الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مساهمة في حوار الماركسيين

باسل سليم

2005 / 3 / 21
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


أثار النداء الذي وجهه الأستاذ سلامة كيلة باسم مجموعة من الماركسيين العرب فضولي لاسباب عدة : أولها عدم استثارة النداء سوى استجابة واحدة من الاستاذ حسقيل قوجمان ، والثاني : أحساسي أن الماركسيين العرب اصبحوا أكثر انشغالا من الرد على هكذا دعوة ولو من قبيل التشكيك والمساءلة .
فمتابعتي لكتابات الاستاذ سلامة كيلة مستمرة منذ أن تعرفت على الفكر الماركسي وهو من المساهمين الذي قدموا لي شخصيا على الاقل مجموعة من الاجابات على اشكالية الماركسية والقومية العربية في كتابه العرب ومسألة الأمة واعتبر أن قدرته على الاستمرار في الكتابة بعد سنوات السجن الثمانية وخروجه من السجن بمجموعة من الكتب التي اضافها الى المكتبة الماركسية العربية دليلا على حيوية يحسد عليها وتستحق الاحترام ..
أما القضايا التي أثارها الاستاذ سلامة والردود التي طرحها معلمنا الكبير حسقيل فهي تبعث الشجون أكثر مما قد تقدم من اجابات ، وهي شجون تدل على شغف الماركسيين على اعادة التفكير الدائم وقدرتهم على الاختلاف الذي ظهر جليا في الحوار الذي وصل الى طريق شبه مسدود لانعدام المساهمين ، كما أن مشاركتي في هذا الحوار من موقع من يمكنهم أن يطلقوا على انفسهم جيل الشباب قد تقدم أضافة شابة نحتاجها نحن الماركسيين بعد سنوات طويلة من شيخوخة فكرية طبعت انتاجنا .
النقاط التالية هي ليست ردود على ما جرى من حوار بل محاولة لاستجلاء مكنونات الجدل واثارته مرة ثانية :
اولا : لا يخفى على احد أننا كماركسيين وقعنا في أزمة كبيرة هي أزمة المدرسية ، فالكل اصبح في سعي حميم عن مرجعيات فكرية وكأن المرجعية الفكرية هي وحدها القادرة على تبرير وجودنا ، وارى في هذا الصدد أن ما يجب علينا أن نفعله كماركسيين ( اذا كان ثمة ماركسية ) أن نعيد النظر والقراءة ، فاعتقاد البعض أن ستالين سيقدم اجابات على اسئلة واقع متبدل ، أو توهم البعض أن لحاق ماركسية منصور حكمت أو غيره كافية للبقاء على طريق فكر مستنير هي من قبيل الوهم والسلفية الفكرية .. علينا كماركسيين لا قراءة ماركس وحده وانما اضافة خطوة اضافية في اعادة قراءته بادوات ناقدة وجدلية ، علينا فهم المادية الجدلية والمادية التاريخية أولا واذا تلبسنا الوهم بأن مجموعة من المختصرات أو القرءات المجزوءة ( سواء أكانت سوفياتية أو غيرها ) كافية لفهم ما يدور حولنا في العالم تصبح ماركسيتنا هواية مثل هواية جمع الطوابع ويصبح مكاننا متاحف التاريخ الفكري ، كنا في المدرسة الحزبية ذات زمن نحاول فهم ما هي الماركسية ، كنا طلابا سيئين ومعلمينا كانوا اسوأ منا والنصوص التي استندنا عليها كانت أكثر سوءا ، مجتزءات من كتب ماركسية سوفييتية ولا اعتقد أن تلك الكتب سيئة ( بل المختصرات التي درسناها ) فهو أنجاز لشاب شيوعي مثلا ان يقرأ كتاب عن الفلسفة الماركسية سواء أكان سوفييتيا أو غيره ، والطامة الكبرى التي عانينا منها في تلك الفترة أننا قرأنا مجتزءات ، وكنا نصطدم أنا ورفيق آخر من كثيري القراءة بأمية رفاق آخرين من الشباب لم يكن كثيرين منهم يميز الفرق بين القوانين والمقولات في الفلسفة المادية .. اتحدث هنا عن تجربة شخصية وهي مثل تجارب الكثيرين من الرفاق الشباب في عمرنا ، والحديث الذي دار عن البحث عن ماهية الماركسية قادني الى التساؤل هل ما زلنا نبحث عن قراءات سريعة ومرجعيات كالمرجعيات الدينية ؟
لا يجب علينا فقط قراءة الماركسية عموما وانما قراءتها بعقل منفتح ، قدمت الماركسية عربيا وعالميا مجموعة من الكتاب العباقرة الذين نحتاج فقط لفتح كتبهم وترجمة ما لم يترجم منها كما علينا الخلاص من مأزق المرجعيات ، تبقى المادية الجدلية هي الصيغة الاهم لمرجعية اي ماركسي إلا أن فهم هذه الجدلية لا يتطلب أحزاب او شيوعيين يقرأون فقط بل تتطلب أناس تقرأ بجد ، لم يخلص ماركس الى ما خلص اليه من الاطلاع على مرجعيات من هم قبله بل حمل معول النقد ، نقد الدين والرأسمالية وكل صيغ الاضطهاد وقام باعادة قراءة تراث هائل ، كيف لنا كماركسيين أن نتحدث عن مناهضة امبريالية تعرف في الماركسية وتتقن فهم قوانين الجدل أكثر منا ، القراءة المتأنية والطويلة المدى الممزوجة مع ممارسة سياسية يومية واحتكاك بالجماهير هي صلب المنهج المادي ، المنهج الذي أكد على صراع الاضداد والذي أشار الى أن ذلك السبيل الوحيد الى التطور ، عندها نتسائل هل تتطور ماركسية لا تنتقد نفسها ولا تعيد التفكير في مقولاتها ؟
ثانيا : تتعلق الازمة الثانية التي وقع فيها الشيوعيين العرب عموما ولم يتخلصوا منها مثلهم مثل بعض الشيوعيين في العالم هي عدم قدرتهم على استيعاب المتطلبات الحقيقية لحقبة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ، فما زلنا نتحدث عن مقولات قديمة تحتاج الى اعادة النظر والتفكير ، علينا اعادة التفكير في المنهج القطعي الذي ورثناه عن تلك المرحلة ذلك الميراث الذي يتسبب في تأبيد الانقسامات في أحزابنا الشيوعية ، تلك العلاقة بين النظرية والممارسة التي تخلينا عنها تماما ، فنحن تخلينا عن تاريخ طويل من التكتيك السياسي الذي يقتضي بناء التحالفات العريضة مع كل القوى التقدمية وتحولنا الى مجموعات عديمة الصوت والجدوى ، غلبنا سياسة القرارات على الجدل ، غيبنا فكرة الاقلية في الحزب ومنعنا أي فكرة مخالفة وقمعناها وبالتالي بذرنا بذور الانقسام في أحزابنا ، احزاب مشتتة تعني طبقة مشتتة في الفهم الماركسي ، وتعني احزاب برجوازية صغيرة مترددة تعبر عن مصالح مترددة ، ونسينا أن بناء تحالف بسيط مع من نتقاطع معهم على قضية واحدة أهم في الممارسة السياسية من الكثير من الخطابات والمراهنات على واقع متبدل وعلى احزاب تقزمت وما زالت تعتقد أنها عظيمة ، لا يوجد حزب عظيم لتاريخه وماضيه ، يوجد حزب عظيم لحاضره ولما يفعله الان وهنا فقط ، علينا التخلص كذلك من تراث طويل من التكفير وتبديد الخصوم واتهامهم بالانتهازية والانحراف ، كل هذا القاموس من المصطلحات ورثناه بالطريقة الخطأ ، لم يكن ماركس ولينين مثلا يستخدمان هذه المصطلحات جزافا بل تم استخدامها لتصفية معارك فكرية حقيقية كانت تنعكس على ارض الواقع السياسي مع خصوم حقيقيين ، كان الجدل جدلا حقيقيا مبني على مصالح طبقية ولم يمنع الجدل في كثير من الاحيان من البقاء في نفس الجسم الحزبي ، لننظر الى خلافات المناشفة والبلاشفة التي ارى أنها كانت اكثر جذرية من الكثير من خلافات الاحزاب الشيوعية الان ومع ذلك كان نفس الجسم التنظيمي يحتوي كلا الطرفين حتى انتصار الثورة ..لدينا تاريخ طويل من الانقسامات لاننا اعتبرنا الخلاف مدعاة للانقسام في زمن ليس بزمن ثورات ، وتمسكنا بمسميات جامدة فكل أحزابنا بنت اسماءها على التاريخ وتسمية الكثير منها بالشيوعي لا معنى له ، فالأحزاب تستمد أسمائها من ممارساتها ، فالحزب الشيوعي الروسي اصبح اسمه شيوعيا لأنه كان في مرحلة بناء الاشتراكية ، فماذا نقول في أحزاب كثيرة لم ينجز في بلدانها ابسط الحقوق الوطنية الديمقراطية ، من الجميل التسمي باسماء جميلة لكن من الضروري أن تطابق البرامج مع المسميات وضرورات المرحلة ، اذا قرأت تاريخ ماركس وانجلز تستطيع رصد الكثير من المسميات للكثير من الاجسام التنظيمية التي واكبت اعمالهم ، لم يلصقوا انفسهم باسماء واستطاع ماركس أن يقدم بنفسه أول معاول اعادة النظر في منهجه حين اشار أنه اذا كانت ثمة ماركسية فأنه ليس ماركسيا، لم يقل ماركس هذه المقولة من قبيل العبث ، ولم يطلب لينين من مجايليه دفنه من قبيل العبث أيضا ، لقد أدركا أن الشيوعية في صميمها قد تنزلق لتصبح دينا جديا للناس وللمستضعفين وهو ما وقعنا فيه نحن الشيوعيين ، شيوعيتنا دين جديد علينا الكفر به ، فإذا كان نقد الدين في زمن ماركس هو أساس كل نقد فإن نقد انفسنا وشيوعيتنا هي أساس بناء جديد لشد ما نحن بحاجة إليه اذا كان لنا أن ندعي أننا ماركسيين ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العقلانية والتاريخ في خطاب الياس مرقص - د. محمد الشياب.


.. بمشاركة آلاف المتظاهرين.. مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في صنعاء




.. تركيا تعلن مقتل 17 مسلحا من حزب العمال الكردستاني شمال العرا


.. كرّ وفرّ بين الشرطة الألمانية ومتظاهرين حاولوا اقتحام مصنع ت




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مناهضين للحرب الإسرائيلية على غزة في ج