الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل سنة وأنتم ملتحين

محسين الهواري

2012 / 12 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


بعد ساعات سيستقبل العالم سنة جديدة مليئة بأكواب نبيذ جوهره دم. ففي الوقت الذي تسعى فيه الإمبريالية للخروج من أزمتها البنيوية، من خلال تطبيقها لسياسات تقشفية -بالنسبة للفقراء وبذخية عندما يتعلق الأمر بملاكي البنوك- لا شعبية من قبيل الزيادات المتتالية في أسعار المحروقات وما يترتب عنه من ارتفاع مهول في أسعار المواد الغذائية -التجويع الممنهج للشعوب-، وكذا التراجع عن دعم قطاعات اجتماعية أساسية في أفق تفويتها الكلي للخواص، مما يعني حرمان شرائح واسعة من حقهم في التطبيب والتعليم والشغل.
كل ذلك يبدو جليا وواضحا خصوصا وأننا نتكلم عن منظومة سياسية ترى في البشر قوة للعمل قادرة، اذا ما تم استغلالها، على خلق فائض قيمة يمكن البرجوازيين من استدامة استعبادهم للعمال والفلاحين الفقراء. كل ذلك ليس كافيا لتجنب الإمبريالية هاوية مالية واقتصادية كفيلة بالبرهنة على أن نمط الإنتاج الرأسمالي القائم لا ينتج إلا البؤس، من هنا يستخلص سر "الهياج" الغربي من أجل تدمير دول، ذات وزن سياسي واقتصادي مهم، عسكريا وسياسيا كما هو حال ليبيا والعراق وإشعال حروب أهلية كما هو شأن سوريا واليمن. وإذا أردتم أن تتخيلوا حجم مبيعات الأسلحة الأمريكية بالمنطقة فما عليكم إلا أن تنظروا الى حجم الدمار الذي خلفته وتخلفه، وإذا أردتم أن تتبينوا حقيقة الربيع العربي المزعوم فما عليكم إلا أن تنظروا إلى مخلفاته بكل من تونس ومصر وليبيا حيث أصبحت هذه البلدان عقيمة وقاحلة ومنقسمة و"مصوملة".

في الواقع كنا نظنه ربيعا حقيقيا، سيخلصنا من العبودية المأجورة ومن الفقر ومن السجون وسيحرر المرأة من القيود والأغلال التي يضعها المجتمع في يديها، كنا نأمل في ازدهار اقتصادي يرافق هامش واسع للحريات، كما كنا نحلم بإجراءات استعجالية تهم قطاعات حيوية كالصحة والتعليم والشغل. لا تظنونني عدمي أو طباوي الأفكار يعتقد بأن تغيير وتغير أحوال العباد والبلاد تتأتى بجرة قلم، ولا تحسبوني ساذجا في عالم السياسة لا يفقه في قوانينها وخباياها ومراميها وأسرارها إلا ما بسط وسهل منها. فالسياسة ليست خطابات رنانة ولا وعود أخلاقية ودينية ولا كل ما يرى ويسمع ويقرأ بالجرائد والمجلات والشاشات. إن السياسة هي حرب المصالح، إنها الشيء الوحيد الذي لا يدرس بالجامعات ولا يعرض بقاعات السينما، هي شيء لا يناله إلا باحث متمكن من القوانين التي تحرك المجتمعات سياسيا واقتصاديا وايديولوجيا.

تأملوا معي حجم التضحيات التي قدمتها الشعوب، شهداء ودماء ودماروسجون، وانظروا معي إلى المآل والأمال المغتصبة، تأملوا معي حجم الخيانات والمؤامرات التي تعرضت لها شعوبنا، لا أحد ينبس ببنت شفة بخصوص ذلك، لقد اختاروا ممثلين يختبؤون وراء زغيباتهم ويدعون امتلاكهم للحقيقة الدينية "المطلقة" ويهاجمون كل مخالف لترهاتهم ناعتين اياه بالزندقة والردة، مستفدين في دعواتهم هذه من دعم العشائر النفطية المادي والإعلامي ومن الدعم اللوجيستيكي والعسكري والسياسي الإمبريالي. ولكم بعض النماذج الحية على ما نقوله حتى لا يظن البعض أنني بصدد الإفتراء على حفدة الأمبريالية الملتحين.

في المغرب تم "توصيل" الإسلاميين الى واجهة الحكم وليس الى الحكم كما يعتقد البعض- كلنا نعرف من بيديه دواليب الحكم المطلقة- فبعدما تفننوا في إيهام الشعب المغربي بأن خلاص المغرب من أفاته سيتحقق بفضل بركات أنبياء حزب العدالة والتنمية. إلا أنهم أبدعوا في تمرير توصيات المؤسسات المالية الدولية، فأصدروا فتواهم بالزيادة في أثمان المحروقات مما انعكس سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين. كما حاولوا يائسين الدفع أكثر نحو خوصصة التعليم وتضييق الخناق أكثر على الحريات العامة، وازدياد حدة القمع بمختلف مناطق البلد- القمع الوحشي بتازة وبطنجة وبسيدي ايفني وبمراكش منذ أيام قليلة- كل ذلك ورئيسهم مشغول بمحاربة العفاريت والتماسيح والديناصورات.

أما ليبيا فقد تحولت بعد تدميرها الكامل من طرف قوات التاتو وبمباركة "إخواننا في الله" الى إمارات ومماليك وكل يغني على هواه. والشعب الليبي يلملم جراحه بينما الغرب يستنزف خيراته النفطية. أما الجارة تونس، فقد أصبحت مرتعا لمليشيات حركة النهضة، يسحلون ويقتلون ويعدمون البشر والشجر والحجر تحت غطاء حماية "الثروة". إنهم يوهمون الناس بمعركتهم ضد الطواحين الهوائية في الوقت الذي يزداد الإقتصاد التونسي تأزما يوما بعد يوم والقوت اليومي للمواطنين أصبح مهددا أكثر من أي وقت مضى.
بينما مصر، الذي "التحق" فيها الإخوان المسلمين متأخرين للغاية بالحراك الجماهيري ولم يقطعوا اتصالاتهم ومفاوضاتهم مع النظام السابق حتى آخر لحظاته، فتعيش بوادر انهيار اقتصادي ومالي غير مسبوق، و مهددة بحرب طائفية تجعل من مصر "مصيرات" بسبب عمل الإخوان المسلمين على السيطرة على دواليب الدولة، خصوصا الجيش والقضاء، سياسة مدعومة من عشيرة نفطية كقطر عرابة الصهيونية بالمنطقة، حيث أعلنت أنها ستقدم للشعب المصري ملايير الدولارات إذا ما صوت إيجابا على الدستور الذي يأسس لدكتاتورية دينية تجعل من رئيس الدولة شخصا معصوما، قراراته لا تطالها المحاسبة على اعتباره ظل الإله على الأرض.

أما سوريا فتمثل النموذج الذي تجنمع فيه كل معالم الخسة وبذور المؤامرات والخيانات التي تميز التيارات الظلامية ضدا على مصالح الشعوب، فسوريا الآن تعاني من تدخل امبريالي مباشر من خلال دعمه لمليشيات ارهابية الأغلب منها ليس سوريا، بل اتت من مناطق مختلفة حالمة بالجنة المفقودة التي سيحققها لها وئد الأطفال وبقر بطون النساء. أتساءل مع هؤلاء القردة متى كان سلاح الأمريكيين ومخابرات الصهاينة يؤديان الى بر الجنة. متى كان هدف قوات الناتو التوسعية هو تحرير الشعوب من بطش حكامها، وأنتم تتوسلون قنابلها، متى كان التنسيق والسكوت عن جرائم الصهاينة مباركين وقد أصابكم الخرس والصمم كلما ارتكب الصهاينة جرما في حق شعبنا الفلسطيني.

لقد حققت السياسات المتبعة من قبل التيارات الظلامية انجازات عظمى، تمثل معظمها في الزيادات الكبيرة في أسعار المحروقات، وكذا التراجعات المهولة في هامش الحريات، إضافة الى سياسات التطبيع مع الصهاينة والإمبريالية. إن الثورات الحقيقية تأتي ببرامج واضحة تنعكس سريعا على القطاعات الحيوية من صحة وتعليم وشغل. وفي دول أمريكا اللاتينية خير مثال. وليس بنقاشات تجاوزتها الشعوب المتحضرة من قبيل حرية المعتقد وحقوق المرأة. إن الحرية الحقيقية هي كما يصفها أحد القادة البلاشفة العظام: " يصعب علي التخيل، اية حرية شخصية يمكن أن تكون عند المعطل عن العمل، الذي يجوب الشوارع جائعا ولا يجد إمكانية بيع قوة عمله. الحرية الحقيقية ممكنة فقط بعد القضاء على الإستغلال، عندما ينعدم اضطهاد الإنسان للانسان، عندما ينعدم الفقر والبطالة، عندما لا يرتجف العامل خوفا من اضاعة عمله، منزله وخبزه". إن الإنسان يحتاج الى حرية وربيع حقيقيين وليس وهميين، و على أمل تحقيق هذا الربيع الخال من زغيبات الخيانة أتمنى لكم سنة سعيدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما مع مواصلة محادثات التهدئة في


.. إيران في أفريقيا.. تدخلات وسط شبه صمت دولي | #الظهيرة




.. قادة حماس.. خلافات بشأن المحادثات


.. سوليفان: واشنطن تشترط تطبيع السعودية مع إسرائيل مقابل توقيع




.. سوليفان: لا اتفاقية مع السعودية إذا لم تتفق الرياض وإسرائيل