الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تريف المجتمع و السياسة فى مصر

محمد عبد المنعم شلبي

2013 / 1 / 8
مواضيع وابحاث سياسية



التريف هو عكس التحضر ، وكما أن التحضر مقرون بالمدينة ، فإن التريف مرتبط بالقرية . و لعل من يتابع التطور الإجتماعى – الثقافى لمصر على إمتداد عقود طويلة مضت ، يجد أن مسار التحول من الريف الى المدينة ، و ما يصاحبه من عمليات تمدين الثقافة ، عن طريق آليتى التعليم و العمل ، قد صاحبت نهضة محمد على و الخديو اسماعيل ، حيث ظهرت فئة الأفندية . و هم المتعلمون - فى الغالب تعليماً متوسطاً - الذين يشغلون وظائف حكومية و عامة ، والذين شكلوا ، الى جانب غيرهم من أرباب الحرف و الصنائع ، خميرة الشرائح الطبقية الوسطى المصرية منذ بدايات القرن التاسع عشر . ومع إزدياد التعقد المجتمعى ، وتطور نظم التعليم ، و ظهور مهن الطبقة الوسطى ؛ المدرسون ، و الأطباء ، و المهندسون ، و المحامون ...الخ ، ازداد ثقل و حضور الفئات الوسطى المدينية ، بكل ما يحمله ذلك من معان و رموز تتعلق بالزي ، و طريقة تناول الطعام ، و السكن ، و الترفيه ، إضافة الى اللهجة القاهرية ، فضلاً عن تمتع البعض بمعرفة لغة أجنبية واحدة على الأقل ...و غيره مما أصطلح بعض المتشددين على تسميته بالفرنجة أو التغريب .
و قد لعبت الفنون و الآداب منذ ذلك الحين دوراً محورياً فى عملية التمدن و التحضر ؛ فنجد السينما و المسرح والغناء و الصحافة و الرواية و قد ازدهرت ، بل و ساهمت بقدر كبير للغاية فى تشكيل شخصية مصر و حضورها الإقليمى ، خاصة العربي . و من ثم كانت الشخصيات و الرموز فى هذه المجالات بمثابة القدوات و المثل العليا للغالبية من الجماهير التى تتعاطى مع إبداعاتها المختلفة و المتنوعة ، حيث تبرز أسماء التنويريين أمثال محمد عبده و قاسم أمين و سيد درويش والعقاد و طه حسين و محمد كريم و أم كلثوم و عبد الوهاب و نجيب محفوظ و يوسف وهبى و نجيب الريحانى و روزاليوسف ...و كثيرين غيرهم ينتمون الى جنسيات و ثقافات متعددة ؛ وجدوا فى مصر البيئة الثقافية و الحضارية الحاضنة لإبداعاتهم بكافة أنواعها .
و إذا ما ذكرت السياسة فى ذاك العهد تطفر الى الذهن أحزاباً أهمها الوفد ، والسعديين ، والأحرار الدستوريين ، الى جانب الحركات و التنظيمات الإسلام- سياسية " الإخوان المسلمون تحديداً" ، و اليسارية و القومية المتشددة ، تلك التى ارتبطت بالأفندية و البهوات و البشوات ، و مركزها الرئيس كان القاهرة – العاصمة ، فلم تكن السياسة مهنة و لا شغلاً شاغلاً للريف و أهله الا لدى القليلين منهم ؛ تحديداً شريحة الأعيان .
و مع ثورة 1952 و ما حملته من مشروع طموح للتنمية الإجتماعية و الإقتصادية تعمق التحول صوب المدينة ؛ ذلك أن التعليم المجانى قد قام بدور ثوري بحق فى عملية الإنتقال ، حيث غدا التوق الشعبى العام للحراك الإجتماعى والثقافى و كذا الطبقي – الإلتحاق بشرائح الطبقة الوسطى تحديداً - ممكناً و ميسراً .
لا نقصد بالحراك الإجتماعي هنا – بالطبع – المعنى الجغرافى للإنتقال من ريف الوجهين البحري و القبلي صوب المدينة ، خصوصاً العاصمة - القاهرة ، بل عملية تمثل و استدماج اجتماعي لمنظومة قيم ، و عادات و تقاليد جديدة ، ذات توجه حداثى ، لتحل محل غيرها التقليدية التى ارتبطت تاريخياً و اجتماعياً و ثقافياً بالريف .
لقد ارتبط المشروع الناصري بالتمدن و التحضر و التحديث الصناعى خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، فى إعتماد على التعليم المجانى بكافة المراحل ، والتوظيف المكثف بالحكومة و القطاع العام ؛ بكافة أنشطته و تنوع مجالاته . هذا فضلاً عن طموحات لبعث و تجذير لدور مصرى على مستوى إقليمى و عالمى .
و مع إستهداف تحطيم هذا المشروع النهضوى ، غير المرغوب فيه من قبل أطراف و قوى عديدة ؛ محلية و إقليمية و دولية ، كان من اللازم أن تكون هناك هزيمة عسكرية مذلة للكبرياء المصري عامة و للنخبة الحاكمة " ذات الخلفية العسكرية " تحديداً على وجه الخصوص!!
و على خلاف هذا المشروع الحضارى التمدينى الناصرى ، جاء النظام الساداتى منافحاً و مناصراً لشعارات مغايرة ، و التى منها: أخلاق القرية ، و رب العائلة المصرية ، و قانون العيب ، و الإعتكاف ، و الجلباب و العصا ، و الخطاب السياسي ذي المسحة الدينية الواضحة ، فضلاً عما نعلمه من الإستعانة بالتيار الدينى كأداة رئيسة فى الصراع السياسي و الأيديولوجى مع أنصار التيار الناصرى القوى ، و الذي غلب عليه – كما أسلفنا - ميل واضح نحو التحديث و المدنية.
و من بعد حرب أكتوبر 73 ، و صعود أسعار النفط الخليجى، و الإنفتاح الإقتصادى كانت هجرات المصريين الى السعودية و الخليج بكثافة ، و من كافة الفئات الإجتماعية تقريباً ، إلا أن النسبة الغالبة بينهم كانت للفئات الإجتماعية المتواضعة القادمة من الريف المصري ، بوجهيه البحرى و القبلى . و من ثم كان النتاج المتوقع لهذه الخبرة – خبرة الهجرة الى النفط - هو شخصية مركبة ، فهى ذات جذور ريفية تقليدية ، و مستوى تعليمي- ثقافى متواضع ، تزاوجت مع أنساق قيمية و معايير و مظاهر دينية متشددة " ذات طابع حنبلى- وهابى ".
و مع بدايات ثمانينات القرن الماضى ، حقبة حكم مبارك الثلاثينية ، كانت هناك محاولة فى عقده الأول لما أطلق عليه ترشيد الإنفتاح الإقتصادى ، إلا أن العقد الذى تلاه ؛ التسعينات كان العقد الذى شهد تبنى أعمق سياسات الإندماج فى النظام الرأسمالى العالمى ، عبر سياسات و برامج الخصخصة و التكيف الهيكلى ، و هى السياسات التى تم تكريسها عالمياً بوصف أن الرأسمالية غدت نهاية التاريخ ! و هو العقد – التسعينات - الذى يعد واحداً من أهم العقود التاريخية التى مرت بمصر ، فهو العقد الذى شهد أكبر و أعمق عمليات تحول نخبة الحكم للتورط المؤسسي فى الفساد الكبير ، ذلك أن عمليات بيع و خصخصة المؤسسات و الشركات العامة ، و ما صاحبها من فساد مهول قد فتح شهية هذه النخبة على ممارسة الفساد و الإفساد ، و هى العملية التى صارت ممنهجة ، بحيث يصير من اللازم وفقاً لها توريط الجميع ، كبيراً و صغيراً ، موظفاً قيادياً و موظفاً صغيراً فى أدنى الدرجات ، فى كافة ممارسات الفساد الكبير و الصغير . وفى السياق الإجتماعى المصرى الأوسع ساد إهمال التعليم ؛ نوعيته دون الإقتراب كثيراً من كمه ، فأصبح لدينا مخرجات تفتقد الى المستوى اللائق من القدرة على التفكير العلمى الناقد و المبدع . فى الوقت ذاته الذى انحدر فيه الإهتمام بالريف المصرى ، إضافة الى الإزدياد الملحوظ لفقراء الحضر ؛ فكانت ظواهر الهجرة الريفية الى الحضر سعياً الى إيجاد فرص للحياة الأفضل ، دون تأهل كاف للحياة فى المدينة ، خصوصاً تعليمياً ، ومن ثم كان الإنتشار السرطانى للعشوائيات ، و تكوين الجيوب الريفية على أطراف المدينة . و مع تحالف الفقر ، و الجهل ، و الجريمة ، و التردى الأخلاقى ، و التهميش و الإستبعاد الإجتماعى و السياسي و الإقتصادى و الثقافى ...الخ ، تولدت الحاجة الى الخطاب الدينى الشعبوى الذى لم يكن من أهدافه الثورة على نظام سياسي قائم ، بقدر ما كان تركيزه الرئيس على الأخلاقيات الخاصة و العامة المرتبطة بالمظهر الذى من اللازم أن يكون عليه المسلم . و هو الخطاب الذى كان يتم تفريده و تخصيصه فى السنوات الأخيرة ليستهدف فئات إجتماعية بعينها ، ذات تعامل مباشر مع عامة الجماهير ، و من أبرز أمثلتهم سائقو الميكروباص ، على إعتبار أنهم يقلون جماهير واسعة من الناس ، و هى الجماهير التى كانت تستمع الى شرائط الكاسيت ، بخطاباتها الدينية المختارة بعناية ، طوعاً أو كرهاً.
هذا الخطاب الدينى الذى تولاه كم كبير ممن يطلق عليهم الدعاة و المشايخ " غير الرسميين "، فهم فى الغالب لم يأتوا من خلال مؤسسة الأزهر ، و هم ممولون من قبل جهات و مصادرغير معلومة بشكل واضح ؛ فهم لا يفصحون عنها صراحة ، حيث تنتج لهم شرائط الكاسيت ، إلى جانب بث القنوات الفضائية الدينية . و قد لاقى خطابهم الدينى هذا استحساناً و قبولاً و تبنياً غير مسبوق من قبل فئات و شرائح اجتماعية و اسعة فى الريف و عشوائيات المدينة بشكل خاص ، فهو خطاب تغلب عليه البساطة و السطحية ، و كذا السمت و اللهجة الريفية ، و التى تصادف شعوراً حميمياً لدى من يتعاطون معها ، لتماسها مع أصولهم الريفية ذاتها ، و ذلك نظراً لشعورهم بالإغتراب فى المدينة التى يعيشون فى عشوائياتها ، هذه المدينة التى استبعدتهم و همشتهم ، فلم يجدوا بداً من خلق أجوائهم و سياقاتهم الخاصة لكى يعيشوا داخلها ، و الذين لاقوا فى الخطاب الدينى للدعاة الجدد – ذوي الأصول الريفية فى غالبيتهم العظمى - خلاصاً من عذابات وضلالات الواقع الذى يعايشونه . و ها هنا لم تعد رموز المجتمع وقدواته مشكلة من رموز الحداثة و التنوير ، من أدباء و فنانين و مثقفين...الخ ، كما كان فى حقبة سابقة ، بل قفز المشايخ و الدعاة من أمثال حسان و الحوينى و أبو اسماعيل و بدر و يعقوب و أبو اسلام وغيرهم ..ليحتلوا مكانهم دون غيرهم .
و إذا ما كان من الطبيعى و المقبول منطقياً أن يصادف الخطاب الدينى التقليدى لهؤلاء المشايخ و الدعاة قبولاً و ترحيباً لدى قطاعات واسعة من أبناء الريف ، نظراً لعوامل و أسباب تنموية بالأساس ، فكيف لنا أن نفهم الإنتشار واسع النطاق لهذا الخطاب ذاته داخل المدن الحضرية ، و على رأسها القاهرة – العاصمة ؟
كانت المدينة – العاصمة فى زمن سابق ، و فى ظل سياسات مغايرة ، ذات معدة قوية حيث تستطيع هضم و تمدين من يفدون اليها من أهالى الريف ، فقد كانت مركزاً للجذب و الصهر الثقافى التحديثى ، إلا أن هذه العاصمة ، و بفعل الإهمال المزدوج ، سواء للريف أو للمدينة ذاتها ، و نظراً لتبنى سياسات عملت على الإستقطاب على كافة المستويات الإجتماعية ، قد فقدت معدتها هذه قدرتها على الهضم و أصيبت بالشيخوخة ، مما أفضى الى فقدانها لأهم وظائفها فى التمدين و التحديث ، لنجد أنفسنا أمام تدفقات غير مسبوقة و لا محسوبة من الهجرات الريفية – الحضرية ، و لكن دون أن يفقد هؤلاء أياً من خصائصهم و سماتهم و قيمهم الريفية ، و التى تبنوها فى موطنهم الأصلى ، ليشكلوا فى مناطقهم على أطراف المدينة جيوباً ريفية متكلسة و متحوصلة ، على كافة المستويات ، فهم مستبعدون إجتماعياً من ناحية ، و غير مؤهلين للمشاركة الإجتماعية ، و الثقافية ، و الإقتصادية ، و السياسية ذات الطابع الحداثى من ناحية أخرى .
لنجد المحصلة متمثلة فى فئات و شرائح إجتماعية غالبة ، تمتد من الريف الى المدينة ، تغلب عليها الخصائص الريفية ، لا تجد لها من مصدر ثقافى للمعرفة ، و التحصين إلا الخطاب الدينى للدعاة و المشايخ ، و الذين هم منهم و اليهم ، و هو ما يحدث و تتفاعل أبعاده و مكوناته منذ عقود عدة . و من ثم ، وجدنا أنفسنا إزاء حالة غالبة من تريف المجتمع المصري بأكمله ، فالنخبة خطابها نخبوي ، و السياسات التنموية المتبعة إستقطابية تباعد بين الطبقات الإجتماعية بضراوة . و النتيجة المتوقعة غالبية من الجماهير المفقرة ، المستبعدة ، ذات الأصول الريفية ، و المسلحة بقناعات دينية أن خلاصها فى الدنيا و الآخرة لن يتحقق إلا بإتباع التعاليم الدينية الأكثر تشدداً ، و التى قد لا يستشهدون فى التدليل على صحتها بما ورد فى الكتاب و السنة ، بقدر ما يقومون بذلك من خلال ما ذكره الشيخ فلان أو الداعية علان ، فهؤلاء المشايخ و الدعاة فرضوا على أتباعهم وصاية فكرية سميكة ، و أصبحوا المفوضين ، دون غيرهم ، بتفسير و تأويل النص الدينى حسب ما يرتأون ، كما يفعلون نفس الشئ دنيوياً ، سواء بالتحليل أو بالتحريم . و هم يجدون آلافاً من المؤيدين و المناصرين المستعدين لفعل أى شئ يأمرهم به هذا الشيخ أو الداعية " المقدس" ، و الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه !!
ما أعنيه بالتريف هنا عبارة عن إنتقال مجموعة من السمات و الخصائص التي تتسم بها الشخصية الريفية المنوالية – فى الغالب – في مصر الى المدن عامة ، والعاصمة- القاهرة على وجه الخصوص. ولعل من أبرز هذه السمات و الخصائص الريفية سمة المحافظة ، و قد تكون فى معظمها ظاهرية ، على القيم و الأخلاق و الدين ، و هو ما يعبر عنه من خلال الإلتزام بالسلوكيات و الطقوس المتعارف عليها فى هذا الصدد ، و محاولة الدفاع عنها بطرق متعددة ، قد يكون العنف أحد أبرز صورها . ما أعنيه بكونها قد تكون ظاهرية ، أن وجودها الظاهر و الحاضر فى أحيان عديدة ، لا يحول دون وجود قيم و سلوكيات تتخذ مسارات مغايرة تماماً ، و إلا ما وجدنا ميلاً ريفياً ذكورياً نحو حرمان إناث العائلة من ميراثهن " الشرعي" من الأراضي و العقارات ، حسب ما تنص عليه الشريعة الإسلامية!! .
و إضافة الى سمة المحافظة نجد سماتاً إجتماعية أخرى وثيقة الصلة بالشخصية المصرية الريفية ، خاصة تلك التى تكونت و تم توارثها عبر أجيال عايشت حقباً من القهر ، و الحرمان المادى و المعنوى ، حيث تجد سماتاً كلاسيكية متداولة بين عامة المصريين بشأن الريفيين منهم ، أبرزها : (1) اللف و الدوران و عدم المباشرة فى الحديث عن أمر ما (2) المحاكاة الفجة (3) إدعاء المعرفة فى كافة الأمور " أبو العريف" (4) المبالغة و التضخيم (5) الإعتقاد فى السحر و الخرافة (6) تطويع الدين للمعتقد و التقليد الإجتماعى (7) الفضول للمعرفة بشأن الآخر ( سلوكياته و أوضاعه و أسراره ) (8) تقديم التنازلات من أجل تحقيق الأهداف (9 ) التسلط عند التمكن .
هذا و إذا ما كان الغالب على هذه السمات الريفية المذكورة هو السلبي دون الإيجابي ، فإن ذلك راجع الى أن فترات التراجع التاريخي- الإجتماعي تستدعى كافة الفواعل التى من شأنها إنتاج ، و كذا إعادة إنتاج سمات و خصائص التخلف ، حيث تولد سياقات التخلف كافة أجوائها المصاحبة . و لعل المثال على ما نذكر ما قد نلاحظه فى هذه الفترات من التخلى النسبي لفئات و قطاعات مقدرة من المجتمع ، فى الريف و كذا المدن ، عن التعاطى العلمى مع الواقع ، فى الوقت الذى نجد فيه حضوراً مكثفاً لكافة أنماط التعاطى مع هذا الواقع من خلال كافة أنماط المعارف غير العلمية ؛ من قبيل الثيولوجية و الخرافية و الأسطورية و السحرية .
قد يقول البعض أن هذه السمات هى سمات عامة المصريين في الوقت الحالى و ليست سمات الريفيون منهم فقط ! و هنا أيضاً يكون بيت القصيد لهذا المقال ؛ فالسمات التى كانت غالبة على الشخصية الريفية التقليدية صارت سماتاً عامة لقطاعات واسعة من المصريين ؛ فلم تعد المدينة " العاصمة تحديداً " بقيمها و رموزها و سلوكياتها و آدابها و فنونها ...الخ هى مركز الجذب ، و من ثم تمدين الريف ، بل الريف بكافة خصائصه و سماته غدا يُريف المدينة !!
و إذا ما كانت هذه السمات قد غدت مجتمعية بشكل عام ، فإنها الأكثر إلتصاقاً بالفئات التى تمارس السياسة فى الراهن من منطلقات ذات طابع دينى – اسلاموى ، و التى تضم الإخوان المسلمون ، و السلفيون ، و الجهاديون ..الخ . حيث تجدهم ، سواء على مستوى قياداتهم أو قواعدهم و الجماهير التى تناصرهم ، ذوى إنتماءات ريفية واضحة لا تخطئها العين و الأذن . و لكن الأدهى من ذلك أنهم يمارسون السياسة بالطريقة الريفية ذاتها التى قد تجدها فى القرى المصرية التقليدية ، حيث أفكار و قيم ؛ كالعزوة ، و العفيجية ، و الريبة و الشك فى كافة مظاهر الحداثة التى لا يرتاحون لها كثيراً ، رغم ارتداء بعضهم للملابس العصرية ..اضف الى ذلك السمات و الخصائص الريفية التى سبق لنا عرضها و الحديث بشأنها . و هو ما يتجلى بادياً للعيان ، سواء فى خطاب دينى يعتمد لغة تهديدية متدنية فى بعض المساجد أو الفضائيات الإسلاموية . و كذا فى تظاهراتهم و حشودهم التى تتخلف من ورائها القاذورات ؛ كأنه الإنتقام من المدينة التى لا يشعرون بالإنتماء اليها ، فى إفتراق عن المظاهرات التى تنظمها القوى المدنية ، والتى يحرص المشاركون فيها على تنظيف أماكنها و مواقعها من بعد إنتهاء فعالياتها !
إن النخبة التى تحكم الآن ، و تتحرك فى مناصرتها و مساندتها جماعات ضخمة ، يتم شحنها من الريف الى العاصمة ، أصبحت على قناعة بأن فرصتهم الذهبية قد تحققت بالتمكن من بلوغ ذروة الحكم ، بعد عقود ، بل قرون من الإضطهاد و الإستبعاد الهيكلى !! إن عقدة نفسية - إجتماعية – ثقافية – حضارية تجاه المدينة تحركهم فى علاقتهم بأفكار الهوية ! إنها ليست مسألة تتعلق بالدين أو الشريعة ، بل هى أعمق من ذلك ، حيث تتحالف هنا المصالح الإقتصادية الواعدة ، وإغراءات السلطة ، من بعد إزاحة النخبة المدينية لكى يحلوا مكانها . و هو ما لن يتم التمكن منه إلا بتصدير الهدف و الخطاب الدينى الذى يكفر و يوصم كل ناقد له . إنهم بإختصار لا يريدون التنازل عما وصلوا اليه ، فلأول مرة فى تاريخ هذا البلد ينتصر الريف على المدينة !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ألعسكرية ألريفية
ركاش يناه ( 2013 / 1 / 8 - 16:35 )

ألعسكرية ألريفية

مقال جميل .. ذكرنى بنظريات وكتابات أمين ألمهدى فى ألتسعينات .. ألذى صك مصطلح ألعسكرية ألريفية .. ليصف به ضحالة وخطورة صعاليك يوليو ( ناصر - ألسادات - مبارك - مرسى ) وتنبأ بالخراب ألحتمى لمصر على أيديهم .. لأنهم آلات ألترييف

ترى ماكان من حال وحظ هذا ألبلد ألتعيس لو لم يصب بالترييف ثم ألتصحير .. ألأسكندرية كانت أجمل وأنظف من فينيسيا أو مارسيليا قبل نكبة يوليو 1952 ...

لك أن تتخيل مصر وبها 15 مليون نسمة تضاهى أليابان وفرنسا .. عوضاً عن بلد غارق فى ألزبالة ومياه ألمجارى

منك لله يللى فى بالى

...

اخر الافلام

.. غزة ..هل يستجيب نتنياهو لدعوة غانتس تحديد رؤية واضحة للحرب و


.. وزارة الدفاع الروسية: الجيش يواصل تقدمه ويسيطر على بلدة ستار




.. -الناس جعانة-.. وسط الدمار وتحت وابل القصف.. فلسطيني يصنع ال


.. لقاء أميركي إيراني غير مباشر لتجنب التصعيد.. فهل يمكن إقناع




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - نحو 40 شهيدا في قصف إسرائيلي على غ