الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعب تابعٌ لنخب مهووسة بانتقاد السلطة

محمد الحمّار

2012 / 12 / 29
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


أعتقد أننا شعب تابع لنخب مهووسة بانتقاد السلطة. فلا النخبة السياسية ولا النخبة الفكرية ولا النخبة الثقافية قادرة على نسج البديل عن السائد مادامت غير متحررة من هذا الهوس. هذا في حال أن نتصور أنّ كل هذه النخب ترغب في تغيير ما هو سائد وفي حال أن نكون أسخياء إلى درجة أن لا نؤمن بوجود نخب رجعية ترغب في دوام الوضع السائد.
إذن فتحرر النخب من الهوس بحدّ ذاته فعل ثوري. ولكنه فعل غير موجود اليوم. مع أنه ضروري لربط الصلة بين النخب في ما بينها، وبين النخب من جهة والشعب من جهة ثانية، وبين مكونات المجتمع في ما بينها. ويتمثل هذا العمل في نسج التصورات المشتركة والتي من شأنها أن تشغل بال وإرادة كل الفاعلين فتكون نتيجتها على مرّ الأيام والأشهر والأعوام جسما متحدا متكوّنا من جملة الأحاسيس والأفكار الإيجابية المتفق على متابعتها إلى أن تترعرع وتكبر وتصبح واقعا معاشا.
بينما الذي نشاهده الآن هو مجتمع يعود القهقرى بعد أن كان واثقا في إمكانياته لخلع أيّ أي نظام مستبد. أما ما يسمى بـ"الثورة المضادة" وبـ"عودة التجمع والتجمعيين" وبـ"الأزلام" وما إلى ذلك من التسميات التي يترنم بها هذا المجتمع ويترنح على إيقاعها فهو تبرير جاء به السياسيون لتبرئة ساحتهم وأخَذَه عنهم الإعلاميون للحفاظ على شيء من المنطق والمصداقية في علاقتهم مع الجمهور. بينما رجوع المجتمع إلى الوراء داءٌ ذاتي وليس اعتداءً خارجيا على الذات. وهو دليل قاطع على تصحر الفكر وخلوّه من البديل الشامل، ولو كان في طور الجنين، ناهيك أن يكون هنالك جسما متكاملا في طورٍ متقدم من التشكل من شأنه أن يسد الطريق أمام فكر المحافظة والاستبداد الذي تمثله السلطة.
ولا يكون الرجوع إلى الوراء نتيجة مباشرة لشيء اسمه الثورة المضادة وما إلى ذلك إلا في حال يصبح الضعف الأصلي حالة عادية تعيد إنتاج نفسها ومبرراتها، ما قد نخشى أن يكون قد حصل بعدُ.
إنّ كل سلطة مهما كان البلد الذي تحكمه ومهما كانت ثقافة ذلك البلد وديانة شعبه، تنزع بصفة طبيعية إلى تطويع المحكومين لأغراضها بما يستوجب ذلك من تعسف وظلم يصل إلى استعمال العنف وإدانة الأحرار من مفكرين وفنانين وسياسيين. وكان ينبغي على النخب أن تركز هذا الإيمان لدى الشعب، وإلا فكيف نذعن لفكرة أنّ السلطة منبثقة عن الشعب وفي الوقت ذاته نتذمر من قهر السلطة للشعب من دون توفر الموارد الضرورية ضمن البنية الفوقية؟
وسلطة الترويكا في تونس اليوم تقهر الشعب، و بصفة طبيعية، لا لشيء إلا لأنّ الشعب ونخبه مشغولون فقط بإثبات هذا القهر ولا يأبهون لضرورة التحرر من الهوس ومن ثمة لتأسيس البديل المضاد للقهر. أي لم تكن سلطة الترويكا لتقمع مسيرة 9 أفريل 2012 ولا لتتغاضى عن أعمال العنف التي قامت بها روابط "حماية الثورة" في كل المناسبات التي نعرفها، ولا لتزجّ بالإعلامي سامي الفهري وبغيره في السجن، من بين أفعال أخرى، لو كان الشعب ونخبه مُنَظمين ومتعاونين، وذلك بأن ينتظموا مثلا في شكل فئة تُعنى بالنقد والتنديد وأخرى ببناء الأفكار وبنحت التصورات وتأسيس الاستراتيجيات وإعداد البرامج، أو بأن تتناوب الفئات والفرق تارة على التمزيق والتفكيك (النقد والتصدي) وطورا على الحياكة والغزل .
لماذا يريد كل الشعب التونسي أن يقوم بنفس العمل؟ لماذا هذه الأحادية في التفكير والسلوك؟ ألم يحن الوقت لكي تنوّع القوى الفاعلة التي تقود الشعب فكريا وسياسيا نشاطاتها حتى تتراءى لها، ومن ورائها للشعب بأكمله، سبل التكامل والتعاون من أجل الهدف المشترك ألا وهو التحرر الشامل من الانزياح نحو التفكير التآمري ( لمّا لا تكون هنالك مؤامرة حقا)، وهو من سمات التخلف الفكري؛ ومن التكلس العقدي والإيديولوجي والسياسي، وهو من دواعي الجمود السياسي والتحجر الديني؛ ومن التأزم الاجتماعي والاقتصادي، وهو من نتائج التواكل وغياب التصور المستقبلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني


.. The First Intifada - To Your Left: Palestine | الانتفاضة الأ




.. لماذا تشكل جباليا منطقة صعبة في الحرب بين الفصائل الفلسطينية