الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوطن الذي نريد ... والوطن الذي يريدون

نجم خطاوي

2005 / 3 / 21
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


شمت صاحبي قائلا وهو يسمع رسائل الأحبة طلاب البصرة :
- ألم أقل لك أنهم لم يتعلموا من تجارب الجيران , ومن مأساة هذا الوطن , الذي كان أساسها , مصادرة حرية الآخرين .
واعترفت لصاحبي ( وكلي لوعة ) بصواب ظنونه .
ولكن ما فات صاحبي هذا هو أن هذه الممارسات الكريهة سوف لن تمر في غفلة ورضاء , وسوف لن يكون واطئا سقف استهجانها ورفضها . وسوف لن يكون غد الناس جميلا وسعيدا حين يركن الطيبون صوب الانزواء والعزلة .
قد يبدوا الأمر يبدوا غريبا للبعض , لعجب ما يشاهده , في وطن اختط فيه أهل التنوير طريقهم منذ أوائل القرن الماضي , في بغداد والنجف والبصرة , وغيرها من مدن العراق , داعين لتحرر المرأة والمجتمع . ولكن لا مناص من استذكار حكمة رمادية النظرية واخضرار شجرة الحياة , في زمن تبدلت فيه الدنيا والناس .
وأعود للديسكو والغناء والفن والرياضة وأقول بأنها حاجات يومية للإنسان , لا يحق لأحد أن يحرمها أو يكفر أهلها , ناهيك في وطن كالعراق لا يشبه كثيرا جيرانه . هذا الوطن يرقص فيه الأكراد في السفوح والجبال والمدن , سوية رجالا ونساء , ولا عيب في ذلك , ويفعل مثلهم القرويون في أرياف العراق الأخرى . هذا الوطن فيه مدارس للرقص والباليه والفن الشعبي , وفيه الآلاف من المغنين والرسامين والرياضيين والموسيقيين , والآخرين من أهل الفن والأدب والثقافة , رجالا ونساء , وهم موضع احترام الشعب ومفخرة الوطن .
إن الإمام الحسين عليه السلام , أمامنا ومعلمنا الأول في التضحية والجسارة والكفاح في سبيل الناس والحرية .
وإذا كانت الحجة , هي عدم تقدير الطلاب لمناسبة عاشوراء , فهذا لا يعني في أي حال من الأحوال , تبرير تلك الانتهاكات لحقوق الناس , وتنصيب النفس بديلا عن الدولة والقانون . وكان يمكن الحوار مع الطلبة , أو التعبير عن الرأي عبر وسائط الأعلام , أو الاحتكام إلى الجهات الرسمية , في حال الظن بمخالفة الناس للقانون , ولا أظن بأن الطلبة قد فعلوا ذلك .

هذا المركب الكبير العراق هو مركبنا جميعا . ولقد بذلنا الغالي والرخيص لكي يكون فيه متسعا للجميع وهو يسير في طريق الأمان والحرية .
هذا المركب هو ملك للصابئ والمسلم واليزيدي والمسيحي والشبكي , ملك للعربي والكردي والتركماني والكلدو آشوري , ملك للمتدينين والقوميين والليبراليين والشيوعيين , ولمن لا يريد أن يتحزب بحزب أو نظرية , وللجميع .
ومن كانت له طقوس فهو حر بممارستها في بيته ومكان عبادته , وأن يطلب من الدولة والقانون ممارستها وسط العامة , وأن يدعوا الآخرين لها ويثقف بها , لا أن يحاول فرضها بالقوة والإكراه .

وحدائق الأندلس هذه التي شهدت ضرب الطالبات والطلاب وبهدلتهم , يوم الخامس عشر من آذار الربيع , كانت قد ذكرتني في زمن المراهقة الجميل , فهذه الحدائق أعشقها , ولي معها ذكريات طيبة أوائل سبعينات القرن الماضي حين كنت تلميذا في الرابعة عشر من عمري , وحين حزمت حقيبتي وبساط نومي , سوية مع رفقتي التلاميذ في سيارة الباص الذي أقلنا من باب متوسطة الكوت الرسمية في مدينة الكوت , صوب البصرة الطيبة , في سفرة طلابية رائعة .
وكانت أول سفرة لي خارج مدينتي , ومع أصحابي التلاميذ .
وهناك في حدائق الأندلس غنينا ورقصنا وهوسنا ولعبنا وفرحنا , ولم نزعج أحدا ولم يضايقنا أحدا .

لا أنوي في سردي لحكاية هذه السفرة الطلابية المقارنة بين عهدين , فزمن نظام البعث المقبور , لا يمكن لأحد مقاربته , أو مقارنته بزمن شبيه , ولكنها الذاكرة أعادتني وأنا أقرأ أخبار الأحبة والأصدقاء في جامعة البصرة , خصوصا وقد كان لي فيها أخا أمضى فيها سنوات كثيرة طالبا , وكان قد حدثني عن المدينة والجامعة والعشار والزبير وأبو الخصيب , وأماكن الجمال الأخرى في هذه المدينة الجنوبية الطيبة .
وقرأت مرة هذه الحكاية والتي اسردها لعلها تنفع ونحن نقرأ هموم طلاب البصرة .
حين صارت الثورة البلشفية في روسيا , بدأ لينين ورفاقه في خطة لإشاعة الكولخوزات والتعاونيات الفلاحية .
وكانت الفكرة التحول من العمل الفردي صوب العمل الجماعي . وقد ساند الفلاحون المعدمون الفكرة , وبدءوا بجمع وتقديم ما يمتلكون من حيوانات وحاجات إلى التعاونيات . ومضت الأمور على هذه الطريقة .
وفي واحدة من هذه التعاونيات لم تجر الأمور كما شاء الفلاحون , فقد مرضت الأبقار , بعد أن حل بها المرض .
وتمضي الحكاية لتوصف الفلاحين , وكيف كان يجلس الواحد منهم قرب بقراته القديمة مولولا , ناسيا قطيع الأبقار الكبير , الذي هو ملكه كما ملك الجميع .

وأعود لحكايتي , فقد كافحنا جميعا من أجل هذا الوطن , وكنا مختلفين في المعتقدات والشرائع , وكنا نعلم جميعا هذا .
وقد افترشتا السجون وساحات الإعدام والمنافي والهور وجبال كردستان ومدن النضال في وطننا الكبير, وكان نظام صدام لا يفرق بيننا في البطش والتنكيل .
ومن لم تسعفه الذاكرة , فعليه تصفح قوائم شهداء هذا الوطن , من زاخو حتى الزبير , ليرى ويعرف من هم هؤلاء ؟ وفي سبيل أي وطن كانوا يكافحون ؟
لقد احتكمنا للحقيقة وقبلنا بنتائج الانتخابات . وكانت خيارنا , رغم كل الأسباب والظروف التي رافقتها .
ولا أرى من الحكمة أن يدعي البعض انه الرابح الأكبر والقوي , والذي عليه تهميش الآخرين ومصادرة حرياتهم , فالقوة هي في إرادتنا جميعا وتكاتفنا في بناء هذا الوطن , وتأسيسه على قواعد ونظم وأحكام تكفل حرية الجميع .

نجم خطاوي
السويد في 20 آذار 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء سجن المحامية التونسية سنية الدهماني؟ | هاشتاغات مع


.. ا?كثر شيء تحبه بيسان إسماعيل في خطيبها محمود ماهر ????




.. غزة : هل توترت العلاقة بين مصر وإسرائيل ؟ • فرانس 24 / FRANC


.. الأسلحةُ الأميركية إلى إسرائيل.. تَخبّطٌ في العلن ودعمٌ مؤكد




.. غزة.. ماذا بعد؟ | معارك ومواجهات ضارية تخوضها المقاومة ضد قو