الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكر الديني والفقه الإسلامي

حميد المصباحي

2012 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


عادة ما نمارس خلطا غريبا بين المشتغل بالفكر الإسلامي,والفقيه,رغم أن الصفتين قد يحملهما الرجل الواحد,مع تميزه في إحداهما دون الآخر,ذلك لأن العلاقة تشدها خيوط دقيقة,تخترقها صعوبات التحديد النهائي,ليس بفعل التدافع بين رجل الفكر,و المجتمهد الذي يجد نفسه مسيجا بالكثير من الحدود الملزمة لحركة فكره,قياسا و اجتهادا واستخراجا لأحكام يحاول اعتبارها نهائية الفقيه,بينما يقبل المفكر إخضاعها للمساءلة والفحص في حدود عدم المس بالواضح منها والمدعوم بنصوص دينية قرآنية,فالإجتهادات الفقهية تعددت,غير أن الإختلافات لم تمس ما يعرف بأصول الدين,المتفق حولها,غير أن تلك الإجتهادات المتأمل لها,يلاحظ أن ترتيب النصي والعقلي حسب الأولويات يختلف,فهناك الباحث عن القياسات السليمة,تلك التي تعتبر فطرة,لا يمكن الشك فيها و لا تعارضها مع النصي أي القرآن,و هناك الباحث عن النص و ما وراء النص من مأثورات وردت على لسان الأئمة والصالحين وتارع التابعين,وهنا يبدو أن النزعة الفكرية في الفقه كانت حاضرة,و تحاول شد النصي إلى ما هو عقلي,تفاديا لمناقضة الوحي مع بعض اجتهادات العقل وقياسات التحريم المعتادة,نصيا,على قاعدة أن المحرم لا يحرم إلا بنص أو قياس على شبيه في الضرر,وهنا ينتفض الفكر الديني,مهاجما المدافعين عن النص,و المأثور والسليم السند,إن هذه التداخلات,لا يتم تناولها لا فقهيا و لا فكريا خوفا على الوحدات الكبرى,التي تتبناها الجماعات,و تحافظ على نخبوية التناول الفقهي لها,تفاديا لتقاطعات مع المختلفين مدهبيا عنها,ففي أحيان كثيرة,يتراجع الفقيه السني عن بعض اجتهاداته,لمجرد تلاقيها مع أخرى حدثت في المذاهب الشيعية,و إن لم يفعل,تحاملت عليه جماعته و نبذته,وما يحدث في هذه الجهة يحدث في الجهة المقابلة,بدرجات رفض متفاوتة في رفضها و أحيانا حتى في عنفها ,مع كل ما تقدم,هناك قضايا معلقة ومفتوحة على المزيد من التفكير,والإجتهادات الفكرية,التي يحتاجها العالم العربي أكثر من أي وقت مضى.
1الفكر
الفكر,وعي بحالات و وقائع تشكل ثوابت لرصد كيفيات فهم المتعدد وفق مفاهيم,تسمح بتوحيد المتعدد ليسهل استيعابه,والتحكم فيه,ولذلك قيل إن كل فكر نتج عن حاجات عملية,لا يمكن تحديد مساراتها و السير إلا إن تم التحكم فيها بفهمها وتحديد وجهتها
وبذلك يصير الوعي ذو بعدين,معرفي و أخلاقي,وحتى نفسي,محدد لما هو ثقافي,فالفكر ليس مجرد نشاط كوني,متشابه الحركات كفعل عصبي كما يعتقد رجالات العلم العصبي,بل هو مركب غير قابل للحصر النهائي,لكن يمكن اعتباره افتراضا,نشاطا بشريا,ذي غايات نظرية و عملية,حددت سابقا ,وهذا النشاط الخاص بالكائنات البشرية,لا يمكن أن يتطابق كمنتوج لجماعات,بل قل إنه تعبير عن الإختلافات اللانهائية للتجمعات البشرية,التي تتشابه بعض حلقات تطورها دون أن تتماهى كليا أو جزئيا,لكن يمكن رصد بعض المشتركات الجوهرية في الفكر,بحيث كل جماعة,تعتبره سبيل الوصول للحقيقة,تلك التي تقوي بها وحدتها ووجودها داخل مجال جغرافي محدد,ولذلك فلها آليات الدفاع عنه في وجه أفكار جماعات أخرى,منافسة أو عدوة,هنا تكون آليات الدفاع حاضرة في كل فكر, حتى لو كان أسطوريا.
2الفكر الديني
هو فكر حسب المحددات السابقة,غير أن مشروعيته يستمدها من الدين,أي الديانات المختلفة,ولكل ديانة مصدر مشروعيتها,فإما أنها حكمية,مستمدة من إنسان خارق,حكيم,ملهم من طرف قوى الخير,لها تسميات مختلفة و أحيانا متعارضة مع ديانات أخرى سابقة,لكن المشترك,هو كون الديانة,اعتراف بما يدين به الإنسان لقوى أوجدته على الأرض أو حمته من قوى الشر التي تلاحقه و تتربص به لتغريه أو تميته حسب الغايات العظمى للديانات,التي اعتاد الفكر البشري على تقسيمها,إلى متعددة الآلهة و أخرى موحدة,وهي الديانات الثلاث,اليهودية ,المسيحية و الإسلام,والحقيقة المراد تجاهلها,أن هناك ديانات اعترفت بالواحد كفكرة و لم تعطه إسما,بل اعتبرته قوة خفية,له أكثر من إسم,وأنه يتجلى بالخير البشري,وحركة الكون واستمراره,وقد أنتجت بعض هذه الديانات تعاليم و عبادات,نسيت ,و كانت عبارة عن ترانيل و ممارسات نسبت إلى السحر لعدم فهمها والقدرة على تحديد مصدرها كتابة,بل منها ما طمست بفعل التنافس بين رجالات الدين والسلط,ومفاد هذا أن كل الديانات كان لها رجال يجتهدون في كيفيات التعبد والتعامل بين الناس,وليس هذا الأمر بجديد,ظهر مع المسيحية و الإسلام كما يعتقد الكثير من الدارسين.
3الفقه
ليست هذه الكلمة إبداعا إسلاميا خالصا,فالتفقه معناه استيعاب وفهم,وهو معرفة بقواعد ديانة معينة,وكيفيات الإنتماء لها, و هو صنفان,واحد طقوسي,أي العبادات,و لم توجد ديانة من الديانات بدون عبادات كما زعمت سابقا,و صنف ثاني يحدد المعاملات التي على الناس إخضاعها لمعايير,وأحكام تتراوح بين المقبول و المرفوض,و المشتيه فيه,أي ذاك الموجود بين النقيضين,و هو في الغالب مصدر كل الصراعات التي تعرفها الديانات بكل أشكالها,لكنه أيضا مدخل للإجتهادات التي فجرت الفكر الديني وحتمت على اللاحقين إعادة النظر فيما خلفه السابقون,وهذه سمة الوجود البشري,كوجود محكوم بالفكر وليس الغريزة وحدها كما هو عالم الحيوانات وأشباهها من الحشرات.
4الفقه الإسلامي
هي المعرفة بقواعد الديانة الإسلامية,وثوابتها,كمنظمات لعلاقة العبد بخالقه وعلاقات العباد فيما بينهم,أو ما يعرف تبسيطا بالعبادات والمعاملات,وقد كانت للإسلام رؤاه الخاصة و تصوراته المختلفة عن اليهودية و المسيحية,رغم أنه اعتبرهم موحدين لله حقيقة,و أن الشرك طارئ,بادعاء أبوة الله للمسيح في النصرانية,وأبوته لعزير في اليهودية,وهنا كان الإسلام مطهرا للينبوع التوحيدي مما طاله من تشوهات,مع التنبيه القطعي لكون الإسلام هو الدين الحق,والأجدر بالإتباع تعاليم و طقوسا و معاملات,بدون إكراه,كانت الأمور في حياة الرسول واضحة,وبعد موت النبي عليه الصلاة و السلام,جدت كثير من الأمور,فبدأ الفقه رحلة البحث عن السند النصي و تجميعه,ثم تصنيفه,وعرفت بلاد الإسلام مستجدات بعد انقضاء عصر التابعين,فغدا الفقه حاجة ملحة,واقعيا,فكانت هناك تفاوتات في فهم الظواهر والحكم عليها وفق مبادئ الإسلام الفقهية أو ما سوف يعرف بأحكام الشريعة الإسلامية,فكانت أحكام الفقهاء غير متشابهة تجاه الحدث الواحد حسب التقديرات,وفي الفقه كانت المعركة متحكم فيها,لأنها حدثت حول فروع الإجتهاد فيها رحمة,بل ضروري في نظر الفقهاء,وغير بعيد عن الفقه كانت معركة أخرى,أكثر قوة,في عالم الفكر الإسلامي.
5الفكر الإسلامي
هنا معترك المواجهات,التي أولت سياسيا,واعتبرها البعض انعكاس للصراعات السياسية حول الخلافة,مما أعطى للفكر دورا هامشيا في هذه الصراعات,والحقيقة أن الصراع الفكري حول مرتكب الكبيرة,ليس انشغالا سياسيا وإيديولوجيا خالصا,بل فيه الكثير من القضايا الخلافية فكريا,بحيث,أن العاقل يحتكم للحتمي في الحكم,فلا يبقى معلقا,فالدنيا كما في الحديث مزرعة الآخرة,والعاصي هنا نتيجته عقليا واضحة و لا يمكن تعليقها,أليست هذه حجاجية على المصير,أو ميتفيزيقا المصير الروحي للكائن البشري بعد الموت,و لها أبعاد تتجاوز السياسي و تخترقه فكريا,فالعقلاني في الفكر المعتزلي كانت له دوافع الفكرية,التي حتمت عليه عدم القبول بما يتعارض مع العقل,وهو ما سوف يذهب إليه الفكر الفلسفي,بضرورة إعادة التأويل إن بدا ظاهر النص غير مقبول عقلا.
خلاصات
نحتاج حاليا للكثير من التفكير في علم الكلام,فإن كان المثقف حسم أمره في اختيار العقل,فالمجتمعات العربة والإسلامية تسير بوتيرة أخرى,تفرض بما عرفه العالم من تحولات,إعادة النظر,في التأويلات الدينية حاليا,وإشراك الناس في فهم جديد للإسلام,لتنبعث الحداثة من صلب المجتمعات التقليدية و لو بنسب ضئيلة,تعبد الطريق للقادم مهما تأخر,فذاك حتما سوف يكون أكثر أمنا من المفروض والسريع المغلوط والمرفوض.
حميد المصباحي كاتب روائي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية حرب غزة وإسرائيل: هل الإعلام محايد أم منحاز؟| الأخبار


.. جلال يخيف ماريانا بعد ا?ن خسرت التحدي ????




.. هل انتهت الحقبة -الماكرونية- في فرنسا؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. ما ردود الفعل في ألمانيا على نتائج الجولة الأولى من الانتخاب




.. ضجة في إسرائيل بعد إطلاق سراح مدير مستشفى الشفاء بغزة.. لماذ