الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


... لماذا كانت ثورة الربيع العربي بدون وازع أو مشروعية فكرية؟

محمد بطاش

2012 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


... لماذا كانت ثورة الربيع العربي بدون وازع أو مشروعية فكرية؟
على أن المقصود بالوازع هو مجموع الضوابط التي تحدد لون المسار الثوري لأي انتفاضة أو معارضة والتي تصل في أوجها إلى ما يسمى بالثورة ... وضرورة وجود الوازع تعني أن هناك مشروعية فكرية تقود العمل الثوري تعمل على توجيه الغضب الشعبي لتحول دون خروجها عن السيطرة وتدفقها في مسار مجهول...
إن ما يسمى بثورة الربيع العربي لم تحمل أي صفة تعطيها مشروعية حمل هذه التسمية . فقد كانت عديمة الوازع أشبهها بالسيل الجارف الذي تحطمت أسواره فجأة من شدة ما أصابها من وهن السنين وقدمها.. وما كان على المتربصين الذين جفت حقولهم بسبب غضب السماء عليهم إلى أن تلقوه بصدر رحب بعد انتظار طويل .. لكنهم نسوا أن البذور التي زرعوا قد تآكلت هي أخرى ولم يعد في إمكان المياه الجارفة أن تنفعها بعد أن جرفت ما تبقى منها ...
هكذا هو حال التيارات الراديكالية الإسلامية التي تبنت المشروع دون أن تدري سابقا بحدوثه .. فقط بقيت تنادي بصيحات المريض ..أن هذا ما عملت لأجله طوال سنين .. وأن الشعوب قد أصابها العفن من ركود أنظمتها وسكونها الطويل في قصور من أحلام العظمة والكبرياء .. أحلام طالما غذتها بأكاذيب الملاحم التاريخية التي خاضها أبطالها في دهاليز الظلام ..
ما نتج عن الثورة اليوم يجعلنا نعيد ملحمة الأحداث مجددا لنرى أبطالها على مقربة أكثر من منصة اللعبة تارة، وتارة أخرى لمّا نقف وراء الستار بين فصول المسرحية ...
لأول مرة قد نجد مشهدا كل أبطاله ضحايا وكل ضحاياه أبطالا ... فهناك حاكم ونظام وهناك شعب ورعية وهناك حاكم ونظام .فمبدئيا تقسيمينا لهذه الأدوار يوحي بأن العملية الثورية كانت مجرد عملية قلب.. وبالمصطلح السياسي عملية انقلاب لا أكثر، وهذا لا يفسد للود قضية ، لكن الأهم أن ضحايا الأمس هم أبطال اليوم و ضحايا اليوم هم أبطال الأمس ، أما الشعب فيلعب هنا دورين دون أن يدري ، لأن الكائن الوحيد الذي لا يدري دائما هو الشعب .. في ظل فقدان الضمير والوعي الجمعي لدى الشعوب العربية وهو بيت القصيد وهو الأمر الذي صعّب أكثر فهم اللعبة الكبيرة التي يحيكها الغرب ويكتب فصولها بدماء الأبرياء ...
أليس بريئا ذلك الحاكم الذي أُنزل من كرسي حكمه لينكّل به أشر التنكيل، في عمل لم يحترم حتى صورة الإنسان في جسده، بعد أن لفظ أنفاسه .. ذلك القائد الليبي. فكل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية وروح الفطرة البشرية والحيوانية تحرّم ذلك .. إنما يتم هذا العمل من طرف أفراد مسلمين... ينكلّون وهم يقولون .. الله أكبر ...؟!
ثلاثون سنة من الانصياع لقائد قاموا له إجلالا وإكبارا .. قائد عرف كيف يداعب العنكبوت ويطعمها في الوقت الذي كان يمد السكاكين لسجناء شرَكها .. حسني مبارك اليوم لا يجد ما يشتري به دواء لوصفة يحملها في يده...
بالأمس القريب يردد الشعب العربي أناشيد البطولة التي يكتبها حزب الله ومن ورائه البعث السوري ..و بين عشية وضحاها أصبحنا نجادل هذا الشعب في عقيدة الشيعة التي أصبحت اليوم كفرا مبينا...؟!
... بالمقابل وقبل أن يحدث ما حدث ، فقد طال الأمد بشعوب عانت الويلات في ماضيها لكنها بوركت بمنة الحرية والاستقلال ، في حين تجد نفسها أنها لم تستفق بعدُ من ذلك الماضي الذي بقيت تردد أناشيد أحزانه وفي كل يوم تضع أكاليل الورود على قبر الشهيد المجهول .. وهي في الأصل تربض على أكتاف الغول لكي لا يستيقظ فينفش ريش حياتها من جديد ... !
إن الإهانة التي تتلقاها الشعوب من حكامها كل يوم وفي كل ذكرى تاريخية لأعظم من تلك التي تلقتها على أيدي مستعمريها ، فعلى الأقل المستعمر منحها في يوم من الأيام ضميرا أشعرها بذاتها وهويتها .. أما سطوة الأنظمة فقد اتخذت من هذه المشاعر والمبادئ مشروعية لها لاستحقار وإذلال شعوبها.
إن أخطر سيف وضعه الحكام على رقاب الشعب هو مشروعية النضال التاريخي الذي به تتسم وحدة الشعب ومنها يستمد قيمه التاريخية
والحضارية والإنسانية، وكأنها بهذا قد سلبت من الشعوب لغة نضالها، حتى إذا فكرت في النظال مجددا لم تجد له عنوانا ...
ولعل هذا ما حدث عندما تاهت أذهان الشعوب وهي تلقي بنفسها في الشوارع دون شعار .. فأصبحت تحمل وتتلقف كل ما يرمى أمامها
لتجعله قصيدة لآلامها ومعاناتها.
مشروعٌ هو.. العمل الثوري وكلنا يعرف أن الأنظمة العربية ما هي إلا أوعية للمخابرات الأجنبية تفعل بها ما تشاء، على أن هذا الحكم الذي نتفق فيه جميعا هو نفسه القضية التي تجبرنا على اتخاذها مبدءا لقياس أحكامنا المنطقية إثر سقوط هذه الأنظمة، لأن الحنكة السياسية التي صنع بها الغرب أنظمته في الدول المستعمرة والتي لم يتفطن لها أحد كونه قد تنازل هو الآخر عن بعض شرفه وجعل من نفسه ضعيفا ليؤسس لزعمائنا البطولة والريادة التاريخية هي نفسها الحنكة التي تجعلنا نؤمن بصلاحية الأنظمة الناتجة عن الثورات الأخيرة التي لا نعرف لحد اليوم من أشعل فتيلها... لأنه ليس من المنطقي أن صفعة من شرطي لمواطن قد تغيّر العالم ..في حين أن حياة الشعوب كلها صفعات... !
الضحية الثالثة في أدوار المسرحية هو بطل اليوم الذي سُلّمت له مقاليد الحكم .. وكأن الله أراد أن يعوض له سنين الحرمان التي أبعدت مناضليه طويلا عن متعة الحياة ورمقها في قصور الدنيا والسلطان. نعم هم أولى الناس بذلك وسنين العذاب والتنكيل وصيحات آلامهم لازالت تردد صداها جدران السجون والمعتقلات. إن الإسلامويين وبكل فخر لهم الحق في القول أنهم الجبهة المعارضة الوحيدة التي تحملت ولأكثر من قرن عبء المطالبة بالحرية والمساواة ومناهضة الاحتلال وكل أنواع الانحلال والذل. وليس جرما أن يعتلي السلطة حاكم ينطق بالشهادتين ويتكلم لغة الشهادتين وبهما يحكم كما أمر الله ورسوله ..
إن تاريخ الحركة الإسلامية بنجاحاتها وبآلامها لا تكفيه الكتب المجلدة لسرده .. وهو تاريخ ظاهر للعيان مادامت صفحاته الأخيرة لازلت تكتب لحد اليوم قبل طيّها وإلى الأبد.
المؤسف جدا والمحزن أن تطوى صفحات هذا التاريخ الطويل والمنضوي تحت عنوان مقدس يمثل رمز الرسالة المحمدية وهو الإسلام . نعم محزن جدا أن نستفيق ونجد أن ما كتب كان مجرد إرهاصات وهواجس حملها علماء أجلاء على دفاتر كتبهم، لتلطخها الأيدي القذرة من المحرومين حملة شعار الدولة الإسلامية.
إن الضحية التي قدمها الإسلامويون ليس أولئك الذين عذبتهم الأنظمة في سجونها .. إنما هي الفكرة التي يحملونها والتي أثبتت تجاربهم البائسة أنها فكرة فاشلة باطلة .
المحزن جدا أن من شوه صورة الإسلام وبالأخص الإسلام كمشروع سياسي هم أنفسهم حملة هذا الشعار ..
لا أدري ولا أملك أي قرينة تجعلني أقول أن الإسلامويين منذ البدء قد كانوا على علم بالمؤامرة. لكني على قناعة تامة أنهم شركاء فيها مادام أن الوسيلة التي أوصلتهم سدة الحكم هي نفسها التي أوصلت غيرهم.
ودون الرجوع للتقليب في رفوف التاريخ يكفي أن نعرف من يقفون حماة على الثورة .. بدئا بحلف النيتو مرورا بقطر وتركيا، وجلية تلك الأعمال والمجهودات التي يقمن بها من أجل إسقاط الأنظمة القائمة ومساعدة الإسلامويين لأجل الوصول إلى السلطة. على أن الأمر لا يبدو واضحا للكثيرين بالنسبة للثورة المصرية والتي يبدو أنها ثورة شعبية حقيقية ، لكن الأمر سيان . فالفارق هو أن النظام العسكري في مصر قد استبق الأحداث وغطى بطريقته خيوط اللعبة دون أن تتكشف لنا عكس ما يفعل النظام العسكري السوري .
وكأن هذه الأمة بدءا من اليوم أمام فصل جديد فيه يكون الحكم لله من أجل أن ينهي ويبيد ما تبقى من مملكة الله .. أليس عميلنا اليوم خليفة الله في الأرض ... إنها في الأخير مجرد استثارة لغبار العفن لتغيير أماكن الدمى لا غير.
وليس صحيحا إن بدا للبعض أن وعي الشعوب بثورتها نابع من أوضاعها الاجتماعية لأن ما نتج يدل على أن حقيقة الأوضاع تلك لم تكن سوى عرض من أعراض الثورة وليست دافعا لها بالأساس.

... إن هذا مجرد رأي.. قد يستحق التقويم والإثراء...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة.. الجيش الإسرائيلي يدعو السكان لإخلاء شرق رفح فورا


.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما ولا تقدم في محادثات التهدئة




.. مقتل 16 فلسطينيا من عائلتين بغارات إسرائيلية على رفح


.. غزة: تطور لافت في الموقف الأمريكي وتلويح إسرائيلي بدخول وشيك




.. الرئيس الصيني يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا.. ما برنامج الزيارة