الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لاهوت التكفير و لاهوت التدبير

حميد المصباحي

2013 / 1 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


عملية تكفير الخصوم آلية فديمة,عرفتها العديد من الحضارات الإنسانية,و كانت مبررا فكريا غايته تصفية الأعداء,و تحفيز الجماعة على حفظ تماسكها بإراقة دماء الغير,كأنها عملية قرابين وجدت حتى في الديانات الوثنية,حيث كان المتحاربون يطلون وجوههم بدماء بعضهم,بل أحيانا يتزينون بجلود القتلى و حتى بعض أحشائهم,إضافة إلى نقل جثت الأعداء إلى الديار و ممارسة طقوس التقرب بها إلى آلهتهم,و لا، حياة البشر تراوحت بين السلم والحرب,فقد كانت لطقوس السلم دمويتها,و كذلك كان في حالات الحروب,بحيث كان لابد من البحث عن الأعداء داخل الجماعة الواحدة,مما اضطر الناس,للتدين بديانة الأقوياء و رجالات السلطة,واستمرت هذه الممارسات,بل قل امتدت حتى للديانات الموحدة,التي لم يكن بإمكانها التخلص من كل القيم,بل حافظت على بعضها و تخلصت من البعض الآخر بالتدريج,و وفق عمليات استئصالية ثقافية دينية طويلة و صعبة في مساراتها,التي عرفت الكثير من الإنعراجات حتى داخل الديانة الواحدة و الموحدة في الوقت نفسه,
1اللاهوت
هي مجمل الأفكار حول الإلاه,التي ورثتها الجماعات و حافظت عليها كمأثورات مقدسة,وطلاسم للنجاة من غضب الله,وهي أيضا معارف حول الله نفسه,أي ما ينبغي أن يتصف به و مالا ينبغي أن يوصف به,لا من طرف المعتقدين به أو غير المعتقدين بذلك,قاللاهوت ليست اصطلاحا تحامليا على الديانات,كما أنه ليس خاصا بالديانة المسيحية وحدها,بل يوجد حتى داخل الإسلام نفسه,فهو أي اللاهوت ليس مرتبطا بالكهنوت,و الرهبان أو الأحبار,إنه محددات معرفية و فقهيات خاصة بطبيعة الديانة و تصوراتها للغيب و المآل الأخروي,وهي موجودة في كل الديانات,و أكثر عقلانية في الديانات الموحدة مقارنة مع الديانات المتعددة الآلهة أو ما يعرف بالوثنية,وربما كان اللاهوت هو ميتافيزيقا رجالات الدين,أو تبسيطات للمجرد الذي لا يستوعبه إلا القادرون على فهم المثن الفلسفي,و حركات التفكير الترابطي المنطقي كما عرف في اليونان والهند القديمة والصين,.
2التكفير في اللاهوت
كان فعلا طارئا,فاللاهوت تفقه و علم بالمآل البشري,و ليس وسيلة لتبرير الجرائم و الحكم بها,لكن التقاء الفكر الديني بالسياسة و الدولة حتم أن يقدم اللاهوت خدمة لرجالات الدولة,ولا يمكن أن تكون إلا ادعاء تمثيل الله و النطق باسمه و مباركة الجند لينظر إليهم كجنود لله,و هذا ما حصل في الديانات الموحدة,وسبقتها له غيرهها من الديانات الأخرى,كما سبق ذكره سابقا,و لما كان للدولة معارضوها داخل المجتمعات التي تحكمها,كان لزاما على الكهنة,أو رجالات الدين أو حتى الفقههاء فيما بعد,تبرير القتل,و الحث عليه,وهنا كانت آلية التكفير ضرورة دينية و سياسية ملحة,احتاجها الحكام واستأنس بها رجال الدين لتصفية حساباتهم مع أتباع الديانات المنافسة لهم,أو رجال الدين نفسه ممن كانت لهم أفكار مغايرة لحماة المؤسسات الدينية,الذين كانوا مشاركين في الحكم,لكن من بعيد,أو بطريقة خفية,فقد كان الحكام يجزلون لهم العطاء,ويوصون بهم و بخدمتهم,والحذر منهم,فإن نالوا ثقة الحكام تسربوا لأمورهم و أفشوا أسرارهم التي يمكن أن تكون حاسمة في الإنتصار لحاكم ضد آخر من الأسرة نفسها.
3لاهوت التدبير
و مفاده أن رجالات الدين,انتظموا في حركات شبه سياسية,و صار لهم أتباع و أنصار من الناس,فثاروا على الحكام و انتزعوا السلطة,ونصبوا رجالات دين,زاهدين في السلطة و حاكمين للمجتمعات بالقوة الإلاهية التي لم تكن ترحم,لا رجالات دين و لا سياسة,بل هناك لاهوتيين حولوا مجتمعاتهم إلى قطيع استحل ذبحه لأبسط الأسباب,وهو ما عرف بالدول التيوقراطية,التي عرفها التاريخ البشري,بحيث كان الحاكم مباشرا ممثل لله,يحكم بما يتلقاه من الآلهة أو الإلاه و لا يحتاج لسياسيين يتوسطون بينه و بين المجتمعات التي أوكل إليه أمر حكمها,بل قل قيادتها إلى حيث لا يعلمون,بل فقط عليهم الطاعة و القبول بالمسير إلى حيث يأمر الإلاه,لتصير الدولة إمبراطورية إلاهية,تمتد لنشر الديانة المسيطرة بإرادة الله,بل عليها أن تنتشر في العالم باسره قبل زوال الدنيا.
انهارت كل الإمبراطوريات,التي تأسست على البعاد الدينية,و ظهرت الدول بشكل مختلف,واستعادت السياسة مدنيتها,وأدركت الحضارات البشرية,بعد النهضة الأروبية و ربما قبلها ,أهمية تحرير السياسة من اللاهوت,وإبعاد اللاهوت عن السياسة,فتخلصت الإنسانية من الإستبداد والصراعات العنيفة على السلطة,التي صارت متداولة,و بإمكان الكل الترشح لها بعيدا عن العنف و الإحتكام للقوة والعصبية و كل نزوعات الإستقواء بالغير,دولا و حضارات .
خلاصات
إن عودة التجمعات البشرية لاستحضار الديني في السياسة,هي مغامرة بإحياء اللاهووت التكفيري,و ما يدفع إليه من صراعات,حتما سوف توقظ التعصبات العرقية,وكل أشكال العنف الجماعي الأخرى,و هو ما يعتبر انتكاسة حضارية,أرخت بظلالها على العالم العربي,الذي كان من المفروض أن يمضي في اتجاه القطع مع أشكال اللاهوت السياسي,لكن التاريخ يسخر بعنف من الحركة الحضارية التي عرفتها المجتمعات العربية,مما يؤشر على حدوث مخاض,ما سوف ينتج عنه,حتما سيكون جوابا على ما سوف يكون عليه مستقبلا,فإما الحداثة و التقدم,و إما العودة للوراء,ببناء دول لاهوتية تعيد عالمنا إلى الوراء و تعصف بال‘نجازات البسيطة التي تحققت منذ الإستقلال,وهي قليلة و باهتة مقارنة بما ينبغي تحقيقه.
حميد المصباحي كاتب روائي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية حرب غزة وإسرائيل: هل الإعلام محايد أم منحاز؟| الأخبار


.. جلال يخيف ماريانا بعد ا?ن خسرت التحدي ????




.. هل انتهت الحقبة -الماكرونية- في فرنسا؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. ما ردود الفعل في ألمانيا على نتائج الجولة الأولى من الانتخاب




.. ضجة في إسرائيل بعد إطلاق سراح مدير مستشفى الشفاء بغزة.. لماذ