الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


14 تموز و تقييم التاريخ

نجيب المدفعي

2005 / 3 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


هل نحن بحاجة لإشاعة طريقة جديدة في أسلوب التفكير؟ أظنه سؤال ردده قبلي ملايين من البشر منذ قيام الخليقة. و لكن لنحصر دائرة اهتمامنا في مقطعنا الزمني هذا ـ مطلع القرن الواحد و العشرين ـ و ضمن رقعة جغرافية أسمها العراق. فنحن بحاجة إلى أفكار و طروحات جديدة تصدم العقل العراقي و تنطلق به إلى أفاق أرحب.

أعتقد إن ظاهرة (التابوات) و المناطق الأيديولوجية المحظور التفكير فيها معروفة في مختلف أصقاع الأرض، فمنها السماوي و منها الدنيوي. إنّ أول عدو للتجديد و الحراك الفكري هو تقديس الفكرة أو الفرد و رفض المساس بأي منها من خلال التقييم الموضوعي. و لكي لا نبتعد كثيرا و ندخل في مناطق كانت و ما زالت تـُزرع فيها الألغام على مدى آلاف السنين، فعلينا إعادة النظر و تقييم تاريخ العراق الحديث قبل أن يمتلئ بالألغام.

أثار انتباهي مقال للأستاذ إبراهيم أحمد عن (14 تموز و الكوارث الأخرى)، و رغم اللهجة الحادة التي يستخدمها في مقاله، إلا إني أجده مصيبا في كثير مما أورده.

لقد هدم العسكر في ذاك اليوم ـ 14 تموز ـ السور الواطئ لدولة القانون و التي كانت ـ على مآخذها ـ في طور النمو في مجتمع لم يتعرف على شكل الدولة الحديثة، في حينها، إلا منذ زمن يـُعـدّ ُ قصيرا في عمر الشعوب. و لم يقفوا ـ أي العسكر ـ حراسا على محيطها لمنع هدم بقية منشآتها. فقد هـُدم الدستور و استقلال القضاء، و نـُسفت طلائع المجتمع المدني، و قـُلـِّعت بادرات الدولة المدنية، لتحل محلها البيرية في حكم الشعب من خلال أفراد غير مؤهلين لخوض غمار العمل السياسي.

إن إشاعة مفهوم إعادة تقييم ما يـُقدم لنا من أفكار و أخبار و عدم قبوله كمُسلـًّمات، يتطلب حراكا فكريا و تنمية لملـَكات العقل في القدرة على التفكيك و التحليل و إعادة التركيب لاستنباط لمحات فكرية جديدة. حتى رب العزة ـ سبحانه ـ طالب المؤمنين أن يتفكروا في خلق السماوات و الأرض، أي إن الدين يرفض الجمود الفكري و يدعو إلى التجديد.

من الشائع في مجتمعنا قبول الخبر على علاته، و عدم تمحيص روايته أو الاستئناس برأي الآخرين. لا بل الذهاب إلى أبعد من ذلك، برفض طروحات الآخرين و عدّها خيانة و ارتداد و رجس من عمل الشيطان. و ليتها تقف عند هذا الحد بل يصار إلى إلغاء الآخر و إباحة تصفيته فكريا و جسديا.

إن أسطرة (من الأسطورة) الأحداث و الشخصيات هي واحدة من سمات المجموعات البشرية المسلوبة الإرادة و التي يراد لها أن تبقى هكذا لتسهل عملية قيادتها. فيـُهـوّل الحدث و يـُرفع إلى مصاف المعجزات التي لا يستطيع الإنسان العادي الإتيان بها، و يحوّل منفذيه إلى أبطال و شخصيات خارقة لا يمكن الوصول إلى قدراتها. إن معايشة الكثير من الأحداث الجسام لحظة وقوعها تؤشر بساطة مفرداتها و أفرادها، إلا أن (مستثمري) هذه الأحداث يضفون على الحدث و رموزه هالة ـ سلبية أو إيجابية ـ وفقا لأهوائهم.

و عود على بدء، فإن الفرد العراقي الذي قمعته كل الأحداث التي أفرزتها 14 تموز و ما بعدها، صار يؤسطر 14 تموز و رموزه. فهو قد حوّل هذا الحدث و رموزه إلى ما يشبه الإكسير أو المخدر الذي يساعده على تجاوز محن حياته اليومية. و بالمقابل وجد جلادو الشعب في هذا المخدر ما يعينهم على سلاسة انقياد الجماهير لهم.

لقد كان لشخصية عبد الكريم قاسم كإنسان و عسكري شهد لها أعداؤها قبل عشاقها، دور في أسطرة هذه الشخصية البسيطة و التي لا تختلف في مفردات حياتها عن غالبية العراقيين الطيبين. و الذي لم يغير أسلوب حياته البسيط عندما تصدى للسلطة. لقد سحرت هذه الشخصية الجماهير ـ و الفقراء منهم خاصة ـ فصنعوا منها رمزا لا يجوز النيل منه. حتى أن بعضهم اصطنع له قبرا بعد التاسع من نيسان ليدعي أنه يحوي رفاة عبد الكريم قاسم، و هناك العديد من الناس على استعداد لتصديق ذلك، و هم مستعدون لتغيير الرواية الصحيحة التي تقول أن جثة عبد الكريم قاسم أُلقيت في النهر و لا أثر لها في يومنا هذا.

إن محاولة تقييم 14 تموز يصطدم بالكثير من ما سكن العقل الباطن من تقديس لهذا اليوم في تاريخ العراق الحديث. و هو يتطلب جهدا لتدريب العقل العراقي على القدرة للفصل بين التقييم والتسفيه. و أنا أدعو لإعادة تقييم 14 تموز بعقل بارد و النظر إليه في ضوء تاريخ دولة العراق المعاصر و ما كان يعتمل من صراعات إقليمية و دولية في أعقاب الحرب العالمية الثانية و خاصة أجواء الحرب الباردة، و التي لم يكن لرجالات 14 تموز القدرة على التصدي لتأثيراتها على الساحة العراقية الداخلية.

لقد برزت في الساحة العراقية الداخلية ـ في حينها ـ تيارات و قوى (سياسية) تبنت طروحات لا تنطلق من أرضية عراقية، بقدر ما كانت صدى لجهات غير عراقية لا قِـبـَلَ لحكومة 14 تموز على مجاراتها. و بالمقابل فقد حيدت هذه الحكومة أو استغنت عن جهود تيارات سياسية عراقية المنبت خـَبـِرت العملية السياسية و أحابيلها. و بقي العسكر يتولون مقاليد الأمور في البلاد و يديرونها بعقلية عسكرية مقيتة ظنا منهم أن إدارة الدولة هي كإدارة وحدة عسكرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب أوكرانيا.. معركة خاركيف وتقهقر الجيش الأوكراني |#غرفة_ال


.. حماس تفتح جبهة جباليا مع توسيع الجيش الإسرائيلي لعمليته في ر




.. قوات فاغنر على الحدود المالية الموريتانية . |#غرفة_الأخبار


.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - القسام: قصفنا 8 دبابات ميركافا في




.. غزة.. ماذا بعد؟| خلافات بين المستويين العسكري والسياسي واتها