الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعونا نجرب عاما جديدا

أحمد الخميسي

2012 / 12 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


يضع عام 2012 معطفه على كتفيه. يعطينا ظهره من دون أن يلتفت إلي الوراء. ينصرف بهدوء مثل شخص لم يجد في رفقتنا ما يغريه بالبقاء، فغادر بحثا عن مكان آخر وبشر آخرين يكون " زمنا" عندهم. نرسل أبصارنا وراءه ونتمتم " لا نحن أسعدناك بشيء، ولا أنت أيضا أسعدتنا". نتذكر مذبحة بورسعيد في فبراير، وانتخاب مرسي رئيسا في يونيو، والإعلان الدستوري المشئوم وحادثة قطار أسيوط في نوفمبر، ثم الاستفتاء غير القانوني على دستور غير قومي في ديسمبر. الحق أنك لم تهبنا شيئا مبهجا، فإرحل إذن. سنغلق الباب خلفك ونحكم سد النوافذ، ونحتمي بأحلامنا. وليكن في علمك أن هذه هي آخر مرة نتعامل فيها معا. ارحل، ودعنا نجرب عاما جديدا نختبر فيه آمالنا، ونحاول أن نغرس الزهر في الصخر مجددا، نخطئ مرتين، نقوم بالصواب مرة. الأمر الوحيد المفرح نحن قمنا به في عام 2012 . الأمر الوحيد المفرح لايبدو " حدثا " لأنه ليس مرتبطا بواقعة محددة ولا بمكان أو زمان، ومع ذلك فإنه الحدث الأكبر من بين الأحداث. أعني حالة الوعي الفكري الجديد العارمة التي عمت بين أوسع الفئات من الشعب المصري. الوعي الذي بزغ بقوة بقيمة وأهمية الكرامة والحرية، والاستعداد للموت دفاعا عنهما. كم من سنوات طوال انقضت ونحن نتحدث عن ضرورة الثورة الثقافية ؟ ومحو الأمية ؟ واجتذاب الناس للقراءة والتفكير؟ ومنذ كم من الزمن كتب يوسف إدريس في كتابه " أهمية أن نتثقف ياناس " يقول إن" الثقافة هى المعرفة الممزوجة بالكرامة، فلو كانت الثقافة تعنى المعرفة فقط لما اهتاجت السلطة، فماذا يهمها من سابلة الثقافة ورعاعها، إنما الذى يصنع الأزمة الدائمة هى الثقافة ذات الكرامة.. إن لها إشعاعها الخاص، تلمحه فى بريق العيون ووضاءة الجبهة وجلال العقل ونصاعة الموقف، إشعاع يكشف الزيف ويصارع التلفيق ويضرب المخاتلة". وفي العام المنصرم فقط أصبحت دعوة يوسف إدريس حقيقة متجسدة. فقد اهتزت ثقافة الشعب المصري من جذورها – كما لم تهتز على مدى ثلاثين عاما – وتغيرت وتبدلت من ثقافة " العين ماتعلاش على الحاجب" و" اللي يتجوز أمي أقول له ياعمي" إلي ثقافة أخرى ترى أنه " لابد من يوم معلوم ترتد فيه المظالم "، و" ماتقولش للندل ياعم لو كان على السرج راكب". هذا الوعي الجديد جعل الناس – الذين كانوا يجرون من الرصاص – يجرون إلي الرصاص. وحتى داخل النخبة المثقفة يتبدل الوعي بالتدريج ، وبعد أن سادت طويلا مدارس أدبية كرست للكتابة عن الذات باعتبارها نقطة البدء ونقطة النهاية، يبدأ الفن والأدب في استعادة الفكرة الأصيلة وراء كل أدب عظيم وهي تناول القضايا العامة والانخراط في الهم الذي يجمع الناس والمساهمة في تغيير الواقع . يذكرني ذلك بالعظيم نجيب محفوظ حين قال بهذا الشأن ذات مرة " هناك من يقول بأن الفن يتناول القضايا الخالدة ، أما أنا فأقول الخالدة واليومية. فللفن دوره في خدمة المجتمع، يؤديه كيفما يتراءى له وبالوسائل التي تساعده على أداء هذه الخدمة. لنفرض أننا الآن في ثورة، وأنني لا أستطيع أن أساهم فيها إلا بقصة لن تدوم فعاليتها أكثر من أسبوع، فإنني أكتبها، ولا أهتم بموتها بعد ذلك طالما أنها أدت وظيفتها، وهي حين تؤدي هذه الوظيفة فإنها لاتموت " . أعتقد أن الوعي الأدبي أيضا قد تعرض للتغيير خلال العام المنصرم وأننا سنشهد قريبا روايات وأعمالا مختلفة أكثر ارتباطا بقضايا المجتمع. وإذن فقد كسبنا الكثير خلال عام 2012 ، وظلمناه حين قلنا في البداية " لا نحن أسعدناك بشئ ، ولا أنت أيضا أسعدتنا ". وعلى أية حال فها هو ذلك العام يفارقنا ، يضع معطفه على كتفيه، ويعطينا ظهره منصرفا بهدوء. وليس أمامنا الآن سوى أن نجرب عاما جديدا، لم يستخدمه أحد من قبل، لنا أن نخط على أيامه وشهوره مانشاء، ولنا أن نطرزه بالأحلام، حتى لو كان قاسيا معنا ومنذرا بصراعات سياسية واجتماعية كبرى. إنه في كل الأحوال سيكون العام الذي سيحدد مصير النظام السياسي الراهن، ومصير الثورة التي لم تتوقف. فإن أصبنا مرة ، وأخفقنا مرتين فإن عذرنا أنها المرة الأولى التي نعيش فيها. المرة القادمة سنحاول ألا نخطئ . عام سعيد لكل الأصدقاء وللناس جميعا .

***
أحمد الخميسي – كاتب مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاملات منزليات مهجورات في شوارع بيروت | الأخبار


.. استمرار القتال والقصف بين حزب الله وإسرائيل • فرانس 24




.. -وُلدت خلال الحرب وقُتلت بعد أشهر-.. جدة تنعى حفيدتها بعد غا


.. ضربة قاصمة لحزب الله.. هل تعيد تشكيل مستقبل لبنان؟




.. عادل شديد: استمرار المواجهة سينعكس سلبا على المجتمع الإسرائي