الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انعكاسات السياسة فى المسرح التعليمى فى مصر

محمد عبد المنعم

2013 / 1 / 3
السياسة والعلاقات الدولية


انعكاسات السياسة فى المسرح التعليمى فى مصر

المساواة ، القانون ، الضمير الحى ، الدستور
( بيقولوا الدستور بيخدم الشعب . . . عملوا دستور يخدم الفرد )



بهذه الكلمات المشحونة المعبرة، وعلى خلفية من الموسيقى الحزينة الشجية المطعمة بالآهات السوبرانو الكورالية، وقف تلاميذ رياض أطفال شبراخيت بالبحيرة فوق خشبة المسرح يعبرون عن آمالهم وطموحاتهم فى مصر جديدة، وقف الصغار بكل ثقة وجرأة ليعلنوا عن رؤيتهم للبلاد فى المرحلة الراهنة دون مواربة أو تورية، معارضين لكل المظاهر السلبية التى استشرت فى مصر بعد ثورة 25يناير، رافضين نواحى القصور فى الدستور الجديد، وقفوا ليرسموا الملامح الأصيلة للوطن ويصنعوا بأنفسهم مستقبل البلاد، مرددين بين الحين والآخر صرختهم المدوية التى تنادى بالتغيير للأفضل ( ياللا نغير .. لازم نحلم .. ياللا نغير).



وعقب هذه الهتافات البارودية المشاكسة التى تفاعل معها جمهور الصالة بحماس، بدأ الأطفال يرقصون على ألحان أغنية محمد منير التحريضية الشهيرة ( لوبطلنا نحلم نموت .. لوعاندنا نقدر نفوت .. حبة صبر حبة حماس .. يبقى الحلم صورة وصوت .. لوبطلنا نحلم نموت ) ، إنه لمشهد درامى سياسي تحريضى ممتع؛ حيث يقف الصغار فى شموخ الأبطال يرقصون فوق المسرح بكل عزة وفخر، حاملين لافتات مكتوب عليها المبادئ السياسية والاجتماعية التى ينادون بها، والتى تضمن للمواطن البسيط الحق فى العيش والحياة الكريمة، يلوحون بالعلم المصرى الشامخ فى كبرياء وعناد على كلمات الأغنية، وكأن العلم المصرى يتراقص مرحباً بهذه المبادئ التى يجب أن تسود البلاد فى المرحلة الراهنة.



ثم تتقدم تلميذة بإلقاء السلام على زملائها وزميلاتها، وتعلن للجميع أن حكاية اليوم تدور حول الثورة بعنوان ( حكاية شعب)، فيسأل بعض الأطفال: يعنى إيه ثورة وطن؟ ويجيب البعض الآخربحماس وطنى دافق: يعنى شعب حر بيحب الحياة، يعنى مصرى حر قال للظلم لا، يعنى ضمير المصرى الحى ، يعنى الشمس يعنى الضى، حرية .. حرية .. حرية ! ، ثم تتتابع أحداث العرض فى إيقاع منضبط لتسـرد أمامنا بوعى سياسى واضح فكرة ثورة التطهير المصرية وأهدافها التى صنعها الصغار والشهداء الأبرار قبل الشيوخ والكبار، إنها ثورة وطن عانى الذل والقهر فى ظل نظام بائد ، ثورة حققت الحلم الذى طالما انتظرناه !



هذا العرض السياسي التحريضى المدهش فنياً وفكرياً من إخراج المخرجة الواعية شوق النكلاوى التى درست مسرح الطفل وتخصصت فيه وتعد حوله دراساتها العليا فى الماجستيرفأجادت فى إخراج العرض وقدمت عرضاً مسرحياً متقناً فى مختلف عناصره؛ الأمر الذى يشى بموهبتها من ناحية، ووعيها بماهية الطفل وسيكولوجيته من ناحية أخرى، وقد أصقلت الموهبة بالدراسة وانعكس ذلك على مختلف عنا صر العرض ونجاحه ، أما المخرج المنفذ للعرض فهى مديحة عبدالله التى بذلت مجهوداً طيباً فى تنفيذ الخطة الإخراجية للعرض وعرفت كيف تتعامل مع الصغار وتدربهم على النطق والأداء والرقص والحركة فأثبتت جدارة تنم عن موهبة جيدة تفيد مسرح الطفل المصرى فى الفترة القادمة ، وما أحوجنا إلى مثل هذه المواهب الشابة المتدربة .



وقد تبدى وعى المخرجة شوق النكلاوى من لحظة اختيارها النص ، مروراً بتوظيفها لمختلف العناصر الفنية للعرض؛ فبالنسبة للنص فقد أدركت طبيعة الصبغة التحريضية فيه، لذلك تعاملت معه فنياً وتقنياً بأسلوب إخراجى واع، معتمدة على ملامح الأسلوب التسجيلى فى الإخراج، فقد عالجت فكرة الثورة المصرية من خلال نص مسرحى أقرب إلى شكل الريفيو، متوسلة بتقنيات المسرح التسجيلى نصاً وعرضاً، من حيث خروجها على القالب التقليدى الأرسطى للدراما، واعتمادها على السرد بدلاً من المواقف المتوترة، فضلاً عن توظيفها للإعلانات التوضيحية، والمادة الفيلمية المصورة، والوثائق التاريخية، والأغانى السياسية التحريضية، وقد وظفت كل هذا فى توليفة درامية سياسية تجمع بين النمر والفقرات والمشاهد المنوعة بأسلوب الريفيو، مستخدمة تكنيك المونتاج لتنظم هذه النمر والفقرات بجوار بعضها البعض فى حالة من التجاور بشكل يؤدى إلى خلق رؤية متدفقة تسهم فى التأكيد على الرأى السياسي الذى تطرحه وتسعى لتأيـيـده ، معتمدة كذلك على تكنيك الريبورتاج أو التحقيق الدرامى الذى يستمد مادته من الوقائع والتقارير والمادة الموثقة بهدف البرهنة على وجهة نظرها السياسية .



أما بالنسبة للديكور فقد اعتمدت المخرجة منذ البداية على طقس التمسرح وكشف أصول اللعبة المسرحية، لذلك استغنت عن الديكورات المجسمة الثقيلة التى تعوق حركة الممثل، وأفسحت فضاء منصة التمثيل لإطلاق المغزى السياسي التحريضى، فوظفت خشبة مسرح عارية تماماً من أى ديكورات، أحشاؤها واضحة، وستار المقدمة منزوع، فكل شئ مكشوف منذ البداية من أجل تحقيق الفرجة اليقظة ولخلق حوار سياسى مع جمهور الصالة، وقد ملئت هذا الفضاء المسرحى بجموع الأطفال وحركتهم المسرحية، وهتافتهم الثورية البارودية التى تنطلق بين الحين والآخر.



وبالنسبة للإضاءة فقد استبعدت تماماً الأضواء الملونة الخادعة واعتمدت على الإنارة العامة على نحو كاسر للإيهام بما يتناسب و أسلوب الإخراج فى المسرح التسجيلى. أما الأزياء فجاءت معبرة عن كل طوائف الشعب المصرى ؛ فهذا يرتدى زى ريفى ، وهذه ترتدى زى الفلاحة المصرية، وآخر يرتدى زى معاصر ، والبعض يرتدى زى المثقفين، وبينهم جميعاً تلتف فتاة بالعلم المصرى بأسلوب دلالى رمزى يثير التفكير وكأنها استعارة تجسيدية لمعنى الوطن وتجسيد استعارى لمصر، إنه كرنفال من الأزياء الملونة التى تثير جواً من الدهشة والصخب الذى يلفت انتباه المشاهد ويثير فكره الواعى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نزوح مستمر بعد التصعيد العسكري في رفح: أين نذهب الآن؟


.. مخاوف من تصعيد كبير في رفح وسط تعثر مفاوضات الهدنة | #غرفة_ا




.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل في جنوب لبنان | #غرفة_الأخب


.. إسرائيل تقول إن أنقرة رفعت العديد من القيود التجارية وتركيا




.. الصين وهنغاريا تقرران الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى