الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حصاد الطائفية

صادق إطيمش

2013 / 1 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


حصاد الطائفية
ألمظاهرات والإحتجاجات والإعتصمات الأخيرة الجارية في بعض محافظات العراق وخاصة في الأنبار أفرزت على الشارع العراقي ما ظل ينتظر الفرصة المؤاتية للخروج من مزبلة التاريخ التي رماه فيها الشعب العراقي جراء جرائمه التي ارتكبها بحق هذا الشعب لمدة اربعة عقود من تاريخه الحديث . البعثفاشية المقيتة التي سقطت دكتاتوريتها في التاسع من نيسان عام 2003 حينما ولت هاربة امام محتلي العراق رغم الملياردات من الدولارات التي صرفتها على تسليح الجيش العراقي الذي لاذ بالفرار مخلفاً وراءه ذلك التعنت الأهوج الذي طالما ردد فيه شعارات الطاغية المقبور المتسمة بالمزايدات الزائفة والعنتريات الفارغة. دكتاتورية البعث هذه التي أذلت الجندي العراقي وقتلت الشعب العراقي ودمرت الوطن على مختلف الأصعدة بحروبها العبثية واجراءاتها القمعية كانت تعلم علم اليقين بأن الشعب الذي ظل يتفرج على سقوطها امام جيوش الإحتلال لا يمكن ان يكون عوناً لها ، فأي شعب يعين مجرماً ويمكنه من إستمراره لإرتكاب الجريمة ضده . البعث هذا توارى عن الأنظار وهو الذي كان يتباهى بقوة هذا الحزب الفاشي وتغلغل افكاره بين الجماهير حتى اطلق فرضيته الموسومة " وإن لم ينتم " والتي اراد من خلالها ان يجعل من هذا الحزب الشوفيني وافكاره القومية التعصبية السوداء كممثل للشعب العراقي الذي جعله منضوياً تحت رايته السوداء شاء هذا الشعب ام ابى .
إلا ان هذا الإختفاء عن الساحة السياسية العراقية ، خاصة في الأشهر الأولى بعد سقوط نظام البعث القمعي ، حيث ظل الموالون النشطون يفتشون عن ملاذ لهم لا يغادرون بيوتهم خوفاً من نقمة الجماهير التي أذاقوها الويل سواءً في تصرفاتهم الشخصية او من خلال تقاريرهم ، إن هذا الإختفاء بدأ ينحسر متجاوباً إيجابياً مع إنحراف التوجه الوطني العراقي عن بوصلة التغيير الديمقراطي الذي كانت تنتظره الجماهير العراقية كنتيجة حتمية لسقوط نظام دكتاتوري بحجم دكتاتورية البعث في العراق . إذ بدأ البعث يكشف عن عقيرته حينما عانق الإرهاب اولاً وتعلق باذيال المنظمات الإرهبية التي اعادت ما سلكه البعث في الشارع العراقي ، فأشاعت القتل الجماعي ونشرت الرعب وبرزت مجموعاتها المدججة بالسلاح بعد ان اختفت وراء بعض السياسيين الجدد واحزابهم التي سوقتهم على شكل توابين او نادمين او عائدين إلى صفوف الشعب وغير ذلك من التسميات التي دأب البعث بكل ما معروف عنه من حيل وأكاذيب وخداع على نشرها بين الناس بموالاة ورضى متبنيه الجدد . ولما لم تجد هذه العصابات الإرهابية أي تجاوب معها من قبل الجماهير التي رفضتها كداعية للعنف والإرهاب الذي حاولت صبغه بصبغة الوطنية حينما ربطته بمقاومة الأمريكان ، هذه الأكذوبة التي لم تنطل على الناس التي خبرت البعث وتسلطه على السلطة عبر القطار الأمريكي الذي جاء به لينفذ المهمات المطلوبة منه كي يزيله بعد ذلك كأي قذارة لم تعد السياسة الأمريكية بحاجة إليها . وجاءت المرحلة الأخرى التي إنتدب فيها البعث الفاشي بعض لاعبيه من الصفوف الخلفية لينخرطوا في العملية السياسية ولكن ليس بشعارات البعث وفكره المرفوضة اساساً من قِبل الشعب العراقي ، بل عبر تأجيج النعرات الطائفية المقيتة التي جعلت هؤلاء البعثيين يتبوأون الساحة السياسية العراقي كبرلمانيين او حتى وزراء بعد ان نجحوا بجر أحزاب الإسلام السياسي ، التي استولت على الحكم بعد سقوط دكتاتورية البعث ، إلى تبني الطائفية بشكل جعلوا فيه هذا التوجه الذي إنبثقت عنه كل الموبقات المتعلقة به فكرياً من المحاصصات إلى المساومات إلى الفساد إلى الإستغناء كلياً عن الهوية الوطنية العراقية لإحلال هذه الهويات الثانوية المزيفة كبديل عنها . واستمر نشاط البعث مراهناً على هذا النهج الذي اعطى فعلاً بعض أوكله حتى بدأ ينخر في الدولة العراقية مقابل وجود أحزاب سياسية حاكمة وتوجهات دينية تبارك هذه المسيرة وتشارك فيها والتي برهنت بما لا يقبل الشك بان العراق قد أبتلي فعلاً بالمتخلفين عقلياً والجهلاء سياسياً من الذين سهلوا الطريق امام احابيل البعث للإلتفاف على هذا الوطن وأهله عبر الإنجرار وراء السياسة الطائفية المقيتة وكل النزاعات المناطقية والعشائرية التي نشبت عنها وكل ما رافقها من فساد وانهيار في الدولة العراقية وفي المجتمع العراقي .
وحتى هذه المرحلة ، التي سادت فيها الحكومات الضعيفة الغير مؤهلة لحكم وإدارة بلد كالعراق وحكم شعب كالشعب العراقي وبذلت كل مساعيها للسير على النهج الطائفي والإبتزاز السياسي والمحاصصة في السرقات ونهب اموال الناس باسم الدين ومن خلال البسملة والحوقلة ولبس الخواتم الفضية وإبراز الجباه المكوية وإطالة اللحى التي تخفي وراءها ما تخفي ، لم يستطع فرسان البعث الجدد في الحكومة والبرلمان من الخروج على الناس بحقيقتهم كما هي . إلا أن التخطيط لإستمرار هذه الوتيرة وتصعيدها بين الحين والحين ظل على جدول اعمال البعثفاشية ليتناسب طردياً مع التخطيط لإضعاف السلطة المركزية التي لم يكن بين منتسبيها تلك الفئة من السياسيين المحنكين الذين يمتلكون قدرة الوعي بهذه المخططات التي تُعد للدولة العراقية الجديدة ونظامها الجديد ، إذ ان إنشغال هؤلاء الساسة بالصراعات التي إنجروا إليها قد شل َّ اية حركة لهم يستطيعون بموجبها كسب الشارع العراقي إلى جانبهم ليقف وإياهم صفاً واحداً ضد مخططات البعث الإجرامية .
ثم تعاقبت المراحل التي لم يعي مسؤولو الحكومة المركزية فيها خطر الإنجرار وراء التمحور الطائفي والمحاصصات التي تبلورت عنه ، بل بالعكس فقد إزداد إنصرافهم نحوها وتمسكهم بها الذي انساهم كل ما يتعلق بمصلحة الشعب والوطن ، إلا انها لم تنسهم ألإثراء الفاحش والتفنن في سرقة المال العام مع عدم تعرض اللصوص من ألأحزاب الحاكمة متدينة وغير متدينة إلى اية ملاحقة قضائية داخل او خارج الوطن . حتى جاءت الأحداث الأخيرة في الأنبار والتي برز فيها وعلى الملأ وبكل وضوح البعث العراقي بشعاراته وأعلامه وإعلامه وحتى بصور زعيمه الجرذ المقبور . فهل يحتاج كل هذا الظهور إلى دليل اشد واقوى لينبئنا بمن يقف وراء إستغلال المطاليب المشروعة للجماهير التي لم تحصل على الخدمات والوظائف والأمان ليجعل منها زيتاً يصبه على النار التي أضرمها الفقر والجوع والخوف بين الجماهير التي عانت من الصراعات الطائفية منذ ما يقارب العشر سنين والتي لا ناقة لها فيها ولا جمل . ألإنسان العراقي البسيط سواءً في الأنبار او في البصرة او الموصل او في الفرات الأوسط لا مصلحة له في العداء والبغضاء بينه وبين ابناء وطنه الذين احبوا بعضهم البعض وتصاهروا فيما بينهم وارتبطوا برباط لم يكن للحقد أي موقع فيه . وحينما يسأل هذا الإنسان عن جملة من مطاليبه الضائعة في زحام عراك الديوك الطائفية فإنه إنما يقوم بذلك إنطلاقاً من قناعته بانه يعيش اجواءً تختلف عن الأجواء التي كان يرزخ تحتها إبان التسلط الهمجي لدكتاتورية البعث . وهذا بالضبط ما تحاول قوى الشر المتربصة بالعراق واهله من إستغلاله والخوض فيه تحت تبني مطاليب الجماهير إلا ان الهدف المقصود هو شيئ آخر تماماً . فلا غرابة إذاً ان نرى البعثفاشية وهي ترفع عقيرتها بين الجماهير المطالبة بحقوقها . وهذا ما نراه ونسمعه اليوم فعلاً في المظاهرات الجارية في محافظة الأنبار على وجه الخصوص .
فهل سينجح البعث الفاشي في مخططه هذا ويعيد جرائمه في العراق مرة اخرى بعد تلك الممارسات الإجرامية السوداء التي لم ينجو منها لا اهل الأنبار ولا غيرهم من العراقيين الذين تصدوا لدكتاتوريته او لم يسيروا في ركابها على الأقل . الشك في ذلك كبير جداً إذ ان سمعة البعث التي غاصت في اسفل طبقات الوحل العراقي سوف لن تقدر خداع الجماهير حتى وإن برزت في شعار الواعظين وحتى لو اصبح تخلي هذه الحكومة عن نهجها المحاصصاتي الطائفي بعيد المنال في الوقت الحاضر .
وعلى المنظور القريب وبعد اشتداد الأزمة على الطائفيين وسياساتهم التي اثبتت إفلاسها في كافة الميادين تتوجه الأنظار إلى التفتيش عن البدائل الديمقراطية التي تلتزم بتعهداتها امام الناخبين وتفي بعهودها التي قطعتها على الجماهير وتعيد ثقة الشعب العراقي بمؤسساته التي ينخر فيها فساد المسبحين المحوقلين وهمجية تصرفاتهم مع المواطنين . وعلى المنظور القريب ايضاً سيكتشف المطالبون بحقوقهم في الأنبار وغير الأنبار بان البعثفاشية سوف لن تكون الفئة التي يمكن التعويل عليها في تبني مصالح الجماهير والعمل على تحقيق مطاليبها المشروعة حتى وإن تبنت ذلك اليوم لأسباب يعرفها كل مَن يعلم بقدرة البعث على الكذب والتزوير والنفاق والخداع .
فلا حل إذاً امام الجماهير العراقية لتحقيق مطاليبها المشروعة في العيش الكريم ضمن نظام سياسي ثابت ورصين ينبع من المواطنة العراقية ليس إلا سوى التوجه نحو القوى الديمقراطية الساعية لتأسيس الدولة العراقية المدنية الحديثة ، ورفض كل دعاة الطائفية والمحاصصة سارقي قوت الشعب وناهبي خيراته تحت اي قناع إختفوا وبأي دين إلتصقوا وخلف اي حزب إصطفوا ، إذ ان مثل هؤلاء لا يختلفون عن بعضهم البعض في هذه الموبقات حتى وإن إختلفوا في الدين او المذهب او القومية .
الدكتور صادق إطيمش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رسائل عسكرية قادمة من صنعاء.. الحوثيون يبدأون معركة -الطوفان


.. ماذا تحمل الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية لفرنسا؟ | #




.. أبرز التحالفات المتنافسة في الانتخابات التشريعية الفرنسية


.. استطلاع: أغلب الإسرائيليين يعتقدون أن حرب غزة مستمرة بسبب اع




.. حراك دبلوماسي لافت بشأن مفاوضات التهدئة في غزة