الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا ( بين الراسخين في العلم والحالمين بالتقسيم )

ياسر محمد أسكيف

2013 / 1 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي




إن هزيمة النظام في سورية , بالطريقة التي يُدار فيها الصراع , إن حصلت , هي في الوقت نفسه هزيمة للديموقراطيين السوريين , ولفكرة الديموقراطية بحّد ذاتها .
الديموقراطيون السوريون يدركون ذلك جيّدا ً , يدركونه ويصرّحون بعكسه . غير أنهم في عبثهم السياسي يعلنونه من غير قصد . وأقصد منهم أولئك الذين ظلوا بعيدين عن المجالس والائتلافات التي يقودها , ويرسم سياساتها , الإخوان المسلمون , بدعم وإشراف من التحالف الأمريكي – الأوربي – التركي - الخليجي . إن التيارات الديموقراطية المُعارضة , على اختلاف الدرجات في مستوى معارضتها , تؤكد في ممارستها السياسية وعيها لهذه الحقيقة , هذا الوعي الذي يتجلى في التخوّف المتعدّد الدرجات من ظاهرة اتساع نطاق هيمنة المجموعات الاسلامية المسلّحة , وتحديدا ً تلك الطامحة إلى إقامة دولة إسلامية , على مسار وآليات الثورة السورية . وتظهر الممارسة السياسية للمعارضة أشكالا ً مُتباينة , بل ومتعارضة أحيانا ً , من التعامل مع أسباب التخوّف , حتى أن البعض يرى بأنه ما من داع للتخوّف , إذ أن التيارات التكفيرية ستزول تلقائيا ً بمجرد أن يسقط النظام ( القول لأحد نواب الائتلاف الوطني ), فيما يعلن رئيس هذا الائتلاف , الذي يضمّ تيارات ديموقراطية , عن أسفه لوضع جبهة النصرة ( أبرز التيارات التكفيرية الارهابية ) على لائحة المنظمات الإرهابية . بينما تهرب تيارات أخرى إلى الأمام ناعية المستقبل اللاديموقراطي للثورة في ظلّ السيطرة الحالية للإسلاميين على مسارها , غير أنها تسارع , وبمنطق غريب عجيب , إلى تحميل السلطة مسؤولية الهيمنة الاسلامية , وذلك بسبب ممارستها للعنف ضد من يريدون إسقاطها . وترى بأن مستقبل الثورة مضمون ديموقراطيا ً فقط حينما يتم إسقاط السلطة بأسرع ما يمكن . دون أية إشارة إلى الآليات , مع التأكيد على الرفض المطلق للحوار مع السلطة , وهذا يحيل إلى موافقة ضمنية على العمل العسكري الذي تتزعمه جبهة النصرة , لواء التوحيد , الجيش الحرّ .. , وهي ذاتها القوى التي تهدّد المستقبل الديموقراطي لسوريا الجديدة , سوريا ما بعد انتصار الثورة !!!! أو أنها تحيل إلى موافقة ضمنيّة على التدخل الخارجي , الذي يستجديه الائتلاف الوطني , واستجداه من قبله المجلس الوطني .
الواضح إذا ً أن كلّ من تعنيه سوريا الجديدة , سوريا الديموقراطية , التعددية , الواحدة , السيّدة , متخوّف من عملية إسقاط النظام بالطريقة التي قد يؤدي إليها الصراع الدائر . غير أن القلّة هي التي تجد لديها الجرأة للقول بأن شكل الصراع الحالي وآلياته ليست الوحيدة لحصول التغيير المطلوب . بل أن طرقا ً أخرى , وآليات أخرى , ممكنة , ومحاولة الأخذ بها يجب أن تكون على سلّم الأولويات ( تكتيكيا ً واستراتيجيا ً ) . وبالتأكيد لن يكون ذلك بالتحالف مع النظام بديلا ً عن التحالف مع القوى اللاديموقراطية المهيمنة والمسيطرة , وإنما باستغلال ما يبدو على النظام من وهن وضعف , ومن فقدان للسيطرة على الكثير من مفاصل الصراع , للدخول في حوار ينقل الاصطفافات في طرفي الصراع من وضعية ( السلطة – معسكر إسقاط السلطة ) إلى وضعية ( السلطة – معسكر التحوّل الديموقراطي للسلطة ) بما ينطوي عليه ذلك من جولات صراعية مُقبلة , لكن هذه الجولات , ومهما بلغت الضراوة فيها , تبقى في إطار الدولة . ( لا أقصد الدولة – السلطة , بتكوينها وتركيبتها الحالية , انما الدولة كمؤسسات , مهما بلغت درجة سوئها . ) . إن انتقال الوضعيات هذا , فيما لو حدث , وأعتقد بأن حدوثه ليس مستحيلا ً إذا توفرت النوايا عند التيارات الديموقراطية السورية , سوف يقيم فرزا ً واضحا ً وجليا ً بين من يريد حقيقة سوريا جديدة ( ديموقراطية – تعددية – موّحدة ) وبين من يريدها إمارة , أو إمارات ( إكراهية – متجانسة – مُقسمة ) . وهذا الفرز هو الوحيد الذي من شأنه أن يعيد لمفهوم ( الثورة ) معناه التاريخي , ويجعل منه بهذا المعنى قيمة إيجابية , وليس عمليات قتل وحشية متبادلة . كما أن من شأنه حينها أن يُظهر التيارات التكفيرية على حقيقتها , كتيارات لا تعنى بعدالة الحراك الشعبي السوري , ولا تنطلق من هذه العدالة , انما تسعى , مدعومة بارتباطاتها الخارجية , إلى تحقيق مشروعها الديني الغيبي الذي لا يهمّ أحد من السوريين سوى منتسبيها من الأفراد .
سيعتبر البعض بأن حوارا ً كالذي أدعو إليه من شأنه أن يطيل من عمر السلطة ( انطلاقا ً من وهم أن نهايتها باتت وشيكة , الأمر الذي لا تمكن قراءته في أي من تفصيلات الواقع , والأمر الوحيد الذي قد يُقرأ هو أن استمرار الصراع بالكيفيات الحالية من شأنه أن يطيل أمد الصراع , وبالتالي عمر السلطة . ) ويضعف من عضد (الثورة) , أي ما معناه بأن الثورة هي ذلك الشكل العسكري فقط , وكل ما عداه من أشكال العمل الذي قد يفضي إلى حلّ مقبول للأزمة السورية هو مجرّد وضع للعصي في دولاب الثورة . إن هذا المنطق لا يقدّم جديدا ً إلا المزيد من تشريع القتل , والمزيد من الهيمنة للتيارات اللاديموقراطية على مجريات الفعل ( الثوري ) .
أخيرا ً يمكن القول : أن من يرفض الحوار كمبدأ لحل الأزمة السورية , صراحة أو مواربة , هو من لا يريد استرداد الثورة من مُختطفيها , وبالتالي استعادتها لمفهومها التاريخي كتغيير نوعي وعميق في بنية المجتمع , كما في بنية وشكل السلطة , وهو بالتالي من يريد بقاء السلطة بطبيعتها وجوهرها الحاليين إلى أمد لا يدركه سوى الراسخون في العلم , والحالمون بتقسيم سوريا وتفتيتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وهم المعسكر الديموقراطي
عتريس المدح ( 2013 / 1 / 2 - 15:48 )
من الواضح لكل المراقبين والسياسيين وكل من يهمه تحرر الانسان العربي من انظمة الاستبداد والقمع والديكتاتورية ، أن ما يجري في داخل سوريا ليست ثورة ديموقراطية تسير بالمجتمع الى الامام بل ويمكن تسميتها بالثورة المضادة التي جائت لتخدم الاهداف والتطلعات الخاصة بالمعسكرالامبريالي الرجعي العربي والاسرائيليين بايدي السلفية والوهابيين والقاعدة ومن والاهم من المنتفضين والديموقراطيينن ،وبان السيطرة الحقيقية لهذا المعسكر هي للاخوان المدعومين من انظمة الرجعية السعودية والقطرية وباقي هذه المنظومة وبأن قبول الديموقراطيين في الهيئات العليا لهذا المعسكر ما هو الا مرحلي وهو تجميلي ودعائي ،لكن ما يستبب لهذا المعسكر الامر على العرض حتى يتخلص وبسرعة كبيرة من الديموقراطيين، واقرب الامثلة على ذلك النظام الجديد في تونس وكذلك في مصر، لهذا ارى بأن معسكر الديموقراطيين سيكون واهما اذا ما توقع غير ذلك لانه سيضيع الفرصة الحقيقية على تحول ديموقراطي حقيقي دون تدمير اسس الدولة والجيش والشعب وارى لزاما على القوى الديموقراطية ان تتخلص من هذا الوهم وتستفيد من فرص الحوار لتدفع الى التغيير الحقيقي بعيدا عن الوهم الاخواني

اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن