الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نعم، من المستفيد من إفشال العملية السياسية في العراق، ولكن!

كامل كاظم العضاض

2013 / 1 / 2
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


أتابع قراءة مقالات الدكتور عبد الخالق حسين منذ بضعة سنوات، واعلّق عليها أحيانا، وربما تكاتبت مع الكاتب المحترم حول بعضها أحيانا. خلصت مما قرأت له على مدى السنوات بأن أخينا الدكتور عبد الخالق هو كاتب حصيف وموضوعي ومخلص، ولكنه كأي محلل آخر يجتهد، فيخطأ ويصيب، وليس في ذلك ما يعيب، بل فيه ما يغني ويزيد من نضوج الوعي والحوار والإجتهاد. فإذا إختلفنا مع بعض تخريجاته أو إستنباطاته، فذاك من جوهر الحوار الديمقراطي الحضاري الذي ينادي به هو. وعلى ذلك، نحن نصنف كتاباته في صنف الكتابات البناءة، على الرغم مما قد يبدو منها من نزوع لتأييد المالكي، رئيس مجلس وزراء العراق، وهو تأييد لا يمنعه هو من توجيه النقد أحيانا لأداء حكومة المالكي وللسلوكيات اللاديمقراطية والفئوية والتحاصصية لما يسمى بحكومة الشراكة الوطنية. ونوجز بالقول، بأن أطروحة الدكتور عبد الخالق الأساسية تقوم على خيار النظام الديمقراطي للنهوض بالعراق من تخلفه المريع، الإقتصادي والسياسي والإجتماعي، ولكن تحقيق هذا الخيار، حسبما يرى هو، محقا، يتطلب وقتا ليس بالقصير، ذلك لإن شعبنا ليس فقط لم يعتاد الممارسة والسلوك الديمقراطيين، إنما أيضا لأنه لايزال يرزح تحت موروثاته االأخلاقية والإجتماعية والسلوكية، ومنها ازدواجية الشخصية، كما أفاض في دراستها المرحوم علي الوردي، وخصوصا في موسوعته؛ "لمحات من تأريخ المجتمع العراقي"، ومنها الولاءات القبلية والعشائرية والطائفية، فضلا عن تفشي الجهل وإنخفاض الوعي والإتكالية، ومن ذلك القدرية و اللا أدرية. نعم، لا يختلف أغلب الباحثين مع هذه الرؤية. ولكن بتواتر التجارب، عبر الزمن، ولإرتفاع منسوب المتعلمين والمثقفين في المجتمع، وللتغير التدريجي في المخرجات الثقافية والحضارية عبر ما يقارب قرنا من التطور في العراق، أي منذ نشؤ العراق، كدولة مستقلة، كانت ولا تزال تتأثر بما يجري حولها في العالم، وخصوصا في العالم الديمقراطي الغربي، لابد أن تكون قد تكونت، في الأقل، ضمن بعض الشرائح المتنورة في العراق، بؤر من الديمقراطيين المخلصين والفاعلين لقيادة المجتمع ولإرساء الوعي ولتوجيه طاقات أجيال الشباب نحو البناء الديمقراطي لا الهدم والتوظيف الديماغوجي، بما فيه التسخير الطائفي والمذهبي والعرقي التسقيطي والإنقسامي، إن لم نقل والإنتحاري ايضا على صعيد مستقبل العراق ووحدته. إلا أن واقع العراق اليوم، حسبما نرى نحن، وبعد مضي عقد من الزمن على سقوط الديكتاتورية الصدامية التي دامت ما يقرب من أربعين عام، يكشف لنا بوضوح لا مراء فيه بأن النظام السياسي في العراق لا يزال يئن تحت مطارق الفساد والهدر والإصطراع الفئوي والقبلي والطائفي والعرقي الإنفصالي، فضلا عن الموت والدمار الذي يخلّفه الإرهاب، حتى وإن خفت قليلا درجته في السنتين الأخيرتين، وأن حسن نية السيد المالكي، إذا إفترضنا وجودها، لعدم وجود ما يثبت عكسها، لا تكفي ولا تجدي نفعا وحدها.
ونوجز الآن أهم تقديمات الدكتور عبد الخالق المشار إليها في مقاله بعنوان؛ "من المستفيد من إفشال العملية السياسية في العراق" (1).
1. ان تحالف فلول البعث وأتباع القاعدة الوهابيين وبدعم من قادة سياسيين لهم مصالحهم النفعية الضيقة وأهوائهم الطائفية والأثنية القاسمة للمجتمع العراقي المتعدد المذاهب والأثنيات، منذ سقوط النظام الدكتاتوري الصدامي، يستهدف شلّ او تخريب العملية السياسية. وينتقي الكاتب بعض الأمثلة التي يمكن إعتبارها عاملة ضمن هذا الإتجاه. فالسيد فخري كريم، صاحب جريدة المدى المعروفة حاليا في العراق، وبمساهمة من أحد كتابه، السيد عدنان حسين، يسخّر إمكانياته الإعلامية لتخريب العملية السياسية, بل ان عدنان حسين دعى الى مقاطعة الإنتخابات في الجولة القادمة. ومعروف ما لهذه الدعوة من إمكانية لإفشال ليس فقط العملية السياسية وإنما أيضا النظام الديمقراطي الحقيقي، كما قد تسّهل لنجاح قوى تسلطية ومذهبية في الإنتخابات وفي إمرار سياسات طائفية ورجعية، بل ومشظّية للمجتمع، كما حصل مع تجربة الأخوان المسلمين في مصر وفوز محمد مرسي من الإخوان المسلمين برئاسة مصر وفي تمرير دستور غير ديمقراطي، وذلك من خلال الفوز بما يقرب من ربع الناخبين الذين لهم حق التصويت فقط!! كنتيجة لدعوات مقاطعة الإنتخابات.
2. ان ولادة الديمقراطية، (بما تستلزمه من ممارسة واعية وخيارات تقوم على الوطنية والكفاءة والمساواة بدون تمييز بين المواطنيين على اساس المذهب او الجنس او العرق)، هي ليست سهلة وتستغرق وقتا، (قد يطول أو يقصر هذا الوقت، في رأينا، حسب توفر الوعي والتنظيم الفاعل للمواطنيين المؤمنيين بولائهم الوطني وبوحدة وطنهم). ولكن من أجل تشويه الديمقراطية، لا يفتأ أعداؤها، اصحاب الأجندات الخاصة والخارجية أو الإنفصالية، من الإدعاء في كل مرة بان الحكومة تزيفها، وخصوصا حينما تنكشف أجنداتهم وينجلي فشلهم وعدم كفائتهم، فعندها سيدعون الى مقاطعتها، إحتسابا منهم الى أنهم قد يفوزن فيها بعديد قليل من الناخبين، نظرا لإنصراف الأغلبية الأكبر عن إنتخابهم فيما لو شاركت فعلا في الإنتخابات.
ولنحاول الآن، في ضؤ ما تقدم، أن نوجز تعليقنا، كالآتي:
1. عموما، نجد نفسنا في إتفاق مع طرح الأخ الدكتور عبد الخالق، كما اوجزناه في النقطتين أعلاه، ولكن ملاحظتنا الأولى هي أنه يجب التمييز ما بين مسعى القوى المتمثلة بتحالف فلول البعث والقاعدة وبعض السياسيين من أصحاب الأجندات النفعية والخارجية والإنتهازية، وبين مسعى أصحاب الأجندة الداعمة لمخططات قادة إقليم كردستان الإنفصالية في شمال العراق. فبينما يرتكز نشاط الفئات المتحالفة، ضمنا أو فعلا، مع فلول البعث والقاعدة والسياسيين النفعيين والمرتبطين بأجندات أجنبية على محاولاتهم المحمومة لزرع وتنفيذ الرعب والإرهاب من أجل ليس فقط إفشال العملية السياسية، إنما أيضا لإنهاء قيام النظام الديمقراطي في العراق ولإحلال نظم دكتاتورية ظلامية من جديد، وإن تحت يافطات جديدة، قد تتمشدق بالديمقراطية أيضا. أما نشاطات القوى الداعمة والمعبئة لتنفيذ مخططات سلطة إقليم كردستان، فإنها لا تحاول فقط التسهيل لسلطة إقليم كردستان في شمال العراق للإنفصال، وهو من حق أشقائنا في الشمال للإستقلال بإعتباره من حقوق تقرير المصير، إنما أيضا لممارسة الإنفصال الفعلي على الأرض ومخالفة نصوص الدستور الإتحادي بشكل صارخ، مثل السيطرة على الموارد النفطية وإبرام عقود غير دستورية ومنح الإمتيازات لشركات النفط الأجنبية، وإفتعال نزاعات على أراض مجاورة، قد تبلغ مساحتها ربع مساحة كردستان المعروفة تأريخيا، ومن ثم تشكيل جيش نظامي في الإقليم وتسليحه بإطراد ومطالبة الحكومة الإتحادية بتمويله، بينما لا يجوز أن يتعدى دوره في أية حكومة إتحادية واحدة عن دور شرطة إقليمية. كما تطالب وتتسلم سلطة الإقليم نسبة تبلغ 17% من ميزانية الدولة دون أن تقدم مشاريع إنمائية معززة بدراسات جدوى، ولا تقدم حتى كشوفات حسابية بأنفاقها، بل ولاتخضع لإية رقابة أو تدقيقات مالية من قبل هيئة الرقابة المالية الإتحادية. فضلا عن إقامتها علاقات دبلوماسية مع دول أجنبية بدون تنسيق مع الحكومة الإتحادية، ناهيك عن دأبها على تحديد ومراقبة سفر وإقامة العراقيين من غير الأكراد في إقليم كردستان! وهذا فضلا عن توجيه إعلامها المكثف ضد الحكومة الإتحادية والدخول في تحالفات مصلحية مع قوى سياسية من أجل إضعاف وشلّ نشاطات الحكومة المركزية برئاسة السيد نوري المالكي. يتضح من كل ذلك بأن هدف سلطة إقليم كردستان وداعميها وإعلامها ورجالها والمتحالفين تكتيكيا معها أومن أجل النكاية السياسية بحكومة السيد المالكي هو ليس، في الظرف الراهن الذي لم ينضج بعد لإعلان الإستقلال، ليس من أجل إنهاء العملية السياسية البائسة، ذلك لإنهم مستفيدون منها كل الإستفادة، إذ يحتل الكرد نسبة محسوسة في مقاعد البرلمان الإتحادي ويتبؤ أكراد من التحالف الكردي أخطر وأهم المناصب في الحكومة الإتحادية. فالهدف هو إذاً لإضعاف الحكومة الإتحادية ولشلّ قدراتها على إعادة بناء العراق ولإعادة بناء الجيش العراقي، فخلق حالة متواصلة من الصراع وعدم الإستقرار مطلوبة لحينما تستكمل سلطة إقليم كردستان توسعاتها على الأرض وبعد الإستحواذ الكامل على الموارد النفطية في الشمال وخصوصا في كركوك. ويشكل هذا الصراع المختلق من قبل قادة إقليم كردستان ومسانديهم أهم عامل من عوامل ضعف الأداء الحكومي المركزي وتدني نسبة الإنجازات، فضلا عن إغراق حكومة المركز في دوامة مشاكل يومية، بما فيه تهديدات سلطة الإقليم العسكرية وغير ذلك من وضع الكثير من العصي والتكتيكات المثارة من قبل سلطة الإقليم لشلّ حكومة المركز الإتحادية وإضعافها.
2. وللموضوعية لابد من القول أيضا بأن المصاعب والعوامل آنفة الذكر لا تعفي حكومة المالكي، ولا تنفي مسؤوليته الشخصية، كرئيس الحكومة الإتحادية، ذلك لأن من يتصدى لقيادة حكومة البلاد، عليه أن يكون قد أحاط نفسه بكل الممكنات والسبل لتحقيق أهداف وطموحات وحقوق الشعب العراقي ولخلاصه من واقعه المرير وتخلف وسائل نموه, ولمنع الهدر الفضيع في موارده من خلال تفشي الفساد وعدم الكفاءة، وكذلك من خلال اعطاء الفرص للشركاء في السلطة للدخول في صراعات وإستزافات للوقت والجهود والموارد. كان عليه ان يسوّر نفسه بأفضل الكفاءآت العلمية، والإبتعاد عن قبول من يُحسبون من الطائفة أو الحزب في مراكز هم غير مؤهلين لها. كما ينبغي أن تسود عنده المهنية بإستخدام العقول العراقية اللامعة والمجرّبة، بدلا عن إرضاء أهل الولاء والمحسوبية والحزبية. ذلك لأنه في التحليل الأخير، تقاس كفاءة الأداء بكفائة الإنجاز، ولا ينفع في ذلك التستر وراء المشاكل والصعاب التي يثيرها، مهما عظمت، ليس فقط أعداء النظام الديمقراطي، إنما ايضا المتحالفون والمتحاصصون والشركاء، بغض النظر عن شراسة عداءهم السياسي وغير السياسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران