الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوريس باسترناك - الكاتب و الشاعر الفيلسوف

إبراهيم إستنبولي

2005 / 3 / 21
الادب والفن


كتبت الشاعرة الروسية الرائعة مارينا تسفيتاييفا : " .. تأثير باسترناك يعادل تأثير النوم . نحن لا نفهمه . نحن نسقط فيه . نقع تحت تأثيره . نغرق فيه... نحن نفهم باسترناك كما تفهمنا الحيوانات .. "
منذ بعض الوقت جرى في موسكو حفل تسليم جائزة باسترناك و ذلك بمناسبة يوبيل الشاعر و الذي صادف في 10 شباط المنصرم . وقد قام الشاعر الروسي المعروف فوزنيسينسكي للمرة الخامسة بتسليم الجائزة للفائزين . حيث نال جائزة باسترناك الشاعر اوليغ تشوخانتسِف ، كاتب السيناريو يوري أبراموف ( الذي كتب سيناريو للمسلسل " دكتور جيفاغو " ، و حيث سيلعب البطولة الممثل السوفييتي الروسي المحبوب اوليغ مينشيكوف ) ، كما فازت بالجائزة الشاعرة الشابة ماريا ستيبانوفا . و من بين الذين فازوا بالجائزة كارلو فيلترينيلي ، الذي وضع كتاباً عن والده – الناشر الإيطالي ، الذي قام بنشر أول طبعة من " دكتور جيفاغو " .
لقد انعكست في إبداع باسترناك أحداث مختلفة من القرن العشرين . كان مصيره صعباً للغاية ، كما مصير الكثير من شعراء ذلك الجيل . لقد عاش فترات من النهوض و أخرى من السقوط و الإحباط ، من الانكسارات و الانتصارات .. لذلك ربما كان الإبداع بالنسبة لباسترناك بمثابة المخرج و السبيل إلى النجاة ، بل و ربما طريقاً للهروب من الحقيقة السوفييتية المحيطة به . لقد كان يؤكد باستمرار على أهمية العمل المتواصل للقلب و العقل عند الأديب و الفنان :

لا تنمْ ، لا تنمْ ، اشتغل ،
لا تتوقف عن العمل ،
لا تنم ، حارب النعاس ،
كما النجمة ، كما الطيار .
لا تنم ، لا تنم ، أيها الفنان ،
لا تستسلم للنوم .
أنت – رهينة الزمن ،
أنت عند الخلود - أسير .

ولد بوريس ليونيدوفيتش باسترناك – الشاعر و الكاتب و المترجم ، في 10 شباط من عام 1890 في موسكو في عائلة عضو أكاديمية الفنون ليونيد باسترناك . لذلك كان محاطا منذ طفولته بالموسيقى ، بالفنانين و بالأدباء . و قد كانت الموسيقى من أولى اهتماماته حيث شغف بها جداَ ... إذ أنه بسبب تأثير الموسيقار الروسي الكبير سكريابين راح يدرس الموسيقى منذ سن الثالثة عشرة ... و لكن بعد ست سنوات من الدروس المضنية هجر الموسيقى إلى غير رجعة .
بعد تخرجه من الثانوية في موسكو في عام 1909 انتسب إلى كلية الآداب و التاريخ في جامعة موسكو ، حيث بدأ لديه اهتمام كبير بالفلسفة .. و من اجل تطوير و زيادة معارفه الفلسفية سافر في عام 1912 إلى ألمانيا ، حيث تلقى دروساً في الفلسفة خلال فصل كامل و ذلك في جامعة ماربورغ . و من هناك قام برحلة إلى سويسرا و إيطاليا .
ثم عاد إلى موسكو و أنهى دراسته الجامعية في عام 1913 . بعد أن برد اهتمامه بالفلسفة ، انغمس بالكامل في فن الشعر ، الذي سيشكل لاحقاً المضمون الوحيد لكل حياته .
اصدر أولى مجموعاته الشعرية " توأم في الغيوم " 1914 ، " من فوق الحواجز " 1917 .. و قد لوحظ التأثير الكبير لتيار الرمزية و المستقبلية Futurism ( في ذلك الحين كان يحسب على جماعة أدبية تطلق على اسمها " المُثفِّلة Centrifuge " ) .
كان باسترناك يقدِّر عالياً إبداع و موهبة بلوك الشعرية ، إذ كان يرى في منظومته الشعرية " تلك الحرية في التعامل و التعاطي مع الحياة و مع الأشياء في هذه الدنيا ، التي بدونها ، أي الحرية ، لا يمكن أن يكون هناك أي إبداع حقيقي و كبير " .
في عام 1922 أصدر مجموعته الشعرية " أختي - أيتها الحياة " ، التي وضعت الشاعر باسترناك على الفور في مصاف أساتذة الكلمة الشعرية المعاصرة . و من هذه المجموعة انطلق باسترناك كظاهرة فريدة في عالم الشعر .
في العشرينيات من القرن الماضي اقترب باسترناك من التجمع الأدبي " Lef " ( الجبهة اليسارية للفن) ، الذي أسسه ف . مايكوفسكي بالاشتراك مع ن . آسييف و أ. بريك و غيرهم . و قد كانت علاقته مع هذا الاتحاد الأدبي نتيجة الصداقة التي كانت تربطه مع مايكوفسكي .. و قد انتهت علاقته بالتجمع في عام 1927 .
خلال تلك الفترة صدرت مجموعته الشعرية " مواضيع و متغيرات " ( 1923 ) و بدأ بكتابة رواية شعرية تدور حول حياته الشخصية و أنجزها في عام 1925. ثم كتب سلسلة شعرية بعنوان " المرض السامي " ، روايات " عام 1905 " و " الملازم شميدْت " .
في عام 1928 ظهرت لديه فكرة العمل على موضوع نثري " صك الأمان " و الذي أنهاه خلال عامين . وقد اعتبر باسترناك عمله هذا " .. عبارة عن مقتطفات من حياته بخصوص آرائه في الفن و ما هي جذورها .. " .
في عام 1931 غادر إلى القفقاس ، إلى جورجيا : و قد وجدت انطباعاته الجورجية انعكاساً لها في سلسلة من الأشعار باسم " الأمواج " . هذه الأشعار صارت فيما بعد جزءاً من المجموعة الشعرية " الولادة الثانية " ، و فيها يتوصل الشاعر إلى امتلاك البساطة الكلاسيكية للكلمة الشعرية .
في أعوام الثلاثينيات قلّ إنتاج الشاعر للأعمال المميزة .. لكنه أعطى اهتماما كبيراً للترجمة ، التي تصبح ابتداء من عام 1934 منتظمة و متواصلة لتستمر حتى نهاية حياته ( قام الشاعر بترجمة أعمال لشعراء من جورجيا ، شكسبير ، غوته ، شيلر ، ريلكه ، فيرلين و غيرهم .. ) .
قبل بداية الحرب الوطنية العظمى ، في بداية عام 1941 ، يتغلب الشاعر على الأزمة الإبداعية و تبدأ لديه مرحلة جديدة من الصعود : كتب سلسلة أشعار " بيريديلكينو* " ..
قام في عام 1943 بجولة على الجبهة نتج عنها نبذة " في الجيش " ، و أشعار " مقتل قناص " ، " اللوحة المنبعثة " ، " الربيع " ... وهذه الأشعار دخلت فيما بعد في كتاب " في القطارات المبكرة " – عبارة عن سلسلة أشعار كما هو الحال في " بيريديلكينو " .
لقد استغرق باسترناك في كتابة رواية " دكتور جيفاغو " سنوات طويلة و انتهى من كتابتها في نهاية الخمسينيات . تم نشر الرواية خارج الاتحاد السوفييتي السابق في عام 1958 و نال على الرواية جائزة نوبل للآداب . و قد سبب ذلك هجوماً حادا و عنيفاً من الجهات الرسمية ضد الرواية و ضد الكاتب .. و تم طرد باسترناك من اتحاد كتاب الاتحاد السوفييتي . و نتيجة للحملات المسعورة ضده فقد اضطر الكاتب إلى رفض الجائزة . و قد كان لهذه القصة اثر سلبي كبير على الشاعر والكاتب .. و ساعدت على تقليص سنوات عمره :

لقد ضعتُ ، كما الوحش في زريبة .
في مكان ما - بشر ، ضوء و قرار ،
من خلفي صخب المطاردة ،
و ليس من طريق أمامي للخروج .
لكنني ، و عند حافة القبر ،
واثق أنه سيأتي زمن –
تتغلب فيه روح الخير
على قوة الشر و الرذيلة .

أعيد الاعتبار للشاعر و الكاتب في عام 1987 .. و تمت طباعة الرواية في روسيا في عام 1988 في مجلة " العالم الجديد " . إن الأبيات التي ينطق بها البطل يوري جيفاغو في نهاية الرواية تؤكد على الحماس الأخلاقي – الفلسفي لمؤلف الرواية . إذ أن الرواية تحكي عن أحداث الثورة و الحرب الأهلية ، عن مصير أولئك الناس ، الذين قُذِفَ بهم إلى خضم العنف و القسوة الثورية و باسم الثورة و الدفاع عنها .
في عام 1956- 1959 ظهرت المجموعة الأخيرة من أشعار باسترناك " عندما يطيب اللهو".
في عام 1960 توفي الشاعر بعد معاناة طويلة مع المرض ( سرطان الرئة ) و ذلك في 30 أيار من عام 1960 .
من قصيدة " تعريف الشعر " :
هو – صفيرٌ حادٌ يملأ المكان ،
هو – خشخشةٌ لقِطع ِ جليدٍ تتكسرْ ،
هو - ليل يُجمِّدُ الورقَ الأخضرْ ،
هو – مبارزةٌ بين بُلْبليَن .


هاملت
( من كتاب " دكتور جيفاغو " )


همَدَ الدويُّ .
خرجتُ إلى المنصة .
مستنداً إلى قائمة الباب ،
رحت التقط بعيداً في الصدى ،
ما سوف يحدث في عصري .

عتمةُ الليلِّ مصوَّبةٌ عليَّ
بقوةِ ألفِ مكبّرٍ في المحور .
إذا كان بإمكانك ، Avva Otche ،
فاعفني من هذه الكأس .

أنا أحبُّ قصدْكَ الجموح ،
وموافق أن العب الدور .
لكن دراما أخرى تجري الآن ،
لذلك اطردني هذه المرة .

غير أن ترتيب الفصول مُقررٌ ،
و نهايةُ الدربِ حتمية .
أنا وحيدٌ ، كلُّ شيءٍ يغرقُ في الرياء .
أن تعيشَ الحياة – ليس كما أن تعبرَ الدرب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في


.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد




.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض