الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تَعرَّينا...

محمد الحمّار

2013 / 1 / 4
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


بالرغم من أننا ننطلق في حديثنا هذا مناوئين نظريا و مبدئيا لنظام الحكم الحالي في بلدنا العزيز، إلا أننا نتساءل إن كنا فعلا سعداء في زمن حكم المخلوع، كما نستشفه من تصريحاتٍ شعبية أضحينا نسمعها بغزارة منذ مدة وفي كل مكان تقريبا. هل كانت فعلا حدودنا آمنة وخارجيتنا لامعة وداخليتنا ثابتة وميزانيتنا رابحة وسياحتنا فالحة وسلعنا رائجة، وبالمحصلة، سياساتنا ناجحة؟

نحن أمام فرضيتين. لكنّهما تختلفان في التبعات والتداعيات. إمّا أنّ الأمور كانت كذلك، مما يجعلنا نعجب لقيام الثورة ونشكك في أنّ النخب الوطنية ماسكة بزمام الأمور، وبالتالي نذعن للإيمان أنها حريصة على العودة بنا إلى الوراء، كما يحلو للبعض أن يفهمه من المشهد. وهي إذن فرضية لا تستقيم، لا منطقيا ولا أخلاقيا.

وإمّا أنّ الأمور كانت كذلك، مما يطرح سؤالا آخر تباعا: ما الذي يجعل الشعب يعبّر عن احتجاجه على الحكم الحالي بتحججه استنادا إلى الحكم الزائل، مع أنّ غالبية الناس ما انفكوا عن توصيف هذا الأخير بـ"البائد" ورمزَه بـ"المخلوع" من بين نعوت سالبة أخرى؟ وهنا أيضا تغيب الاستقامة المنطقية لكن هذه المرة لا لشيء سوى لأنّ الحقيقة تبان واضحة لا غبار عليها: نحن الآن مثلما كنا، مع فارق يبدو بسيطا إلا أنه مركزي. ويتمثل الفارق في أننا كنا مغلفين بكساء لامع وساطع وعاتم لكننا اليوم نزَعناه وارتدينا ثوب الحرية الشفاف.

أمّا المشكلة الناجمة عن الفرضية بخاتمتها الثانية فهي أننا عِوضا عن قبول صورتنا (العارية) التي تعكسها المرآة، ومن ثمة استهلاك الحرية التي كانت سببا في صياغتها، كنا متفقين على الميل إلى الارتداد وإذا بنا نرفتُ الصورة رَفتا. فلا استهلاكَ للحرية ولا لهم يحزنون. ولا دستور ولا هم يكتبون. ولا تحديد لتاريخ الانتخابات ولا هم يقترعون. ولا توازن حكومي ولا هم يزنون.

نحن إذن نتاج لواقع بور. ونحن مثلما كنا. ومثلما كنا وُلِّيَ علينا كما جاء في الحديث النبوي. فما الحل؟ الحل أن ننظر في المرآة مليّا وأن نضطلع بما نرى. وما نراه رديء حقا. إلا أننا مطالبون بأن نرى ما هو جميل. لأنّ الرداءة مع أنها تحُث على التفاؤل إلا أنها لا تصلح كتربة لزراعة التفاؤل. مع أنّ التفاؤل هو رأس كل منظومة اضطلاع. إذن فالمطلوب استباق الواقع لإيجاد مبررات جديدة لرؤيةٍ جميلة تكون باعثةً على التفاؤل. ومبررات الرؤية ليست موجودة لا عند ماركس وحده أو هيجل وحده أو آدم سميث وحده أو فردريتش فون حايك وحده، أو ابن خلدون وحده أو سمير أمين وحده أو غيرهم .

توجد مبررات الرؤى الصالحة والتصورات المناسبة في أية تجربة تنجح في صَهر الروح العليا والعقل. لكن روحنا العليا مهزومة و عقلنا جامد وبالتالي أجنحتنا مكسورة. فما العمل؟ في هذا المستوى نحن مطالبون بالإصلاح لا بالنباح. والإصلاح يبدأ من الأصول لا من الفروع. فالدستور فرع لمّا يقاس بعِقد السلوك (الفردي والاجتماعي)؛ والانتخابات فرع لمّا تقاس بالمعاملات بين الأفراد والجماعات؛ والحكومة فرع لمّا تقاس بالعائلة و بالمدرسة.

إنّ الاضطلاع بالصورة إصلاح، وزراعة المبررات إصلاح، وصياغة الرؤى و التصورات إصلاح، واعتناق التفاؤل إصلاح. حيث إنّ هذا الأخير موقف لا مطلبا. وهو سلوك لا قولا.

أمّا عندما يراد بالإصلاح بديلا عن الصورة وتعويضا عن المبررات ورديفا للرؤية واستخلافا للتفاؤل، فذلك من باب الهلاك الإصلاحي، إن جاز التعبير بالموازاة مع "الجهل المقدس". وهو مما أوهمنا بأننا مُغَطون والحال أننا عُراة بمفعول حرية نحن أردناها. فهل رأيتم من يرحب بالحرية ويطرد آثارها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني


.. The First Intifada - To Your Left: Palestine | الانتفاضة الأ




.. لماذا تشكل جباليا منطقة صعبة في الحرب بين الفصائل الفلسطينية