الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديموقراطية والديموقراطية المزيفة

عبد الكريم أبازيد

2005 / 3 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


يقول خالد العظم في مذكراته: في عهد الانتداب الفرنسي على سورية كانت تجري انتخابات نيابية وكانت تتشكل قوائم متنافسة تتصارع فيما بينها للفوز بأكبر عدد من المقاعد في المجلس النيابي. لم تكن السلطات الفرنسية تتدخل في تلك الانتخابات. ولكن الكتلة التي حصلت على أكبر عدد من المقاعد عندما يكلفها رئيس الجمهورية بتشكيل الوزارة تعود إلى المفوض السامي. فهو صاحب السلطة في إعطاء الثقة للوزارة قبل البرلمان. وحتى عندما تأخذ ثقة البرلمان فله الحق في إقالتها إذا لم تعجبه سياستها. وعندما تريد الاستقالة فإنها تقدمها له أولاً وللبرلمان ثانياً.
أردت من إيراد هذه المقدمة أن أصل إلى نتيجة مفادها أن الانتخابات النيابية عندما تجري في ظل الاحتلال، كما جرى مؤخراً في العراق وأفغانستان، حتى لو كانت ديمقراطية لا تعني أن البلد أصبح يتمتع بنظام ديمقراطي. المهم هنا هو مدى صلاحيات الحكومة المشكلة بعد الانتخابات. هل هي صاحبة السلطة في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية وإعلان حالة الحرب وعقد تحالفات عسكرية وأمنية مع أشقائها العرب؟
لقد درس الأمريكيون حال المنطقة العربية ووصلوا إلى نتيجة مفادها أن هناك جوعاً مزمناً إلى الديمقراطية لدى الشعوب العربية، فاستغلوا هذه المسألة ودخلوا المنطقة من خلالها. صحيح أنهم دخلوا في البداية بذريعة وجود أسلحة دمار شامل، ولكنهم عندما تأكدوا من عدم وجودها، قفزوا إلى مسألة افتقار الشعوب العربية إلى الديمقراطية. ومع الأسف يجب علينا الاعتراف أن هذه الأطروحة وجدت أذناً مصغية وتجاوباً لدى بعض شرائح المجتمع العربي. وكان بالإمكان سد هذه الثغرة لو تجاوب الحكام مع مطالب شعوبهم المتكررة بضرورة إجراء الإصلاح السياسي من الداخل قبل أن يفرض عليهم من الخارج.
وتريد الولايات المتحدة أن تجعل من العراق نموذجاً لديمقراطيتها المزيفة المصدرة إلى البلدان العربية. فقد سمحت بإجراء انتخابات ديمقراطية فعلاً، وتشكلت قوائم تتصارع فيما بينها للفوز بأكبر عدد من المقاعد، وستشكل حكومة من الحزب الذي نال أكبر عدد من المقاعد. وسيصدر قانون يسمح بتشكيل أحزاب وصحافة ويجري تداول السلطة، كل هذا مما يفتقر إليه العالم العربي. ولكن سلطة اتخاذ القرار السيادي يبقى من صلاحيات القوة المحتلة. فلا مانع لدى الولايات المتحدة أن تأخذ اللعبة الديمقراطية مداها بشرط أن يبقى القرار السيادي بيدها. إن هذه الحرية تشبه حرية عصفور أخرج من القفص وربطت رجله بخيط طويل ولكن الخيط بقي معلقاً بالقفص. يستطيع العصفور أن يتحرك في جميع الاتجاهات ولكنه لا يستطيع أن يطير.
وطبقاً لهذه الديمقراطية الأمريكية يمكن تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات عن طريق إجراء استفتاء ديمقراطي. وقد ظهرت بوادر هذا أثناء الانتخابات. فقد وضعت صناديق استفتاء خارج غرف الانتخاب في شمال العراق تطلب من السكان الأكراد أن يبدو رأيهم بالانفصال عن العراق وتشكيل إقليم مستقل تربطه بعض الصلات بالوطن الأم. كما صرّح الشلبي الذي جاء على ظهر دبابة أمريكية بأنه لا مانع لديه من تشكيل إقليم شيعي في الجنوب على غرار الإقليم الكردي في الشمال. وهنا لا يرى السنة أمامهم مفراً إلا أن يقبلوا بتشكيل دويلة مما تبقى لهم من أشلاء العراق.
كل هذا سيحصل ديمقراطياً. وسيطبق المخطط الصهيوني الأمريكي في تقسيم البلدان العربية إلى دويلات. فالجزائر يمكن تقسيمها إلى دويلتين واحدة للعرب وثانية للبربر عبر استفتاء ديمقراطي على الطريقة الأمريكية. وينطبق الأمر كذلك على السودان ولبنان وربما مصر والسعودية والمغرب. ولا يمكن إفشال هذا المخطط الرهيب بالأساليب التي يتبعها حكامنا حالياً، وهي رد التهم والدفاع عن النفس وكأننا نحن المذنبون بينما نحن الضحية.
يجب التصدي لهذا المخطط بشعارات الديمقراطية الحقيقية التي تطالب بها شعوبنا لا الرضوخ للديمقراطية المزيفة التي يراد من ورائها الهيمنة على المنطقة وإخضاعها للنفوذ الأمريكي الصهيوني، الديمقراطية التي تحقق السيادة للشعب لا للطامع بأرضنا وثرواتنا عبر عملائه.
وتدل مجريات الأحداث التي تلت اغتيال الحريري أن الهدف القادم هو سورية. فقد سحبت الولايات المتحدة سفيرتها من دمشق وطالبت بانسحاب القوات السورية من لبنان، واتهمها بوش بأنها تسير على نهج مخالف للتطور الديمقراطي. وأعتقد أن موقف الدفاع عن النفس الذي تتخذه القيادة السورية يضعفها لأن التنازلات لن تجر إلا التنازلات. وتستطيع القيادة السورية أن تنقل موقف الدفاع إلى موقف الهجوم. فهي المحتلة أرضها والولايات المتحدة تحتل أرضنا في العراق. ولكن هذا يحتاج إلى خطوات راديكالية جريئة يمكن تلخيصها في موقفين:
أن تدعو إلى مؤتمر قمة سوري لبناني يتخذ قراراً بسحب القوات السورية من لبنان طبقاً لاتفاق الطائف ودعوة اللبنانيين موالاة ومعارضة إلى الحفاظ على وحدة لبنان واستقلاله وإجراء انتخابات تنبثق عنها حكومة تضم جميع الاتجاهات تضع حداً لهذا الانقسام الخطير.
إعلان قيادة حزب البعث أنها قررت وقف حالة الطوارئ والأحكام العرفية، والبدء بتنفيذ ما يستتبع ذلك من إجراءات ديمقراطية. أو ليس التنازل للشعب أشرف من التنازل للولايات المتحدة وأحفظ للكرامة؟
عندها لن تجد الولايات المتحدة حجة تتذرع بها. وإذا ما استمرت في نهجها العدواني فستنزل الجموع الشعبية إلى الشوارع وهذه الجموع هي القوة الوحيدة القادرة على إفشال المخطط الأمريكي الصهيوني.
750 كلمة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو