الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البصرة-عندما يقوم الطلبة بما يعجز عنه الساسة

أميرة الطحاوي

2005 / 3 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عندما درسنا مادة النظم السياسية قالوا لنا أن هناك تعبير يستخدم دوما لوصف حركة الطلبة بالقول أنهم"ضمير الأمة"،الأسبوع الماضي قدم طلبة جامعة البصرة بالعراق النموذج لهذا المصطلح،فبعد حرب2003 بالعراق سيطرت القوى الأصولية الشيعية على مفردات الحياة اليومية بمحافظات الجنوب،و كان من دواعي دهشتي في صيف 2003 أن ألاحظ"أم عايدة" الخمسينية و هي ترتدي جوربا ثقيلا في خروجها بمدينة العمارة الجنوبية،مفسرة ذلك بأن رجال "الأمر بالمعروف" ضربوا أكثر من امرأة ترتدي الحجاب و العباءة العراقية السابغة تماما على كل تفاصيل الجسد لكنها ترتدي جوارب خفيفة تظهر كعب القدم! و اندهشت وقتها من رجل مسلم يصبح كل عمله البحلقة في أقدام النساء بالشوارع و الأسواق بدلا من تنظيف هذه الشوارع الممتليء غالبها بالنفايات و المياه الراكدة،لكنني بالطبع التزمت بالجورب الثقيل فلم آت للعراق لأُضرَب و لهذا السبب التافه، و ذات يوم و كانت أيام عاشوراء خرجت بشارع الجمهورية قاصدة شارع الحبوبي بمدينة الناصرية،و هي المدينة التي خرج منها الشعراء و المطربون و عدد غير قليل من قيادات الأحزاب التقدمية و العلمانية بالعراق،فوجدت أحد الرجال يحدثني بالعربية الفصحى أن ملابسي هذه حرام و أننا في أيام مقدسة،و ينظر في الاتجاه الآخر ثم يعاود تكرار كلامه جاء واحد قائلا له بالعراقية أن يدعني أذهب" هاي صينية لو يابانية ما عليها ما تفتهم شتقول " تركوني فانحنيت كالصينيين و ضممت يدي كالتايلنديين،و أسرعت لمحل قريب أطلب من صاحبه أن يدلني على منزل عائلة أعرفها بالشارع،عندما اعودت التفكير فيما حدث اندهشت لأنني كنت أرتدي حجاباً أسودو وجونلة سابغة سوداء و حذاء و جوربا أسودين ثم... "بلوفر ملون" هذه هي الكارثة، عدت بعدها في روحاتي و غدواتي لارتداء العباءة العراقية رغم أن عدم اتقاني لارتدائها سبب لي ألماً بالرقبة و الأهم أنه أضاع مني قرط-فردة حلق- يبدو أنها طاحت في إحدى المرات العديدة التي كنت أعدل فيها الملاءة،و في ليلة عاشوراء خرجت أشاهد مشاهد ضرب القامات حيث يقوم عراقيون من مختلف الأعمار بضرب أنفسهم حزنا على مصاب الحسين،و أحياناً يضربون أطفالهم أيضا ،ارتديت العباءة ضامة إياها على ملابسي "المودرن" حتى أتخلص من إلحاح أحد رفاقي"ديري بالك:لا أحد يرى البنطلون!"

قبل أيام هاجم متشددون تابعون لحركة مقتدى الصدر طلبة على طلبة كلية الهندسة بجامعة البصرة كانوا في رحلة بحديقة عامة نهاراً مستخدمين البنادق والسكاكين و الأخشاب و العصا،وقاموا بسرقة المصوغات الذهبية من الطالبات بحجة أنها حرام،وسرقة الهواتف النقالة-حرام أيضاً؟- وقتلوا طالباً وجرحوا آخرين نقل منهم 15 لمستشفى الموانيء،و في16مارس نظم طلبة جامعة البصرة-دون أي من أعضاء هيئة التدريس- احتجاجا على"تدخل الأحزاب الشيعية في شؤون الجامعة باعتصام مفتوح أمام مبنى المحافظة رفعوا فيه شعارات " كلا للإرهاب كلا للأحزاب"، وشعارات أخرى تطالب بالحقوق والحريات السياسية والمدنية ومناهضة لجماعة الصدر و بعض الأحزاب الشيعية المعروفة أو المنشقة عنها.

أما حركة مقتدى فافتخرت-حسب جريدة الشرق الأوسط- بما قاموا به على لسان عبد الله المنشداوي مسئول الطلبة في مكتب الصدر في البصرة معتبرا أن ما قام به الطلبة من استماع للأغاني يعد "فسقاً " خاصة أنه تم خلال شهر محرم، حيث دم الحسين لم يجف بعد" و الحسين هو الشخصية الدينية ذات المكانة الخاصة لدى الشيعة و قد قتل منذ أقل من 1400 عام تقريباً،ًو أضاف المنشداوي أن الطلبة لم يوافقوا على إنهاء رحلتهم قائلين"بأنهم في المرحلة الأخيرة من دراستهم وسيصبحون في الغد مهندسين ويعرفون ما يفعلون وهم ليسوا بحاجة لي"و أنكر المتحدث مسئوليته عن القتل مضيفاً" ومن لم يصدقني فهو فاسق".

اعتصام الطلبة في 16مارس لم يأت على هوى الأحزاب السياسية الاسلامية فبادر بعض عناصرها بإطلاق النيران لتفريق التظاهرة كما قامت الشرطة بالأمر ذاته،مكررة ما قامت به من قبل في مساعدة الأصوليين في ضرب الطلبة، و هو أمر ليس بغريب فقد حدث أكثر من مرة أن كنت أستمع لمكبرات الصوت القادمة من سيارات الشرطة و الاسعاف في مدن الجنوب و هي تعلن عن تصريح لحزب أو دعوة لجماعة اسلامية لفعالية ما.

يحدث هذا بينما أغلبية الأحزاب العراقية"الأخرى"منشغلة في تقسيم المناصب بينها في الحكومة الجديدة التي ستنتهي مدتها المفترضة نهاية هذا العام-أي بعد اقل من 9أشهر، و حتى الأحزاب الليبرالية و العلمانية إما لا يوجد لها ثقل كبير في الشارع العام عامة مثل الحزب الوطني العراقي الذي يحمل اسم نفس الحزب الذي قاده كامل الجادرجي في الثلاثينات من القرن الماضي و يقوده الآن ولده د نصير الجادرجي، و هو رئيس اللجنة التي اختارت في26أبريل2004 للعراق علما مؤقتا صممه شقيقه المعماري رفعت الجادرجي و يحمل هلالاً ازرقاً يشير الى ان العراق دولة اسلامية"حسب ما أعرب عنه قرار مجلس الحكم وقتها،أو لا يوجد لها الشعبية الكافية بمناطق الجنوب مثل تجمع العراقيين المستقلين الذي يقوده عدنان الباجه جي وزير الخارجية السابق في أوائل الستينات،و كلاهما الجادرجي و الباجه جي من السنة و في العقد الثامن و التاسع من عمرهما علىالتوالي ،و يعيشان نمط حياة أقرب لعصرية و مع ذلك لم يتدخلا لنصرة شباب البصرة المدافع عن حقه في أن يشم الهواء في حديقة عامة.

الحزب الشيوعي العراقي استهدف مقره أكثر من مرة في محافظة السماوة التي أعطت عشرات من أبنائها حتى أول التسعينات شهداء بعد أن أعدمهم النظام لانتمائهم للحزب الشيوعي أو لقيادتهم انتافضة1991،أما المؤتمر الوطني الذي يقوده الجلبي و يرفع مباديء الدولة العلمانية الحديثة فلم يد قادته غضاضة في الاقتراب من جماعة مقتدى الصدر التي تمثل أسوأ أشكال استغلال الدين لمآرب شخصية و سياسية،الجلبي الذي زار البصرة نهاية يناير برفقة ابنته د تمارا مرتدية بملابسها العصرية، يعلم جيدا انه لو سارت عراقية أخرى بنفس الملابس سيحدث لها ما لا يحمد عقباه،فعلى إحدى الروايات فإنه بأحداث البصرة هم أحد الطلاب بالدفاع عن إحدى الطالبات المسيحيات التي مزق الأصوليون ملابسها -الإسلامية-بعد أن انهالوا عليها بالضرب،قام أحد أفراد هذه الجماعة المجرمة بتوجيه رصاصة إلى رأسه ليفارق الحياة قبل وصوله للمستشفى.

في حوار مع الشاعر العراقي فوزي كريم حول صعود الحركات الأصولية بالعراق و تدخلها في كثير من مفردات الحياة اليومية للمواطن قال فوزي أن سنوات قليلة و تنتهي هذه الظاهرة و العراقيون ليسوا بالمحبين للتعصب الديني لكنه رد فعل لقمع النظام لممارسات العقيدة و طقوسها و تأثير الدول المحيطة، لكن الاعتدال و التفتح سيسود "فالشعب العراقي ابن حياة" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ”أنت رهن الاعتقال“.. توقيف صحفية أثناء توثيقها لعنف الشرطة م


.. أضرار جسيمة إثر إعصار قوي ضرب ولاية ميشيغان الأمريكية




.. نافذة إنسانية.. تداعيات توغل قوات الاحتلال الإسرائيلي في رفح


.. مراسل الجزيرة: قوات كبيرة من جيش وشرطة الاحتلال تقتحم مخيم ش




.. شاحنة تسير عكس الاتجاه في سلطنة عُمان فتصدم 11 مركبة وتقتل 3