الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأداء التمثيلى فى مسرح الطفل

محمد عبد المنعم

2013 / 1 / 3
الادب والفن


الأداء التمثيلى فى مسرح الطفل له خصوصية مميزة ، فليس كل أساليب الأداء تصلح لتوصيل رسالة هذا المسرح ، فمن المعتاد استخدام الأسلوب الواقعى فى الأداء القائم على التقمص والاندماج ، وكذلك الأسلوب الملحمى القائم على التغريب ، ولا مانع من استخدام أسلوب الأداء المتبع فى المسرح التسجيلى فيما عرف بالموضوعية الجديدة ، لكن من الصعب توجيه الطفل للأداء بأسلوب مسرح المقهورين أو بأسلوب آرتو فى مسرح القسوة أو بالاعتماد على لغة الجسد كاملة والرقص المسرحى الحديث ، وذلك يرجع لطبيعة الطفل الممثل الذى لم ينضج بعد فيصعب عليه تسخير أدواته الداخلية أو الخارجية لمثل هذه الأساليب التى يصعب كذلك على الطفل المشاهد فهمها وفك شفراتها ، مما يسبب له إرباكاً وتشويشاً، ويفقده القدرة على التركيز ومتابعة الهدف والمغزى المراد توصيله، لذلك لم يخرج الأداء التمثيلى فى مسرح الطفل عامة عن الأسلوب الواقعى أو الملحمى أو التسجيلى ، فهى الأنسب لتوصيل المعنى لهذه السن العمرية.


وفى عرض ( ثورة وطن) الذى قدمه تلاميذ رياض أطفال شبراخيت بالبحيرة من إخراج المخرجة الشابة شوق النكلاوى، والمخرجة المنفذة مديحة عبدالله ، تحت إشراف ورعاية الأستاذ محمد زعزوع موجه عام المسرح بمحافظة البحيرة الذى يبذل قصارى جهده لتطوير مسرح الطفل وترقيته داخل الإدارات التعليمية المختلفة بالمحافظة ، انتهج الأطفال أسلوباً ناضجاً فى الأداء التمثيلى يتناسب مع الطبيعة السياسية للعرض فقد دربت المخرجة ممثليها على الأداء بطريقة مغايرة لطريقة التمثيل الإندماجى المتبعة فى المسرح التقليدى ، طريقة تقوم على التغريب والإدهاش من خلال وصف الحدث والتعليق عليه، فقد أراد ت المخرجة من ممثليها أن يصفوا الحدث فى كل مشهد، أن يروا الشخصيات التى يصورونها من الخارج (كما لو كانوا فى مرآة)، وأن ينسوا الغريزة والحافز، وأن يضعوا مبررات للحركة والإيماءات والأقوال.


وفضلاً عن ذلك وجهت الممثلين إلى أن يروا المسرحية بمفهوم ما، وأن يؤدوا وظيفة المرشد لمعناها، وأن يعلقوا على تصويرهم للشخصيات، ففى المسرح التسجيلى لا نريد للممثل الحديث أن يرتجل عواطفه، لكننا نريد منه أن يعطينا تعليقات على هذه العواطف، فلا يمثل النتيجة وحدها، بل الفكرة التـى سببت النتيجة . ولكى يفعل الممثل ذلك يحتاج بالضرورة إلى درجة وعى وتحكم عالية بحيث لا تتغلب عليه عواطفه، وهو فى ذلك يستند لِمَا يسميه بيسكاتور بالموضوعية الجديدة أو التمثيل الموضو.


واستناداً على ذلك توجه الممثلون الصغار فى عرض ( ثورة وطن ) إلى الجمهور أكثر من أى شىء آخر بكافة السبل، دون اللجوء إلى تغيير الملابس أو المظهر كما هو معروف فى المسرح التقليدى، لقد تمرد الممثل فى هذا العرض على التمثيل الاندماجى التقمصى باعتباره شيئاً مغناطيسياً يسلب من المتفرج وعيه وعقله، واتجه لتغريب الأحداث المعروضة على المتفرج ليضطره إلى أن يتخذ اتجاهاً متسائلاً ناقداً يسهم فى إثارته وتحريضه، وهذا النوع من الأداء التمثيلى الجديد على مسرح الطفل المصرى داخل المدارس يذكرنا بما قدمه كبار مخرجى المسرح المصرى - مثل سعد أردش - حين أخرجوا عروض المسرح التسجيلى.


ففى عرض سعد أردش (النار والزيتون) تمسك الممثلون بالأداء التمثيلى المفكر الذى يحلل ويناقش ويجادل، ذلك الذى يصفه الناقد نبيل بدران بقوله " الأداء التمثيلى الذى يخرج من عقل الممثل ليصل إلى عقل المتفرج حتى يحقق درجة معقولة من الإقناع المطلوب "، فهذا الأداء يعمق المعانى والأفكار الموجودة فى النص، ويخلو من الانفعالات ولا يستجدى العواطف، ومن ثمَّ يحافظ على خصوصية الوثائق وطبيعة الحقائق وهذا مارسخته شوق النكلاوى وممثليها فى عرض ( ثورة وطن ).


وقد شارك من الأطفال بالتمثيل كل من ( مريم عميرة – إيمان عفيفى – كريم كيلانى – أحمد شوكت – مصطفى فاروق – دارين علام – أحمد وائل – مللك السملاوى – عمر عليبة – حسن زايد – بسنت شرف – سلمى هشام – أحمد السطوحى – عمرو أشرف – محمد شاهين – رحمة محمد – عبد الرحمن البشتامى – بسملة غنيم – عمار أيمن - يوسف أشرف– أحمد عبد النبى ) وغيرهم ، وقد تميز من بيتهم الفنان الصغير إسلام فارس عبد الشافى بتلقائيته وحضوره الطاغى ، والفنانة الموهوبة أريج محمود بإحساسها العالى وقدرتها على التعبير المؤثر.

ولا يمكن أن نغفل توظيف المخرجة للأفلام السينمائية على شاشة تقبع فى عمق المسرح عرضت عليها مشاهد موثقة لأحداث الثورة وشهدائها الأبرار، مصحوبة بمشاهد عن تجمعات الشباب وتظاهراتهم ضد النظام فى متتالية من الصورالمرئية التوثيقية المثيرة التى تتتابع فى إيقاع محسوب بدقة على نغمات الأغنية التحريضية الجماعية ( حكاية شعب ) التى تقول كلماتها: كل العالم بيسأل الناس دى جات منين !ومن الجدير بالملاحظة أن المخرجة وظفت الأغانى الجماعية لا الفردية بصوت الجموع لا الأفراد باعتبارها معادلاً تجسيدياً لصوت الشعب وضميره الحى، وقد نجحت الأغانى فى إبراز الدلالات السياسية بأسلوب تحريضى يتطلبه المسرح التسجيلى.


وفى الختام نذكر أن المخرجة شوق النكلاوى والمخرج المنفذ مديحة عبدالله وتلاميذ رياض الأطفال بشبراخيت تعاونوا جميعا من أجل تقديم مسرح سياسي من الدرجة الأولى يتناسب مع المرحلة، وقد نجحوا جميعا فى إطلاق صرختهم المدوية بمباشرة ووضوح دون تلميح أوترميز يُذكر، بل علموا الجميع كيف تمارس السياسة من فوق المسرح، كيف نعبر عن الرأى ونفسح مجالاً للرأى الآخر لا بالخرطوش والحجارة والمولوتوف، وإنما بالفن المسرحى الراقى الذى يسهم فى تشكيل وعى الناس، ويحفزهم على القيام بفعل التغيير؛ وبهذه التجربة المسرحية المدهشة بدأ المسرح المدرسى طريقه الصحيح بعد الثورة ؛ حيث عرف كيف يقوم بتفعيل دوره داخل المجتمع ويشتبك مع مستجدات الأحداث . جاء العرض فى إطار تصفيات مسابقة أعياد الطفولة على مستوى الجمهورية، وتم تقديمه على مسرح رعاية الطلبة بدمنهور، وكأن أطفال البحيرة يدشنون بهذا العرض عهداً جديداً لمسرح الطفل فى مصر !!!

بقلم د/ محمد عبد المنعم

مدرس التمثيل والإخراج بقسم مسرح

كلية الآداب جامعة الإسكندرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلان نشره رئيس شركة أبل يثير غضب فنانين وكتاب والشركة: آسفو


.. متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا




.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر


.. حكاية بكاء أحمد السبكي بعد نجاح ابنه كريم السبكي في فيلم #شق




.. خناقة الدخان.. مشهد حصري من فيلم #شقو ??