الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخيال و الصورة

حميد المصباحي

2013 / 1 / 6
الادب والفن


الصورة بدأت رسما,لكن حتما كانت هناك صور في الذهن البشري شكلت خطورة على الفكر البشري,فالإنسان مهووس بالأساطير,وله القدرة على الإقناع بجدواها و ضرورة ما تأمر به,خصوصا إن اعتبرت حقا آمرا,كما زعمت الكثير من الأساطير القديمة,والتي كان أصحابها يجسدون بعضها من خلال رسومات يدعون أن الآلهة هي من خطها كطريق يقود للحقيقة,و أن الضالين عنها وجب قتلهم و تقديمهم قرابين لللآلهة التي تنتظر سفك دمائهم,و رسم صور بدمائهم دليلا للتطهير من الآثام و الأحقاد,لا أحد يمكنه الجزم,هل كانت هذه الصور سابقة على اللغة أم أنها كانت تمهيدا لها,و ربما كانت ملازمة لها,وهي أول تقسيم للجماعات البشرية,بحيث كانت فئة تستخدم اللغة الطبيعية و أخرى تعتمد الإحالات و الإشارات و حتى الرسوم المعبرة عن الحاجات المراد التعبير عنها للحكام و السادة,كل هذه الإفتراضات لها أبعاد في الفكر و التاريخ البشري المحاط بالكثير من الغموض الذي يبدو وضوحا بفعل العادة,التي تميل للقبول بالأفكار التي هناك ميل لتصديقها أكثر من غيرها كما جرت العادة في كل الحضارات الإنسانية,ترى هل هذه الصور صادرة عن الخيال أم أنها كانت تمرينا له على الظهور والعمل لغة و رسومات؟
و هل حقا اكتفى الخيال بالمحددات العامة التي تحافظ على وحدة التجمعات و حمايتها من التناقضات؟
وهل يمكن القول بأن الصور واحدة رغن التعدد الشكلي الذي اختارت الفنون التعبير به عن الفكر البشري؟؟
1الصورة كرسم
ليست تشكيلا,بل مجرد خدوش تعبيرية عن صور لموجودات إما أن تكون طبيعية,استأنس بها الإنسان,أو أراد أنسنتها,وفق الطقوس القديمة,التي حاول بها الكائن البشري التخلص من المخيف في الطبيعة ليستأنس به في حمأة صراعاته اليومية ضد الطبيعة التي هددت وجوده منذ البداية,لكن هناك صور لموجودات من الصعب تصديق وجودها,لغرابتها,و حتى ضخامتها,وهي حالة بشرية يحاول الكائن التخلص من المخيف بها بما هو أقوى,و أقدر على الحكمة و تجسيد العدالة التي بها يحتمي الكائن البشري و يحفظ وجوده كباقي الموجودات الأخرى,فهل كانت هذه فنية بدائية احتمى بها الإنسان من مخاوفه المتعددة التي ألهمته القدرة على تجسيد المجرد و التحرر من الطبيعي,و ربما هي إرهاصات الميتافيزيقا في صيغتها الأكثر بدائية في التاريخ البشري.
2الصورة كشكل
هنا ارتبطت الصورة بإطارها المادي المحدد المساحة و المتحكم في مادته,أي أنه لم يعد رسما على ما هو طبيعي معزول و بعيد عن التجمعات البشرية,بل غدت الصورة في صلب الصراعات اليومية لفرض روحية الوجود البشري,و قداسة التعبير عنه بما عرف بالفن الصامت,إذ اخترقت الرسومات أكثر الأماكن قداسة و هي الكنيسة,من خلال صور للمسيح و أمه مريم و جماعته في اليوم الأخير,و هي ما شكل التمهيد الحقيقي لحداثة التفكير و تخلصه من تهميش الكنيسة لكل اللذات و المتع الجسدية التي طالما حاولت كل مؤسسات القداسة تحريمها لتعميم القهر و اعتباره رمزا للطهارة,لكن التشكيل الذي اعتبر أول تمرد فكري رمزي يقوده التشكيل لينخر المؤسسات المحرمة للمتع من الداخل,في أروع معركة أسقطت الكهنوت لأنها سمحت دينيا للناس بتذوق الجمال و الدفاع عنه حتى داخل الكنيسة,التي استمتع زوارها حتى بالموسيقى الروحية التي حركت مشاعر الحب ممزوجا بالقداسة و الصورة الجميلة التي وصلت لحد الدفاع عن فكرة أن الله خلق الكائن البشري على صورته تقديسا له و تكريما,و هداه إلى مهارة التفكير للتحكم في باقي الموجودات الأخرى.
3الصورة لغة
أكيد أن هناك صورا في اللغة,عرفت بصورة ذهنية تظهر سابقة حتى على الأشياء التي تحيل عليها الكلمات و قبل ان تطابق المادة التي تحيل عليها,لكن الرموز ترسم صورة على الصورة,و تتجاوزها,بأن تضيف لها بالتأويل معاني أخرى مغايرة و ربما مناقضة,و هي في شكلين متناقضين,في الفلسفة حيث تعدد الدلالات,يؤدي لضرورة الحد بالمفاهيم من امتدادات المعاني حسب التوجهات الفلسفية و مختلف الإجتهادات الفكرية لرجالات الفكر والفلاسفة,أما في الشعر فالأمر مختلف,بفعل قابلية الصورة للتعدد وفق القدرات التعبيرية و التمثلات الثقافية و الحضارية التي لا تريد الفلسفة الإعتراف بها,فهي باحثة عن وحدة المعاني كما يحدث في الرياضيات و هو مسعى لا تكتمه الفلسفة بل تسعى له في صمت حتى لا تخسر علاقاتها بالآداب و الفنون و خصوصا الشعر و مختلف الفنون القولية,فالفكر الفلسفي له قرابات بالفنون في نظر الكثير من الفلاسفة,ألم يقل كانط بأن الفلسفة هي فن الفكر؟
ألا تبحث الفلسفة في الجماليات الصوتية و القولية وحتى الصورية,إنها فن المجرد للمتعدد بإنتاجها للمفاهيم التي تساهم في الوعي بمختلف قضايا الإنسان,فكل ما يعنيه يعتبر شأنا فلسفيا.
4الخيال
يقال أنه مرتبط بالحسي,غير أنه يستحضره بكيفيات مختلفة عنه,فهو يحدث تغيرات و تركيبات مختلفة,كما أنه مرتبط بسياقات ثقافية و حضارية ضاربة في عمق الحضارات البشرية,فهو ليس محايدا,بل محايث لما تعرفه البشرية من توقفات و انقطاعات و حتى صراعات,فهو يدشن القطائع في مناطق,و يمد الصلات في أخرى,فالخيال نفسه ليس مجرد قدرة شبيهة بالغرائز,في عموميتها,بل له حركياته الخاصة,لأن مقاومته تمت بأشكال مختلفة في سياق الحضارات الإنسانية,وهو هنا اكتسب عادات في التخفي و الظهور,أثرت على محتوياته و حتى وظائفه الإبداعية و التخيلية و التمثلية لواقعه و كيفيات تجريده للمتون التي يستخدمها و يحيل عليها,فالخيال صيرورة تأثرت بماضيه و مكوناته الثقافية و لا شعور الجماعات التي نشأ داخلها حافلا بتفاعلاتها و صراعاتها و حتى مكوناتها الإثنية و الثقافية و التاريخية,فالصور التي ينشئها ليست نابعة من بلاغة اللغة و القدرات العامة و الخاصة,بل أيضا من المخزون الجماعي و كيفيات تمثل الفرد المبدع له.
حميد المصباحي كاتب روائي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان درويش صيرفي.. ضيف صباح العربية


.. الفنان درويش صيرفي يتحدث عن بداياته




.. جزء من حفلة الفنان درويش صيرفي عام 1985


.. الفنان درويش صيرفي يوضح لصباح العربية ما هو إيقاع -الرودمان-




.. غناء الدانة الحجازية بصوت الفنان درويش صيرفي