الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلطة آل الأسد تهرب إلى الأمام

عبدالله تركماني

2013 / 1 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


اعتقدت سلطة آل الأسد أنّ تهدئة المدن يجب أن تسبق تهدئة الأرياف، وأنّ القضية ليست غير مسألة وقت، فشنت هجوماً عاماً لم يفضِ إلى أية نتيجة غير جعل الثورة أصلب عوداً وأشد مراساً وأكثر انتشاراً في المدينتين الرئيسيتين دمشق وحلب.
وكان فشلها هو التحول المهم الذي عرفته الثورة، لأنه كان فشلاً أصاب مناورة سلطة الاستبداد التكتيكية، إذ عادت الثورة إلى المدن وتوطنت فيها بقوة غير مسبوقة، وتأكد الفشل في إخراجها منها، بينما توطدت في الأرياف، التي تحولت إلى مناطق يصعب على قواتها دخولها أو البقاء فيها، وانقلب جيشها وأمنها وشبيحتها إلى قوة جوالة تنتقل من مكان إلى آخر، لأنه لم يعد يوجد غير أمكنة محدودة تبقى موالية لها، بمجرد خروج دباباتها.
وبالرغم من ذلك يتحدث شبيحة هذه السلطة عن سيناريوهات خاصة بهم لإدارة الأزمة وتفسير أسبابها وتحليلها، ثم يصدقون هذه السيناريوهات التي توهموها. وهكذا فإنّ أصعب ما يعقّد الحالة السورية ويزيد من صعوبات حلها هو حالة الإنكار التي يعتمدها هؤلاء منذ بداية الثورة في 15 آذار/مارس 2011. وقد بدأ الإنكار بنفي الأسباب الحقيقية للثورة واتهام المعارضين، الذين يطالبون بالانتقال من نظام الاستبداد إلى نظام ديمقراطي تعددي، بأنهم مجموعة من " الإرهابيين " لا هم لهم سوى " تقويض سلطة الدولة وسيادتها "، تنفيذاً لمخططات خارجية.
ولم تفلح سياسة " منح الوقت "، العربية والأممية، لسلطة آل الأسد في إنقاذها من مصيرها، إذ أنّ الشرخ بينها وبين الشعب السوري يزداد كل يوم، والثورة تتوسع، وقد بات عادياً أن تجري تظاهرات في مدن وازنة سبق أن كان حضورها ضعيفاً كدمشق وحلب. وفي الوقت نفسه تتعاظم قوة التشكيلات المعارضة، سواء منها السياسية أو العسكرية أو الإعلامية. وفي المقابل تزداد الانشقاقات في جيش النظام، والأهم هو انهيار المعنويات وتحييد قطاعات كبيرة منه بسبب الشك في الولاء، ما يعني الاعتماد على قسم من الجيش فقط في قمع الشعب الثائر.
أما على الصعيد السياسي فضعف هذه السلطة يزداد يوماً بعد يوم، ومقاطعة العالم لها تتوسع، ورغم أنّ آلتها الدعائية تعمد إلى المكابرة، إلا أنّ الواقع يشير إلى تراجع تلو تراجع. حيث وصلت إلى مأزق حاسم، بعد أن أغلقت بعنفها ضد الشعب جميع منافذ نجاتها، وبلغت وضعاً صفرياً فيه نهايتها المحتومة، التي لن يفيد العنف في تحاشيها، بل جعل وقوعها مسألة وقت فقط. إنّ هذا المشهد تكرر من قبل مع الكثير من الطغاة، الذين ظنوا أنهم استطاعوا إقناع الناس بحججهم وبشعاراتهم.
ومن مظاهر هروب سلطة الاستبداد إلى الأمام أنها تبدو مطمئنة إلى أنّ مصالح حلفائها لن تسمح لهم بالتخلي عنها، وأنّ المجتمع الدولي لا يزال متردداً ومتلكئاً وغير راغب في الدعم الحاسم لقوى الثورة. ولا شك أنّ هذه السياسة سياسة بهلوانية، تشبه اللعب بالنار أو السير على حافة الهاوية، فمن يستطيع أن يضمن خط النهاية وأنّ الأمور سوف تسير وفق المخطط المرسوم ولن تفضي إلى عكس الأهداف المرجوة، خاصة أنّ أهل الحكم فقدوا اليوم القدرة على المناورة الآمنة وعلى تصدير أزمتهم إلى الخارج، ربطاً بما تعانيه قواتهم من إنهاك وقد استهلكها القمع المستمر للسوريين، ولنقل غير قادرة بحكم انتشارها في مختلف المناطق والمدن السورية على خوض معركة خارجية أيا تكن حدودها، بل قد يزيد تطور هذه المعركة من ضعف النظام ويفقده السيطرة على مواقع جديدة.
وتعبيراً عن هروبها إلى الأمام فإنّ سلطة آل الأسد تلكأت في استقبال المبعوث الأممي – العربي الأخضر الإبراهيمي، الذي يحمل حلاً توافقياً سياسياً يفضي إلى مرحلة انتقالية ، تقتضي إبعاد رأس السلطة وحاشيته من القتلة عن أي دور، وهو موقف يكثف موقف هذه السلطة الحقيقي، ليس فقط بسبب بنيتها المعجونة بمنطق القهر والغلبة، بل لإدراك بعض رجالاتها بأنهم وصلوا إلى نقطة اللاعودة، وإنهم بعد ما ارتكبوه من مجازر يخوضون معركة حياة أو موت.
ويبدو أنّ روسيا حجزت لنفسها مقعداً في البحث عن التسوية الممكنة حول سورية مع دول الغرب التي اختلفت معها في الرؤية في شأن الثورة السورية، حين قالت منذ أكثر من سنة إنها لا تتمسك بشخص الأسد وإنّ ما يهمها مصير سورية. وعدم التمسك بالأسد كان المقولة التي تتيح الاستناد إليها في اللغة الديبلوماسية الدولية، من أجل أن تلج المفاوضات الهادفة إلى مساهمتها في رسم المعادلة الجديدة في سورية بعد سقوط سلطة آل الأسد وبنيتها الأمنية.
ولا نحتاج إلى البحث عن دليل لتأكيد أنّ ما ورد على لسان فاروق الشرع، ومن بعده وزير الإعلام، ليس سوى مسعى اللحظة الأخيرة من قبل رأس السلطة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من نظامه، وأنّ كلامه عن " التسوية التاريخية " والحوار مع القوى الوطنية " الشريفة " ليس سوى إعلان صريح بأنّ الحل الأمني، الذي اعتمدته سلطة الاستبداد منذ الانطلاق السلمي للثورة، ضد ما كانت تسميه " عصابات مسلحة " قد وصل إلى نهايته، بعد أن بدأت الثورة تدق أبواب العاصمة دمشق وقصر الرئاسة. وليس من المبالغة في شيء اعتبار أنّ نجاحات الثوار على الأرض هو الدافع الأول للمبادرات هذه كلها، وأنّ الثوار أنفسهم هم من يقرر مصيرها في نهاية المطاف.


لقد أدرك رأس النظام متأخراً، كعادة الأنظمة التسلطية، أنّ حلفاءه لا يمكن لهم أن يقفوا إلى جانبه على طول الخط، فرغم الاستماتة التي أبدتها روسيا وإيران في الدفاع عن سلطة آل الأسد، إلا أنّ هذه الاستماتة بدأت بالتراخي في ظل الفظاعات التي ارتكبتها قوات الأسد، وفي ظل الصفقات التي يمكن أن يعقداها مع الغرب.
وهكذا، لم يستطع رأس النظام الحفاظ على السلطة، ولن ينجو من السقوط، لقد أشرف بنفسه على وضع خريطة سقوطه. لكنه نجح، وربما بمساعدة حلفائه، على تأسيس حالة من الخراب والفوضى لسورية المستقبل تتطلب جهوداً استثنائية من كل السوريين، بمختلف أطيافهم الفكرية والسياسية والاجتماعية، للخروج منها. ما يعني أنّ مرحلة البناء التي ستتبع سقوطه لن تكون سهلة بدورها، لأنّ رأس النظام وحلفاءه لا بد أنهم يجهزون لاستراتيجية تالية يؤسسونها على الأرض السورية، ثورة مضادة بأدوات جاهزة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله يهدد باستهداف مواقع جديدة داخل إسرائيل ردا على مقتل


.. المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي يبحث اليوم رد حماس بشأن الت




.. مصادر فلسطينية: ارتفاع عدد القتلى في غزة إلى 38011 | #رادار


.. الناخبون البريطانيون يواصلون الإدلاء بأصواتهم لاختيار الحكوم




.. فرنسا.. استمرار الحملات الانتخابية للجولة الثانية للانتخابات