الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نقدية لمقامة العطش بقلم نوارس الخزرجي / تونس

جابر السوداني

2013 / 1 / 3
الادب والفن


مقامة العطش
جابر السوداني
النهر والخندق
ارتأى الشاعر جابر السوداني أن يستهلً نصًه الشعري مقامة العطش بخطاب إنكار واستغراب من أنت؟. انه خطاب النهر وقد التبست عليه الأمور ولم يهتد إلى هويًة طالب الماء ومريده فلم يميًزه ولم تكن ملامحه واضحة وقسماته جليًة فمن الراجح أنً طالب الماء قد فقد بصمته المميزة له وصوته الخاصً به لتضيع مياسمه وأماراته المحددة له .
لم هذه الجفوة بين النهر ومن به عطش وغلًة؟
إنً النهر في الذاكرة البشريًة يتجلًى كتعبير عن التحوًل المستمرً أو الصيرورة وهو الماء المنبجس من الأرض والهاطل من السماء أيضا في حركة دائبة وتدفق متواصل .ولا يمكن أن يتوقف هذا التدفق ولا تسكن حركته .أمًا من جاء ينشد ماء فقد لبث ساكنا أمام حركته يمدً يد الاستجداء والاستعطاف.انه التنابذ إذن بين الحركة والسكون بين العنفوان والاستكانة بين النهر والخندق أو التخندق طلبا للنجاة بيد إن النهر لا يكون خندقا إلا إذا جفً وعندها يطرأ تحوًل صميمي يطال الماهية والجوهر .
ويظل النهر دوما شريان الحياة فعلى ضفافة أقيمت حضارات ومن فيضه نمت مروج وعمًت خضرة وكان المعادل الموضوعي للنماء والارتواء لكن ما بال هذا النهر ومن معانيه الحافة الرخاء والامتلاء يطلب فيضه ولا يدرك؟ إذ يقبل عليه من به غلًة وظمأ بكل لهفة وتعطُش فيردًه خائبا فلم يوافق الفعل غابته دنوً من النهر وطلب للماء لا يعقبه إلا خيبة رجاء وما أشد ضراوة عطش عند مسيل ماء .ولقلب السمع بصرا يستدعى الشاعر إلى الأذهان صورة اليتيم على مآدب اللئام عبر آليًة التشبيه مثل اليتيم بغير ماء وقد امتزجت بمعاني الوجع والمرارة في الحلق ولتكثيف مرارة وعد ما إن يهمً بأن يكون حتى يتصرًم ويتلاشى يرتدً بنا الشاعر إلى ذاكرة جمعية إلى طور البداوة ليستحضر تغريبة الجاهلي في علاقته بالصحراء والبيد اذ دأب على القعود للبرق منتظرا بشائر الغيث والسقيا ولكن كان البرق خلًبا يومض ولا يعقبه مطر فهو برق خادع مخادع لا يزيد المنتظر إلا مرارة يتجرعها ولا يكون يسيغها لأنً الوعد ليس سوى سقط ميًت .وبهذه الصورة الشعريًة ذات المرجعيًة البدويًة والمحيلة على قساوة بيئة جدب وضراوتها يمعن الشاعر في إذكاء معنى اللاجدوى والبطلان وزيف المسعى والرجاء .
وفي غمرة حرقة تشظًي الحلم وانفراط حبًات عقد الأمنيات أدرك من اشتدً ظمأه أن ليس من سبيل سوى الضراعة والابتهال بإيقاد الشموع وحرق البخور استسقاء وشوقا لطراوة لم تلح تباشيرها في الأفق رغم إخلاص في الدعاء ولهج به بلا توان ولا انقطاع
لذا كان الانصراف جماعيا إلى التضرًع واستصراخ الغيب طلبا للبروق ولسيل عميم إذ حشدوا المباخر والشموع
وهوًموا حول القبور. ومن جموع اللائذين بطقوس استدرار الخير والخصب ينبثق فرد ومن بين الأصوات اللاهجة بالدعاء يعلو صوته كلً الأصوات انه صوت الجدَ فهو الأكثر مثابرة والأشد تفانيا وتحمًسا لا يعرف الفتر والسأم وان كانت الخيبة تنسل الخيبات ويأخذ بعضها برقاب بعض وهو ماض في ابتهاله وضراعته بلا سأم وكان جديً فى الصلاة تصطك أضلعه كأعمدة الخرائب .وكم كانت السحب خواء و البروق مخادعة لا تورث إلا وجع آمال تتلاشى وتتحوًل إلى خيوط من دخان تهوي إلى قرارة الهوًة ومنحدر تدفن به وتطمر بلا رجعة ولا تدارك.

وهكذا تتوالى الخيبات بلا مطر ليقضى على كل خط تصاعدي ولن يثيت إلا خطً تنازلي بعيدا عن نهر التجدًد والحركية للسقوط بخندق الخنوع والاستكانة ومطاردة السراب وأخذت أصوات الضراعة والتوسًل تتلجلج وتضعف وتتحوًل إلى أصوات مبحوحة لا تكاد تبين وفي عتمة الخندق يدرك أنً النهر لا يهادن الجمود كما أن النحل لا يلثم ميت الزهر.
ومن الجليً أن الشاعر جابر السوداني أقام مقابلة بين تيمة النماء والخصب والتجدد والحركية متمثلة في النهر وواقع الجمود والسكون والاستكانة والتخندق فرقا وخوفا دون كفً عن تعشًق الماء وما يرمز إليه من سكينة وحياة وطمأنينة وليس من غاية من إقامة هذه المقابلة إلا دعوة إلى تدفق وعنفوان فكن نهرا ولا تكن خندقا لا للتخندق في النفعيًة الماديًة والركون للأوهام والأماني الخلًب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-