الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جوابات الشيخ -برهيم-

محمود عبد الغفار غيضان

2013 / 1 / 3
الادب والفن


ذات صباح عشوائي كان قد تم الإعداد له بشكل مُتقنٍ منذ زمنٍ لم يحسب له أحدٌ حساب... استيقظت القرية على ملامح متوقعة مع أنَّها بدت شديدة الغرابة آنذاك... تعلمت الفؤوس كيفَ تقسو على راحات الأيادي الناعمة لفلاحين جُدد لم يرثوا خشونةً لازمة لإتقان القبض عليها... فالفلاحون الحقيقيون كانوا قد تعلموا بمهارة فنَّ الإمساك بخطاطيف خاصة لحمل الأجولة ورصها في أحد المواني بالإسكندرية بعد أنْ عرفت الورقة "أم حنطور" طريقها إلى محافظهم البالية... تدللتِ الأبقار واستثقلت جرًّ المحاريث مع تغيُّر واضحٍ لمذاق لبنها.... والرغيف الملدَّن كان قد فقد ذاكرته الخاصة ببلل الماء قبل لفَّه في ثوبٍ قديمٍ فوقَ صحن اللبن الرَّايب على حصيرِ الفطور، فالأيادي التي أدمنته كانت جالسة هناك عند مدخل القرية بانتظار سيارات ريس الأنفار الذي سيُنعِم عليهم ببعض الأشغال الشاقة المؤقتة... اعتاد الفلاحون الجُدد الذهاب إلى الغيطان قرابة الضحى... كثُرت ذبائح الجزارين بالشوارع الكبرى في أيامٍ أخريات بخلافِ الأحد التاريخي... انتشرتِ الدكاكين والمقاهي... عرفت القرية "الطابونة" ومحلات بيع الأجهزة المنزلية بالتقسيط.... وبتبجُّح بلغَ حدَّ العُهر كشفت البيوتُ عوراتها دون خجلٍ يستحق الذكر... باليسرى سَترت بنوك التسليف بمالٍ كذبٍ بدنَ القرية الآخذ في التَّرهُّل... وببصمةٍ لا تزيد على المرتين... تعلَّم الفقراء عدَّ مئات الجنيهات في عالم جديدٍ كل ما فيه مزوَّر سواها... ثم بيُمنى لا يُمن فيها... أخذت ما قدَّمته مضاعفًا... وتركتها عاريةً بغرف الحجز العفنة بمركز الشرطة أو بمحاكم البندر... تركت لِمُقلِ زوجات الكادحين الغائرة دموعًا متيبسة بملح القروض أو غطرسة الكُفَلاء... أما الذين لم يتمكنوا من الفرار ساعتها.... فقد عرفوا رائحة الغيطان ليلاً نجاةً من مُخبرين استوطنوا دروب القرية دون استئذان.

مع سبق الإصرار والتنطُّع... سرق الفقرُ من كل دار رجلها باتجاه الأماكن البعيدة.... وأرضعَ ضجيجَ الخير المألوف قبيل الشروق والغروب صمتًا حزينًا ثم حنثَ بوعدِ الفطام؛ صمتٌ أسود متدثرٌ دائمًا بخَرَسِ الانكسار... صمتُ لم يجرؤ على مقاطعته بين الحين والآخر سوى مرور الشيخ "برهيم" البوسطجي بشوارع القرية... لم يكن أحدٌ ينتظر منه فمًا متشحًا بالتحية، بل يدًا ممدودة برسالة... عفوًا... بحوالة... فرض عليه تكرار الوقوفِ أمام البيوت المتسوِّلة خجلاً عند السؤال، فكان دائمًا يطلب الحلاوة دون إلحاحٍ... مبتسمًا كعادته دون أي تفسير واضح.... يضعُ الجواب بيد امرأةٍ لا تعرف أين اسم زوجها عليه.... وودون أي فضولٍ لمعرفة الأخبار القادمة من بعيد.... يتركُ كل الأحوال على ما كانت عليه... وبصحبة ظِلِّه قصير القامة.... يمضي في هدوء.

محمود عبد الغفار غيضان
4 ديسمبر 2012م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف


.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين




.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص


.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة




.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس