الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدالة العقلانية فوق الثأرية

طيب تيزيني

2013 / 1 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


تأخذ أعمال العنف الشائن في سوريا، هذه الأيام، وتائر متسارعة، فالأعمال الوحشية من قتل وإعدام واستباحة وذبح بالسكاكين واستباحة تزمجر في سوريا، لتنتهي بمجازر من الفظاعة بحيث تُذكّر بأكثر أحداث التاريخ البشري همجية وشناعة.

وفي كثير من هذه الأحداث يشتم المراقب رائحة نتنة ينضح منها، في حالات معينة، العار والشنار بصيغة تعلن عن الطائفية وملحقاتها من تجييش للعواطف وإشعال للثأر، ونحن إذ نشير إلى ذلك، فإننا نضع أيدينا على حالة يُراد لها أن تُشعل الأخضر واليابس، وتدخل البلد في وضع من الاحتراب يأتي على كل شيء. لقد تكونت، غالباً بأفعال قصرية وفي الأشهر الأخيرة أوضاع فظيعة يُراد لها أن تأتي بنتائج مدمرة، نعني بذلك أن استخدام كل أنواع الأسلحة في تدمير القرى والبلدات والمدن، أنتج حالة مضادة في أوساط المدنيين المتضررين تتمثل في استخدام الثأر بوصفه طريقاً إلى أخذ الحق لمئات القتلى والجرحى من القتلة. ومع تعاظم ذلك ليل نهار، تتسع دائرة ذوي القتلى والجرحى والنازحين إلى الداخل والخارج والمعطوبين والأيتام إلى درجة، راح هؤلاء فيها يشكلون ظاهرة خطيرة إلى حدود قصوى.

أما وجه هذه الخطورة فيُفصح عن نفسه بصيغة «الثأر»، الناري، الذي يأكل أكباد هؤلاء حسرة وألماً على من فقدوا، ويزداد أوار النار زئيراً أن عملية الإبادة تلك تأخذ أشكالاً مرعبة في حد ذاتها: نهبُ البيوت وإعدام الرجال واستباحة النساء، وقتل الأطفال والرضع، درءاً لما يواجهه مُستبيحو النساء من إزعاجات يطلقها هؤلاء الأطفال والرضع أثناء «فعل الاستباحة»، وتقطع تيار الكهرباء بحيث لا يتمكن الناظر إلى الأشياء أن يراها والكاتب - كما هو حالُ كاتب هذه المقالة الآن - أن يتمكن من إنجازها إلا بعد عشرات مرات انقطاع التيار، وبحيث لا يستطيع إرسالها عن طريق الفاكس إلى الصحيفة الناشرة إلا بعد معركة طويلة من الجهد المضني، إذن، مع تعاظم زئير النار الثأري على ذلك لنحو، يواجه المرء والباحث دعوات هادرة إلى الثأر بقتل الرجل بالرجل والطفل بالطفل وتدمير المنزل لقاء المنزل، وفق القاعدة الشرعية التالية: العين بالعين والسن بالسن.

على ذلك الطريق، تتعالى الصيحات لتجميع الداعين إلى الثأر من القتلة وسُراّق البيوت ومُستبيحي النساء ورُماة القنابل العنقودية والسامة وغيرهم، وفي هذا السياق، يأتي التحريض على مزيد من ذلك في الداخل وأيضاً في الخارج معاً، وواحدة تلو الأخرى ولدى أطراف متعددة.

ونحن هنا نريد التشديد على أحد عناصر المشكلة المعنية هنا، والمجسدة بإشكالية العدالة والثأرية.

فها هنا نلاحظ تغليباً للعقلانية والإنسانية والوطنية على ثأرية لا تخلو من الأسباب، ولكنها تنطوي على مخاطر كبرى تمس الثورة ومصيرها، والمدافعون عن شرعية هذه الثأرية يرون أن قتل القاتل مباشرة هو عين العدالة، فهذا المبدأ صحيح في منظور مبدأ العدالة والحق، لكن ذلك إذا طُبق على واقع الحال المشخص في بلد الثورة السورية، فإنه يُظهر أنه قد يكون سبيلاً إلى إنتاج وإعادة إنتاج الموت المجاني، بل كذلك إلى تدمير مبدأ العدالة نفسه، حيث يختلط الحابل بالنابل.

أما الخطر الأعظم في فكرة ترك المظلومين يأخذون حقوقهم بأيديهم، فيقوم على أن ذلك قد يكون طريقاً معبداً لنشوء فوضى كبرى تهدد المجتمع، وتفتح طريقاً لعودة محتملة إلى رجال الموت وإبقاء النظام الذي يسعى إلى تأبيدهم.

وهذا من شأنه التأكيد على أنه من أجل تجاوز رهانات القتل والتدمير لابد، بالأساس، من التشديد على مهمات مرحلة الانتقال إلى النصر على القوى الظلامية، وفي مقدمتها الملفات الثلاثة التالية: الملف السياسي، وملف القضاء، والملف الاقتصادي على نحو يؤدي إلى حل مشكلات العمل، إن المحكمة الوطنية العادلة ستكون الإجابة عن كيفية مجابهة المظالم المتراكمة منذ خمسين عاماً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذه تفصيله ندعوك لرؤية جوهر الصراع بعد التغيرات ال
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2013 / 1 / 8 - 04:04 )
عزيزي الزميل د طيب
لك مني احر التحيات مع التعاطف الحازم لوضع حد للشر الذي يحيق بسوريا والمنطقه
نحن صديقين واول لقاء كان بيننا كان في 1978 في عدن وحتى اننا سافرنا سوية مع الشبيبة والسوفيت للضالع
ان مقالتك تقطع انواط القلب لاننا نرى من خلال كلماتها المصائب التي يعيشها السوريون ويظهر انك-وكما اخبرني بعض معارفك انك لم تترك الوطن وتعيش وسط مصائب الناس ومحنهم
واذ اثني على دعوتك الانسانية الوطنية برفض الثاءر ولكن عزيزي الدكتور هل انت في ظروف لاتسمع فيه الاخبار
فمنذ شهور طويلة دخل على الخط الاحتجاجي الشعبي للجماهير السورية ضد الاستبداد البعثي دخل البترودولار بملياراته وبسلفيته الوهابية وجيوش الوحوش القاعديين والطائفيين من انحاء العالم كله واصبحت القضية بيد ال سعود وبهائم كطر وشهيات العثمنه الاردوغانية الاخوانيه وصار المدربون والمجهزين بالسلاح والتكتيك الحربيهم ضباط اسرائيل النازية
المتسمع ياطيب كيف يحرق الناس بمن فيهم النساء احياء ويقتلون فقط بسبب الاسماء لانتماءاتهم الثانوية الدينية المذهبية
الا تسمع بما حصل في مصر وليبيا وتوتنس ويحصل وان مرسي -رض عنه-هو المدافع الاكبر عما كنا نسميه الثورة


2 - ألا يكفينا شبيحة و منافقين و زراع فتن
كهرمان الكاو ( 2013 / 1 / 8 - 12:59 )
بعد التحية للاستاذ تيزيني
وللقراء المحترمين...اليكم ما كتبه الكحلاوي البارحة في تعليق على (ما قاله الاسد) لنضال نعيسه


شكرا استاذ نضال على هذا التلخيص الرائع لخطاب الرجل-بشار الاسد-الذي يتحول
تاريخيا الى البطل الاوحد في هذه الايام
ولكن صمود سوريا في العشرين شهر الماضية بقيادة هذا الرجل الوطني المتمدن بوجه الريح الصفراء
تحيات حارة للرجل الرجل الشهم المدافع ببسالة عن البقية الباقية من تراثنا المتمدن في الشرق الاوسط
يابشار الاسد لقد دخلت التاريخ من اوسع ابوابه واستعدت الذكر الطيب لال الاسد الميامين
واثبت ان الخطاء لايمكن ان يكون ابديا ومطلقا
للقراء المحترمين ليستخلصوا اذا كان للكحلاوي (صادق) من اسمه نصيب؟؟؟ألا يكفينا شبيحة و منافقين و زراع فتنه سوريين حتى يأتينا الكحلاوي ؟؟؟؟


--------------------------------------------------------------------------------


3 - المواقف لاتتحدد بالعواطف ياسيد كهرمان وانما بالعقل
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2013 / 1 / 8 - 15:16 )
اخي سيد كهرمان -انا واياك قد لانكون مختلفين في مانريده لسوريا العزيزه وشعبها العريق المظلوم بالاستبداد البعثي منذ نصف قرن ولكنني بالعقل قد ارى ان الاستبداد البعثي شئ والهمجية المتوحشة للوهابية الكطرية السعودية والظلامية العثمانية
شئ اخر-المثل الشعبي عندنا-وعندكم يقول-شوفه الموت يرض بالسخونه سيما وان البعث انتهى تاريخيا ولم يبق منه في سوريا الاتسليم المفاتيح لشعب سوريا
انا لااريد ولا اتمنى ان يتم تسليم مفاتيح سوريا لوحوش ال سعودوبهائم الاسلام السياسي الذين كما راءيناهم في العراق خلا عشرة سنوات لايجيدون الا القتل والنحر والتفجير وحرق البشر الابرياء احياء تقربا منهم لربهم المتوحش الذي خلقه لهم البترودولار الامي لعصابة ال سعود البرابره
عندنا الان في العراق مايزيد عن خمسة ملايين يتيم واكثر من مليون ارمله
ناهيك عن ملايين المعاقين بلا ارجل او بلا ايدي واخيرا صار عندنا جيش من المعاقين بلا ايدي وبلا ارجل-ناهيك عن جيش من المعاقين عقليا خصوصا بين المثقفين الذين لايستطيعون رؤية هذا التوحش المجاني
البعث اخي كهرمان انتهى كما انتهى صدام والقذافي ولكن لحظة التسليم والاستلام نريدها ان توفر حياةملايين


4 - لو لم أكن أحب الشعب العراقي
سوري فهمان ( 2013 / 1 / 8 - 18:10 )
السيد الكحلاوي

لو لم أكن أحب الشعب العراقي لكنتت تمنيت أن يعود صدام حسين ليذيقكم ما يذيقنا هذا المجرم الأهبل . لا أعرف لماذا تكيل كل هذا السباب لحزب البعث المنحط وتجعل القاتل الأهبل المحمي من إسرائيل بطلا. ألا تخجل من دماء الألاف من السورين التي سالت. يجب أن تعتذر عما بدا منك أو أترك السوريين يدبرو أمورهم .


5 - الى السوري الفهمان
سيلوس العراقي ( 2013 / 1 / 8 - 18:36 )
تحية لك أخي السوري لحبك للعراق وللعراقيين، وثق ان العراقيين يبادلون الشعب السوري المنتفض كل الحب ونأمل أن نرى يوم نصركم على القاتل المتوحش الاسد وعصاباته الاسدية وحلفاؤد من الحزب الشيطاني اللبناني واسيادهم في طهران، وأنتم الابطال الذين أذهلتم العالم بصمودكم ودمائكم للقضاء على النظام الاسدي المجرم، انها فاتحة للقضاء على محور الشر اللعين واتباعه ، وتحرير سوريا من قذاراتهم ووحشيتهم

اخر الافلام

.. هل تحرك تصريحات بايدن جمود مفاوضات الهدنة في غزة؟| #غرفة_الأ


.. ممثلة كندية تتضامن مع غزة خلال تسلمها جائزة




.. كيف سترد حماس على بيان الوسطاء الذي يدعوها وإسرائيل لقبول ال


.. غزيون يستخدمون مخلفات جيش الاحتلال العسكرية بعد انقطاع الغاز




.. صحيفة الغارديان: خطاب بايدن كان مصمما للضغط على إسرائيل