الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسكوت عنه فى مسار الثورة... مقدمة فى نقد الذات

هانى جرجس عياد

2012 / 12 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


اعترف أن بعض إحباط قد تسلل إلى نفسى وأنا أتابع مشاهد ما جرى على أرض المحروسة منذ إعلان العار الدستورى الذى أصدره د. محمد مرسى فى 21 نوفمبر. لكن لأن فى كل شيء يكمن ضد لهذا الشيء، فقد كان الإحباط داعيا لاستعادة بعض صور مشهد الثورة منذ 25 يناير 2011، وحتى إقرار الدستور الإسلامى.
كانت ثورة يناير بلا قائد، كثيرون أشاروا إلى هذه السمة، بعضهم اعتبرها ميزة، لكن القراءة المدققة لوقائع أيام الثورة تكشف النقاب –الآن على الأقل- عن السؤال (المفتاح) المسكوت عنه: لماذا لم يظهر خلال أيام الثورة الثمانية عشر قائد (أو أكثر) قادر على قيادة الملايين التى خرجت بصورة تلقائية ترفع ذات المطالب «عيش حرية كرامة إنسانية»، وتردد نفس الشعار «الشعب يريد إسقاط النظام»؟
وطوال عام 2011، بعد سقوط المخلوع، وحتى عشية الانتخابات الرئاسية أواسط 2012، بقيت الثورة مستمرة فى الشوارع والميادين، كانت الجماهير تتداعى إلى مظاهرات ومليونيات واعتصامات، تواجه وحدها عنف المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتتحمل شتائم وإهانات واتهامات الجماعة الخارجة على القانون، وتفضح تأمرها وصفقتها مع جنرالات مبارك لسرقة الثورة والانقضاض على السلطة، ولا قائد يظهر.
لم تتوقف اعتصامات وإضرابات فقراء هذا البلد (الموصوفة زورا وبهتانا بالمطالب الفئوية)، بينما القائد لا أثر له.
لكن عندما حل الاستحقاق الرئاسى، بفضل دماء شهداء ومصابى الثورة المستمرة بلا قائد، ظهر القادة فجأة، وما أكثرهم. بين مرشحى الانتخابات الرئاسية الثلاثة عشر، كان هناك أربعة ينتمون إلى معسكر الثورة -بهذا القدر أو ذاك، على هذه المسافة أو تلك- حمدين صباحى، أبو العز الحريرى، خالد على، هشام البسطاويسى، وكان هناك مرشح خامس يتأرجح بين المعسكر الإسلامى ومعسكر الثورة، هو عبد المنعم أبو الفتوح، ومرشح سادس يراوح ما بين الانتماء لنظام مبارك، وبين الالتحاق بمعسكر الشعب هو عمر موسى (مع حفظ الألقاب للجميع). ستة مرشحين فتحت لهم الثورة الطريق إلى القصر الرئاسى، ظهروا فى المشهد فجأة، بعدما سقط شهداء، وسالت دماء، وراحت عيون، وتعرت نساء، وألقيت جثث فى المزابل، دون أن نسمع منهم شيئا، اللهم إلا بيانات تؤيد أو تشجب أو تدعو أو تطالب، وكأنهم يتحدثون عن بلد أخر لا يعيشون فيه، ويخاطبون شعبا أخر لا ينتمون إليه. لم نرى أحدا منهم فى مظاهرة، ولا اعتصام، ولم يدعو أيا منهم إلى إضراب أو مليونية، لكنهم فجأة ظهروا كقادة. هل رأى أيا من المعتصمين أيا من هؤلاء يبيت ولو ليلة واحدة فى خيمة اعتصام؟
قدر من المرارة وبعض إحباط يبرر لى التساؤل: هل كان الإخوان وحدهم هم من قفزوا على الثورة لاقتناص نتائجها؟ لكننى أرجئ التساؤل، وأنتظر.
بُحت الأصوات تناشد مرشحي معسكر الثورة أن توافقوا فيما بينكم، وإن كل منكم يعتقد أنه الأفضل فلتتنازلوا للأكثر شعبية حتى لا تتفتت الأصوات، ولا حياة لمن تنادى، تكررت التحذيرات أن تعدد مرشحى الثورة سوف يدفع الكثيرين للامتناع عن التصويت، لكن لا جدوى. وكانت النتيجة تفتت أصوات الثورة يفتح الطريق واسعا لفوز مرشح الإخوان المسلمين بمنصب الرئيس، وربما لا أتجاوز كثيرا إن قلت أن أبو العز الحريرى وهشام البسطاويسى وخالد على، ومن ورائهم حزبا التيار الشعبى والتجمع، يتحملون مسئولية كبيرة عن تلك النتيجة. فهل أدرك أي من هؤلاء (الآن على الأقل) حجم الجريمة التى ارتكبوها فى حق الثورة؟
مرت تجربة الانتخابات الرئاسية بما فيها من إيجابيات، وهى قليلة، وما حفلت به من سلبيات، وما أكثرها، منها على سبيل المثال أن أيا من مرشحى الرئاسة ومن ورائهم الأحزاب التى رشحتهم أو استعارتهم من خارج صفوفها لترشيحهم، لم يقدم أية مراجعة نقدية لمواقفه، سواء فيما يتعلق بالغياب عن شوارع وميادين الثورة على مدى ما يقرب من عام ونصف العام، أو لمسئوليته عن وضع البلد فى مواجهة أسوا سيناريو ممكن لجولة الإعادة فى انتخابات الرئاسة، فضلا مواجهة الذات بأسباب الفشل فى الحصول حتى على أصوات تكفى للنجاح فى انتخابات برلمانية (هل يعرف أبو العز الحريرى، على سبيل المثال، لماذا أخفق فى الإسكندرية؟).
قفز الجميع فوق مرحلة المراجعة والنقد الذاتى العلنى، وكان هذا فى ذاته مؤشرا سلبيا، سوف تبدأ تجلياته فى الظهور لاحقا، ولم يكن هذا غريبا أو شاذا، فإذا كان «الاعتراف بالحق فضيلة» فماذا يمكن أن ننتظر ممن قفز فوق «الفضيلة»؟
والذى حدث أن الإعلان الدستورى الذى أصدره الدكتور محمد مرسى فى 21 نوفمبر، وما تبعه من تجهيز الدستور بليل (بالمعنى الحرفى والمجازى للكلمة) ثم حصار المحكمة الدستورية، قد أعاد تفجير الغضب، ومن ثم الثورة، فى أنحاء البلاد، ويتدفق مئات الألوف إلى قصر الرئاسة مباشرة، متجاوزين الإعلان الدستورى المشوه، والدستور الإسلامى المطعون فى شرعيته، هاتفين «يسقط يسقط حكم المرشد» مكررين على أسماع الرئيس «المنتخب» ذات النداء «أرحل»، فى مفاجأة جديدة من مفاجآت الشعب «القائد والمعلم» أذهلت القادة المتعثرين وأربكتهم.
لجأ «الرئيس المنتخب» إلى أحد الأبواب الخلفية فى القصر الرئاسى هاربا من الذين انتخبوه، اختفت الشرطة، لا أثر لقوات الحرس الجمهورى، وليس فى الشارع من سلطة سوى سلطة الجماهير الغاضبة الثائرة وحدها، من محيط القصر الرئاسى وحتى ميدان التحرير، فى إعادة إنتاج للمرحلة الأولى من الثورة بأيامها الثمانية عشر، مئات الألوف فى الشارع دون حالة عنف واحدة، فلم ينكسر حتى لوح زجاجى واحد، الثورة –إذن- تعود مجددا إلى الشارع، لكن القادة اختفوا!!
وفى اليوم التالى يطلق الإسلاميون عصاباتهم على المعتصمين السلميين أمام القصر الرئاسى، فى إعادة إنتاج –أكثر دموية- لوقائع «موقعة الجمل»، تسيل الدماء ويسقط الشهداء والمصابين، وتسقط معهم شرعية الرئيس «المنتخب»، ومازال «القادة» غائبين عن المشهد.
فى اليوم التالى تخرج نساء مصر، أكليل المجد الذى يتوج جبين الوطن، حاملات أكفانهن على أيديهن، متوجهات إلى قصر الرئاسة، فى تحدٍ بليغ لسلطة الإخوان، واختفاء القادة.
ثم كان أن ظهر القادة، ليس بشخوصهم حيث توجد الناس، وحيث ارتكبت عصابات الإخوان المذبحة الدامية، إنما فى خطاب ضعيف متهافت. كانت مصر تهتف بسقوط حكم المرشد، والشعب يطالب الرئيس «المنتخب» بالرحيل، فجاء بيان القادة يطالب بإلغاء الإعلان الدستورى وتأجيل الاستفتاء على الدستور.
تواصل الثورة مسيرتها، فلا ترهبها مظاهر العنف الإسلامى، أو تهزها حكاية الرئيس المنتخب، متجاوزة الإعلان الدستورى والدستور المطعون فى شرعيته، مطالبة بإسقاط حكم المرشد ورحيل الرئيس، وتنهمر اعتذارات الدبلوماسيين المصريين فى الخارج عن عدم الإشراف على الاستفتاء على الدستور فتضطر السلطة المرتبكة إلى تأجيل الاستفتاء فى الخارج، ويقرر قضاة مصر عدم الإشراف على الاستفتاء فى الداخل، لكن القادة الجدد يخذلون الجميع ويقررون قبل ثلاثة أيام من موعد الاستفتاء، المشاركة فيه والتصويت بـ«لا».
المشاركة فى الاستفتاء –من ناحية- تضفى الشرعية على دستور مطعون فى شرعية اللجنة التى كتبته، وتفرض القبول بنتائجه أيا كانت الطعون التى يمكن رصدها، على الأقل حتى يفصل فيها القضاء، كما أنها –من ناحية أخرى- تتجاهل قدرة الماكينة الانتخابية الهائلة لدى الإخوان وقدرتها على ابتكار وسائل جديدة للتزوير الممنهج (أخرها الإبطاء المتعمد فى طوابير المستفتين، وقطع الكهرباء عن اللجان)، فضلا عن الوسائل التقليدية (الزيت والسكر والأرز)، ثم أنها -من ناحية ثالثة- تقفز فوق حقيقة غياب قوى المعارضة عن أماكن كثيرة فى أنحاء البلاد، مثل الريف والمناطق النائية والصعيد على وجه العموم، وهى أماكن تسيطر عليها بالكامل القوى الإسلامية.
ربما كانت الميزة الوحيدة للمشاركة فى الاستفتاء هى الكشف عن قوة المعارضة، لكن الاستفتاء على دستور مطعون فى شرعيته وشرعية من كتبوه، لم تكن هى الفرصة المناسبة ولا الوقت الملائم لاستعراض القوة.
ولئن أردنا إعادة قراءة الموقف فى ضوء ما أسفرت عنه نتائج الاستفتاء فلعلنا نتخيل معنى دستور يشارك فى الاقتراع عليه 10 مليون مواطن فقط (هم من قالوا نعم)، ولعلنا نتخيل الآن معنى أن يوافق الإسلاميون وحدهم على الدستور وبنسبة 100%، ولعلنا نتخيل معنى إحجام 41 مليون عن المشاركة فى إبداء الرأى فى الدستور (ألم يكن هذا كافيا لإظهار حجم وقوة المعارضة؟).
الذين ارتكبوا جريمة تفتيت أصوات المصريين، فى الانتخابات الرئاسية، ومنحوا الفرصة للإسلاميين ليقتنصوا المنصب الرئاسى، عادوا مرة أخرى ليجهضوا المرحلة الثانية من الثورة، بموقف متهافت لم يقرأ الشارع ولم يفهم حركته ولم يستوعب مطالبه، وسقطوا –بوعى أو بدونه- فى فخ إدارة الصراع على أرضية السلطة.
المعركة القادمة، انتخابات البرلمان، ستكون بالضرورة على أرضية السلطة، بعد أن تضمن الدستور جوهر القانون الانتخابى، ولم يبق سوى صياغته بمعرفة مجلس شورى مطعون فى شرعيته، وبوجود «محلل» بين أعضائه المعينين، ممن قبلوا أن يلعبوا هذا الدور. هل لنا أن نقرأ جيدا مغزى ومعنى أن يمارس الإسلاميون الاحتيال على الدستور الذى وضعوه وحدهم؟ فى النص الدستورى يحق لرئيس الجمهورية تعيين عُشر (1/10) الأعضاء المنتخبين فى مجلس الشورى، وفى الممارسة العملية يصدر الرئيس الإسلامى قرارا بتعيين 90 عضوا فى مجلس الشورى قبل المرحلة الثانية من الاستفتاء، ولو كان انتظر عدة ساعات (حتى إقرار الدستور) لاقتصر حقه على تعيين 18 عضوا فقط، وهو عدد لن يكون كافيا للقيام بدور المحلل، أو المعارض. فلماذا يعيد «القادة المعارضون» إنتاج أخطائهم ذاتها، ويسارعون بالإعلان عن المشاركة فى الانتخابات البرلمانية، حتى قبل أن نعرف نصوص ومواد قانون الانتخاب؟ ودون أن يكون مطلوبا منهم أن يعلنوا موقف، الآن على الأقل؟.
هل لنا قبل ان ننقد «العسكر والإخوان» أن ننقد أنفسنا ونصحح مساراتنا؟ هل لنا أن نعرف أن عبارة «الشعب هو القائد والمعلم» ليست مجرد جملة إنشائية بليغة، لكنها حقيقة واقعة، ومن يتخلف عن مسيرة الشعب ومطالبه، سيجد نفسه فى الذيل؟..... للأسف فى ذيل الشعب وذيل السلطة على السواء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خطير جداً.. هكذا تم إعداد الرئيس
يوحنا مالوم ( 2012 / 12 / 30 - 12:09 )

http://www.facebook.com/live.masr

فيديو يبين الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر يجتمع مع جميع قادة الإخوان المسلمين قبل الإنتخابات الرئاسية في مقر الإخوان ويعطي الرئيس كارتر للرئيس محمد مرسي ورقة ليوقع عليها
الفيديو بعنوان خطير جداً.. هكذا تم إعداد الرئيس
شاهدوه . بالفعل خطير. ترتيبات مسبقة لتسلم محمد مرسي بالذات الرئاسة
بفضل امريكا وبتعهد من محمد مرسي مقابل الكرسي الذي يؤمنونه له


2 - وااللاوعي الطائفي
احمد مجدي ( 2012 / 12 / 31 - 15:56 )
حتي عند بعض المثقفين العلمانيين تظل هذه النوعيه من اللاوعي مؤئره وفاعله
في الاعماق تخلق عند ضحاياها اوهاما وضلالات تصور لهم الوقائع علي غير الحقيقه وتغشى ابصارهم عما لايتفق مع رغباتهم الدفينه
الاخوان ارتكبوا المذبحه الداميه؟هكذا يقول الكاتب وكنا سنوافقه تماما لو قال انهم تسببوا
في خلق المناخ الذي وقعت فيه المذبحه بارسالهم بعض المنتمين اليهم لفض اعتصام الاتحاديه ولكن ارتكبوا لاتعني سوي انهم من اطلق الرصاص الحي علي الرؤوس
ولايهم ان اغلب القتلي من الاخوان فالعقل الباطن قطعا غير مؤهل لقبول هذه الحقيقه
ولايملك اي مراقب لديه الحد الادني من الموضوعيه والحياديه سوي ان يعترف
بان الاخوان انتهازيون متخلفون ولكنهم ليسوا عصابه من القتله وانتهازيتهم نفسها تحتم عليهم الايكونوا كذلك
ماقام به الجهاز السري للاخوان في الماضي تبرا منه حسن البنا نفسه
واطلق صيحته الشهيره ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين ولم يكن الجهاز السري
سوي حلقه ضيقه متطرفه داخل الجماعه التي نبذت اسلوب التصفيه الجسديه
منذ اكثر من اربعبن عاما
ولكن ماذا نقول وقد صار العثور علي تحيلات موضوعيه للاحداث دونه خرط القتاد--------

اخر الافلام

.. قتلة مخدّرون أم حراس للعدالة؟.. الحشاشين وأسرار أول تنظيم لل


.. وكالة رويترز: قطر تدرس مستقبل المكتب السياسي لحركة حماس في أ




.. أوكرانيا تستهدف القرم.. كيف غيّرت الصواريخ معادلة الحرب؟| #ا


.. وصول وفدين من حماس وقطر إلى القاهرة سعيا لاستكمال المفاوضات




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - وفد من حماس يصل إلى القاهرة لاستكم