الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدينة على شفا قطرات من مطر

جمال الهنداوي

2012 / 12 / 29
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


في المجتمعات الحية ,عندما تكون الحقوق والواجبات واقعا معاشا، يتحول القانون الى ثقافة وممارسة اخلاقية, ولكن غياب –او تغييب-هذا الواقع ينتج ارباكا سلوكيا وفوضى في تنظيم العلاقات واتجاهات الوعي..والاهم, التشويش على ثقافة المسؤولية وتعشقها بالموقع الذي يشغله المرء ضمن المنظومة الاجتماعية المعبر عنها بالدولة او المدينة..
عدة ساعات فقط من الامطار كانت اكثر من كافية لكي تنكشف عورة مدينة الرشيد عن واقع مؤلم من الافتضاح الخدمي العضال الناتج عن الاهمال الجاحد المتقادم لمسالكها وقنواتها والافتقار الى اخلاقية المسؤول الذي يشعر باهمية وشرف الموقع الذي يتبوأه في خدمة المجتمع والحرص على رفاه وراحة افراده.
ازمة أخلاقية خطيرة كشفت عنها تلك الزخات من المياه التي احتارت من مكوثها الطويل على ارصفة وشوارع ومنازل وبيوت,والكثير من التساؤل حملته تلك الامطار حول التناقض الكبير بين ضخامة القناطير المقنطرة من الاموال التي استلت من جيوب الشعب وهشاشة المردود الذي يشي بالفشل الاداري المروع للاجهزة المعنية في ادارة هذه الثروة بما يؤمن تمكن المواطنين من نيل مخصصاتهم منها (على شكل خدمات) دفع ثمنها المجتمع مسبقا من خيره ومقدراته ومما افاءت به ارضه عليه..
والاكثر مدعاة للاسف هو ان هذا الواقع المؤسف يشير الى شغور موقع المسؤول المؤمن بمعادلة ارتباط السلطة بالمسؤولية في الجهاز المكلف بادارة مخصصات الشعب، بل ان هذا المسؤول يرى ان موقعه يجعل له حقا اكبر من غيره في هذه الثروة, وله ان يقتطع منها ما يشاء حتى لو أدى ذلك إلى تضرر المجتمع، طالما أنه في مأمن من المحاسبة والعقاب تحت مظلة المحاصصة والفساد المستشري حد الألفة والتعود, فحكايات الفساد الكبيرة وبيع المشاريع الانمائية يعرفها كل الناس, لكن من قاموا بها مازالوا أحرارا يستمتعون بالاموال التي اختلسوها،مادام المجتمع يفتقر الى تفعيل النظم الاخلاقية والقانونية التي تحمي الثروة من شبكات العلق الطفيلي الاداري المحمي بالتخندقات السياسية والفئوية, فمظاهر الانهيار المروع في الخدمات هو نتيجة متوقعة لغياب النظام والقانون الذي يحاسب الناس، فنحن لا نتصور أن تسمو أخلاق المجتمع دون سلطة قانونية قوية وذات إرادة، لا تحابي أحدا، ولا يغمض لها جفن,والى جانبها سلطة الرقابة التي يجب ان تسهر على رصد ادنى الهنات التي تعتري الأداء والفعالية والتوفير وكفاءة الإدارة للمال العام..والاهم, هي رقابة الضمير والمسؤولية التي لم نتحسسها في جميع التصريحات التي اعقبت الازمة-الفضيحة.
ان كارثة السويعات التي انفتحت فيها السماء على بلدنا الحبيب قد كشفت الكثير من الأمور المستورة، وعرت الكثير من السلبيات التي كانت تعاني منها مدننا وعاصمتنا المصابة بالعجز والشيخوخة المبكرة و-المكلفة-,وقد فتحت تلك المياه التي خاضت بها شوارعنا جروحا غائرة في قلب المدينة, وفي قلب كل مواطن حزناً وآلماً –وحنقا-على إهمال الجهات المعنية لمسئوليتها، نعم.. كانت تلك الأمطار بمثابة جرس تنبيه لمستوى الأخطاء والترهل والعجز الذي تعاني منه الخدمات في المدينة وكشف لمستوى التدليس والكذب الذي مارسه البعض لتغطية مشاريع وهمية لا وجود لها أو مشاريع نفذت بطريقة سيئة.. وعدم الأمانة في تنفيذ مشاريع البنية التحتية التي سفح من اجلها المليارات من الاخضر الرنان، ولكنها ضاعت سدى بسبب الفساد الإداري الذي أضاع الكثير من العطاءات السخية, وجعلنا ومدننا على شفا قطرات من مطر..
والاكثر ايلاما, وادهاشا, ان كل تلك الشوارع الغرقى وكل تلك المياه التي دخلت مضاجع البيوت,لم تدفع احدا الى الاستقالة ,ولم تجعلنا نقرأ اعتذار-مجرد اعتذار–من آخرين..وهذا ما يدفع الى التساؤل عن تلك المنفعة التي تدفع البعض للتمسك بمنصب ما قد دنسوه بانفسهم,ومنزلة اساؤا اليها بما طمعوا فيه من سحت مستل من افواه الفقراء..وماهو شرف المسؤولية اذا اختلط بكل ذلك الفشل الزؤام..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوليفان في السعودية اليوم وفي إسرائيل غدا.. هل اقتربت الصفقة


.. مستشار الأمن القومي الأميركي يزور السعودية




.. حلمي النمنم: جماعة حسن البنا انتهت إلى الأبد| #حديث_العرب


.. بدء تسيير سفن مساعدات من قبرص إلى غزة بعد انطلاق الجسر الأمي




.. السعودية وإسرائيل.. نتنياهو يعرقل مسار التطبيع بسبب رفضه حل