الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل سيصل الربيع العربي إلى الصين؟

شريف نسيم قلتة

2013 / 1 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


على الرغم مما حققته الصين من طفرة اقتصادية هائلة خلال العقد الأخير تحت قيادة حزبها الشيوعي الذى يتولى زمام السلطة منذ العام 1949. والتي تعد بكل المقاييس معجزة اقتصادية ادهشت العالم أجمع حيث يعد الاقتصاد الصيني فى الوقت الراهن الأسرع نموا فى العالم؛ إلا أن الصين ليست بمنأى على الإطلاق من امتداد موجة الثورات التي تشهدها المنطقة إليها، إلا انها قد تتأخر بعض الشيء، فعلى أقصى تقدير قد تكون فى نهاية العقد الحالي وربما تتجاوز ذلك بقليل. فما من شك أن ما حققته الصين من معجزة اقتصادية خلال فترة وجيزة على يد حزبها الحاكم، قد قلل بشكل أو بآخر على الأقل خلال الأعوام القليلة القادمة، من إمكانية اندلاع موجة احتجاجات عارمة فى البلاد قد تتحول إلى ثورة عنيفة تطيح بالنظام الشيوعي المركزي الذى يحكم البلاد بقبضة حديدة منذ أكثر من نصف قرن. فإني من إنصار الاتجاه القائل بان السبب الرئيسي للثورات هو اقتصادي بحت. ويكفى للتدليل على ذلك تلك الفشل الذريع للدعوة التي وجهتها المعارضة الصينية فى الخارج فى (20 فبراير 2012) للتظاهر احتجاجاً ضد سياسات الحزب الشيوعي الصيني، إلا ان تلك الدعوة لم تلق الصدى المطلوب من قبل الصينيين، وهذا إن دل فإنه يدل على رضاء عموم الصينيين عن الأداء الاقتصادي للحزب الحاكم، والذى ساهم فى ارتفاع مستوى المعيشة لملايين الصينيين، علاوة على انخفاض معدلات البطالة. فالقادة الصينيون على دراية تامة بان العامل الرئيسي لتهديد الاستقرار الاجتماعي والسياسي فى الصين، ومن ثم تهديد شرعيتهم فى الحكم هو عدم تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطن الصيني أو حدوث تدهور حاد فى المستوى الاقتصادي، فجميع الاحتجاجات والاضطرابات الكبرى والثورات العنيفة التي شهدتها الصين فى تاريخها كان الباعث الرئيسي لها هو التدهور الحاد فى المستوى الاقتصادي واستشراء الفساد فى البلاد، أو حدوث ازمات حادة مفاجأة فى الأوضاع الاقتصادية.
ورغم ذلك ثمة هناك عدة من المؤشرات والعوامل السياسية والاجتماعية تنذر باندلاع ثورة احتجاجات عارمة فى الصين، إلا انها لن تكون فى المستقبل القريب بأي حال من الأحوال كما يتوقع العديد من المحللين. وتأتى فى مقدمة تلك العوامل هو غياب الديمقراطية والجمود السياسي الشديد الذى تعانى منه الصين بفضل تعنت النظام الحاكم فى تطبيق برنامج إصلاحات سياسية جادة ينتظره المجتمع الصيني منذ فترة طويلة، ويحتاجه بشكل ملح كي يتواكب مع النمو الاقتصادي والاجتماعي المتسارع الذى تشهده الصين، حيث تتركز السلطة فى يد حكومة شديدة المركزية ويتم تداولها من داخل الحزب بشكل أقرب إلى مسألة التوريث. هذا علاوة على الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، وغياب الشفافية، والتضيق على حرية الراي والتعبير، والتنكيل بالمعارضين والنشطاء السياسيين والرقابة الصارمة على الصحف والانترنت. وهو الأمر الذى يفاقم من حالة الإحباط والسخط داخل الصين تجاه هذا الاستبداد السياسي الذى يمارسه الحزب الحاكم، وخاصة من قبل الشباب الجامعي، وابناء الطبقات الوسطى والتي يقدر عددها الان فى الصين بمئات الملايين، وهى الفئات الحالمة بالديمقراطية الغربية، وغير مستساغة أن تدار بلد عريق مثل الصين بهذا الشكل الشمولي الذى انتهى من العالم كله.
ولان الفساد دائما ما يكون قريناً للاستبداد، يعانى الجهاز الإداري للدولة الصينية بما فى ذلك الحزب الحاكم نفسه من تفشى الفساد وخاصة بين صفوف المسئولين المحلين، فكثيرة هي ممارسات المسئولين المحلين التي تثير الغضب والسخط الاجتماعي. وخاصة فيما يتعلق بملكية الأراضي حيث يقوم مسئولي المحليات بالاستيلاء على الأراضي والعقارات بالقوة، أو إجبار أصحابها إلى بيعها بأسعار زهيدة للسلطات المحلية لكى تقوم ببيعها للأغنياء بأسعار باهظة، هذا علاوة على الرشاوى والمحسوبيات والاستغلال الوظيفي، والتي يتورط فيها مسئولين كبار داخل الحزب الحاكم. ويمكن القول أن الحكومة الصينية قد تنبهت مؤخراً لخطورة الفساد المتفشي داخل الجهاز البيروقراطي للدولة، بعدما وصل مستوى الفساد وفضائح المسئولين إلى الحد الذى أصبح يشكل عبء وحرجا شديدا للحزب الحاكم وحكومته. وينذر معه بحدوث موجة احتجاجات واسعة خاصة فى الأقضية والقرى الصينية الأكثر تعرضاً لظلم المسئولين المحلين. ومن ثم بدا الحزب الشيوعي تحت قيادة السكرتير العام الجديد للحزب الشيوعي الصيني(شي جين بينج)، فى حملة تطهير واسعة فى محاولة لوضع حد للفساد الذى استشرى بين قيادات الحزب. بدأت بتقديم (ليبيانج li peiying) المدير السابق لمطار بكين الدولي للمحاكمة بتهم تتعلق بالفساد وإساءة استغلال الوظيفة. والذى حكم عليه بالإعدام فى (فبراير 2009)، مرورا بإقالة (بوشيلاى) أحد اكبر المسئولين نفوذا فى الصين فى (اكتوبر 2012 ) بسبب اتهامات تتعلق بالفساد وإساءة استخدام السلطة. وقد صدر بحقها حكم بالإعدام مع إيقاف التنفيذ. وأخيرا فتح تحقيق موسع فى (ديسمبر 2012) مع (لى تشو نتشينج) نائب سكرتير الحزب الشيوعي فى (مقاطعة سيشوان الجنوبية) بتهم تتعلق بالفساد. ورغم ما يبديه الحزب من جدية لتطهير البلاد من الفساد المستشري؛ إلا أن المعارضة الصينية مازالت تشكك فى نوايا الحزب الحاكم حول عمل تطهير حقيقي للفساد فى البلاد، مدعيه أن تلك المحاكمات التي يجريها النظام لبعض المسئولين ما هي إلا واجهة لتجميل النظام، خاصة وأن الحكومة تقوم بحجب أية مواقع تتناول الثروات الطائلة التي يمتلكها قادة بارزون فى الحزب بما فى ذلك رئيس الحزب ورئيس الوزراء.

وثمة عامل رئيسي آخر وهو مرتبط بالجانب المظلم لصعود الصين الاقتصادي وهو الأتساع الهائل فى الهوة بين المناطق الساحلية والصناعية المزدهرة والمناطق الداخلية والقروية التي تعانى من شدة الفقر وسوء الخدمات، وهو الأمر الذى ترتب علية اتساع هائل فى فجوة المداخيل بين سكان تلك المناطق، كان نتيجته هو هجرة الملايين من الصينيين الفقراء الى تلك المناطق المزدهرة بحثاً عن فرصة عمل وحياة أفضل، هذا علاوة أيضا على الفجوة الهائلة والتي تتسع بشكل متزايد بين الأغنياء والفقراء فى الصين. وقد شهدت تلك المناطق الفقيرة بوادر اضطرابات خلال العامين السابقين تم قمعها بكل قوة. ويرجح العديد من المحللين أن تلك المناطق الفقيرة التي نالها الجزء الأكبر من الظلم والفقر وغياب التنمية ستشكل نقطة الانطلاق الرئيسية لاندلاع شرارة الثورة الصينية. وعلاوة على ما سبق، ثمة عامل رئيسي آخر فى غاية الأهمية الا وهو تلك النزعات الانفصالية سواء فى اقليم التبت أو (إقليم شينجيانج) والتي تشكل صدعاً مزمناً شديدا للحزب الحاكم وذلك فى ظل سياسة التميز والقمع التي تمارسها الصين خاصة تجاه الأخير. وتخشى الحكومة الصينية من اندلاع موجه احتجاجات كبيرة وخاصة فى (إقليم شينجيانج) قد تمتد إلى جميع إرجاء الصين.


وأخيراً يمكن القول أن النظام الحاكم فى الصين وبفضل سياسته الاقتصادية الناجحة، والتي محل رضاء عموم الصينيون، قد نجح بشكل كبير فى القضاء على أي فرصة للانتفاض او الثورة عليه على الأقل خلال العقد الحالي. إلا أنه وبخلاف العوامل سالفة الذكر، يمكن القول أن الصينيون لا يستطيعون التحمل طويلا مها بلغ النهوض الاقتصادي لدولتهم فى استمرار الجمود والاستبداد السياسي أو الطريقة الشمولية التي تدار بها البلاد بواسطة حزب واحد يحتكر السلطة إلى الأبد. فالديمقراطية والتعددية السياسية واحترام حقوق الإنسان أصبحت مطالب أساسية لجميع الشعوب لا يمكن التفريط به بسهولة. وأبرز مثال على ذلك تلك المظاهرات الحاشدة المطالبة بالحرية والتعددية السياسية التي تنطلق بين الحين والأخرة فى (هونج كونج) رغم الرفاهية ومستويات الدخل العالية لأغلب شعب (هونج كونج). فالثورة فى الصين قادمة لا محالة إذا لم يبدا النظام الحاكم فى تبنى برنامج إصلاح سياسي شامل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الزمالك المصري ونهضة بركان المغربي في إياب نهائي كأس الاتحاد


.. كيف ستواجه الحكومة الإسرائيلية الانقسامات الداخلية؟ وما موقف




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلط الضوء على معارك جباليا وقدرات


.. الدوري الألماني.. تشابي ألونزو يقود ليفركوزن لفوز تاريخي محل




.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ