..نحن كبشر في عالم تقاربت فيها حتي الأنفاس عبر الوسائل الأسفيرية الحديثة للدرجة التي أصبح حضورنا فيها مساحة لأصطراع كبري الشركات و العقول العبقرية في تطوير هذا الحضور المكثف لحظيا و يوميا .. لكن برغم هذا التقارب المتلاحم بتنا الأكثر عزلة من ما مضي ..أصبحنا أكثر أستيحاشاً و برودة حتي في أقاصي لظوات الصيف .
..في "وحشة أسفيرية" هذا النص العجائبي الفريد ، أستطاع أسامة الخواض "المشاء" ان يقفز قفزة هائلة لأستلاف حس و معني و مقام جديد لمفردات الأنفوميديا (أيميل/ماسنجر /اسكاي بي/تويتر /فسبوك) لتنسال هذه الحوشيات اللفظية الي قطرات حارة من الشجن للدرج التي جعلتني بعد قراءتها أدخل في حالة لا تستطيع فيها أن تحدد أنتمائك لأرض أو سماء .
.
.دعوني أقول بكل صدق من أنني لم أجد شاعرا أو نصا في حدود أطلاعي اللحظي قد خص المشهد الشعري بأستصحابه للأنفوميديا و أدواتها و وظفها بنقلها من خانتها ذات الملمس البارد ، الي خانة الروح الحنينة التي تطوف علي ذواتنا المختلية و المتوحدة في أعتزلاتها المجيدة .
..تنسال المفردات حارقة كدمعة تلمع علي خدود المسافة بين الماضي القريب ذو الرسائل و المناديل و الحاضر المغموس حتي -أيفونها و أيبادها- و لا تنزل أبدا ..واقفة لتشهد علي غربتنا الوجودية .

" وحشة أسفيرية" ، أجابة علي تساؤلات حوار ذاك المساء الخجول ..أعادة للحظة التحلق الكبري حول كوب الشاي و نبيذ المعاني و الذي تفرق بعده الأصدقاء في "غابة الويب العظيمة "، منكفئيين علي لوحة الأزرار بأصابع متيبسة تشكوي جوع المسافات و حنين الذكريات و تغرق في مزيدا من أجواء العزلة ،هذه المشاعر التي عبّر عنه شاعرنا المشاء في فرائيدية مست أقاصي احساسنا التائه في صحاري الأنسان المعاصر ..صحاري جرّف ما كان يسبقها من غابات بيديه و لهاثه المتواصل للتقارب و لكنه كان كلما يصنع أدوات التقارب هذه يكتشف أنه يبتعد فراسخ و كلما نشط في خلق أسطورته "القرية الصغيرة" فهو يبتعد مجرات ليكون كل منا في درب تبانته محاصر بالخيوط الألكترونية .
****************************
*جبير بولاد-القاهرة

خواتيم العام 2012م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان