الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واقع اليسار العربي

مرعي حسن أبازيد

2013 / 1 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


إن غياب اليسار بوجهه الحقيقي عن الحراك الشعبي، الذي اندلع فجأة في العديد من الدول العربية، بغض النظر عن اشكاله وصوره وأساليبه وأهدافه، يطرح سؤالاً جوهرياً حول السبب في غياب الدور الفاعل لليسار، الذي بقي على مدى عقود طويلة المحرك الرئيسي لجميع التحركات المناهضة للظلم والمطالبة بالحرية والكرامة والدفاع عن حقوق الطبقة المسحوقة في المجتمعات العربية. وهذا بالطبع، سيؤثر بشكل كبير في تحديد دوره وموقعه على خارطة مابعد سقوط الأنظمة، وفي نوعية الخطاب الذي يجب أن يطرحه لمشروع بناء الدولة والمجتمع والعلاقة مع ما تفرزه صناديق الاقتراع لاحقاً!!!
إن الصورة المزيفة للأنظمة الوطنية التي نشأت على أشكال دول وطنية في الوطن العربي، غيبت الكثير من التيارات اليسارية والتيارات الوطنية، وحاربت بل وقضت على تيارات بعينها وغيبت تيارات أخرى باسم الدفاع عن الوطن ومحاربة الاستعمار والوقوف في وجه المخططات الغربية المعادية للعروبة وفي بعض الأحيان المعادية للإسلام. وبينما انحسر دور بعض الاحزاب الشيوعية بعد أن وضعتها هذه الأنظمة في قواقع رسمية ضمن هيكليات حكومية لا دور لها في الحياة الاجتماعية والسياسية، بدأت هذه الأحزاب تفقد أفضل كوادرها ومنظريها الواحد تلو الآخر، لتتحول بعد ذلك لأدوات بيد هذه الأنظمة تستخدمها كلما تعرض البلد لضغوط خارجية، تكون أسبابها الأساسية تصرفات شخصية لبعض المتنفذين في هذه الأنظمة. لكن للأسف بقيت هذه التيارات منحسرة وغائبة عن الجماهير بتمسكها بالحلقة التي تعتبرها أساسية، وهي أن هذه الانظمة تقارع الاستعمار والإمبريالية العالمية، بينما جميع ممارساتها وتوجهاتها واستثماراتها، أي هذه الأنظمة، كانت غربية ورأسمالية بامتياز، وهذا ماكان يعرفه أبسط إنسان في الشارع العربي ناهيك عن المثقف الشيوعي. هذه الحلقة أصبحت نتيجة للتكرار المتتالي، أصبحت تثير الاشمئزاز في نفوس الشيوعيين الشرفاء والجماهير الكادحة، مما أبعد الجماهير العريضة والكوادر والأصدقاء عن هذه الأحزاب.
ان هذه الأمور الواقعية، ضرورية لفهم مسيرة التاريخ ودور بعض التيارات اليسارية في الحياة الاجتماعية والسياسية العربية. لكن للانصاف التاريخي، يجب أن لا ننسى نضالات اليسار العربي طوال سنين مضت، والتي لاينكرها الا حاقد، رغم الكبوات والعثرات. لكن الألاعيب السياسية للأنظمة العربية، التي أخذت صوراً خادعة مختلفة بين بلد و آخر، عبر السياسات التشاركية في الحكم، وإقامة بعض المنشآت بحسب المبدأ الاشتراكي، كل ذلك لم يكن الهدف منه سوى تشويه مبدأ الاشتراكية وتنفير الشعوب من الافكار الاشتراكية، لتبتعد أكثر فأكثر عن التنظيمات اليسارية، التي برأيها، إن قويت وأصبحت فاعلة، سوف تقلب الطاولة على رؤوس هذه الأنظمة لبناء مجتمعات العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية والكرامة، ومحاكمة جميع الفاسدين والمرتشين. هذا للأسف مانجحت به الأنظمة وأدى بالفعل إلى ضرب مصداقية اليسار كنتيجة لتحالفات مغلوطة مع الأنظمة التي لا تعرف سوى القمع ونهب ثروات شعوبها.
ان السلبية التي مارستها الأنظمة العربية منذ الاستقلال وحتى الآن، دفع بالشعوب العربية الى رفض الواقع وانكاره والمطالبة بالكرامة والديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية والغد الافضل، بدون مشاركة فعَّالة من قبل اليسار، الذي تشكل الكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية العناصر الأساسية لوجوده ومبادئه التي طالما دافع عنها، وكانت المسوغ لنضاله المستمر، وشعلة رفعها كقيمة حضارية وجودية تستحق التضحية.
ان الغياب غير المبرر لليسار ولو بشكل جزئي بحسب رأيي، والذي رسخته كذلك بعض الأوساط، ممن حاولوا سرقة الانتفاضة الشعبية وركوب موجة الشارع الغاضب، يحتم على النخب السياسية اليسارية وأحزابها، دراسة حساسية الظرف الحالية وصعوبتها، لإعداد خطاب مدني مرن ومقنع يحمل رسالة اجتماعية حضارية، انطلاقاً من التركة الفكرية المتجددة لليسار العربي كمرجع، والتذكير بنضالات اليسار الحقيقية على مدى عقود مضت، وبالشهداء الشرفاء الذين قضوا على مذبح الحرية في سبيل حياة أفضل للأجيال القادمة، والابتعاد عن الجمود العقائدي وعن اللاواقع، والانفتاح على الكل وأخذ العبرة من التاريخ، لأن ترك الأمور على عواهنها، وافساح المجال للإسلام السياسي، الذي يبتعد في أدبياته عن نظام المجتمع المدني والحريات الديموقراطية، يعتبر رِدَّة حقيقية وجريمة بحق المجتمع المدني الذي تصبوا إليه المجتمعات العربية من المحيط إلى الخليج، ودفعت ثمن ذلك من دمها وعرقها منذ أزمنة الاحتلال ومن ثم في مرحلة الاستقلال إلى أن انتهى المطاف إلى صراع مع أنظمة ديكتاتورية صنيعة الاستعمار نفسه، صراع دفع بالآلاف إلى اقبية السجون وإلى المنافي. إن فسح المجال أمام الاسلام السياسي وأحزابه، يعتبر صفعة بوجه الثورات العربية ضد الديكتاتوريات، وضربة قوية للحراك الشعبي وأفكار الشعوب الساعية نحو الحرية، إذ أن ذلك ليس سوى انتقال من واقع مرّ إلى واقع أكثر مرارة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا يسار بدون طبقة اجتماعية
محمد البدري ( 2013 / 1 / 9 - 17:19 )
لقد حسمت يا سيدي مشكلة اليسار ولخصتها في جملة واحده: ن الصورة المزيفة للأنظمة الوطنية التي نشأت على أشكال دول وطنية ... انتهي الاقتباس. وها هو قانون الجدل يقول كلمته في هذا التلخيص الوافي لازمة اليسار، فبدون طبقة اجتماعية قوية لن يكن هناك يسار قوي والعكس بالعكس. فما بلنا ونحن إزاء انظمة اقرب للصوص وتعمل كسماسرة سرا وفي العلن تناضل وتوهم الجميع بالصمود والتصدي. عزيزي الفاضل، انها ثقافة باكثر منها اي شئ آخر همها الاول توفير الاوهام ليعتقد كل انه في موقعه الصحيح. وعندما تحين لحظة انكشاف الحقيقة يسرعون الي الدين لوقف كل اشكال التمرد علي الاكاذيب. اليس هذا واقع الحال في الثورات الحالية. المأساة الان اننا امام قوي غير منظمة لكنها تريد التغيير وغير مؤهلة لاستلام السلطة ولا تعرف كيف تدير. لكني اختلف معك في ان الخطاب المطلوب من اليسار يجب ان يكون حاسما في وجه الدين وليس مرنا، فاهل الدين ورجاله السفهاء اصبحوا اكثر هلهلة من النظم الساقطة ولنا في الحالة المصرية نموذجا. فهل هناك من فرصة للقضاء علي كل الافكار التي تحتقر الانسان بافضل منها الان. شكرا لك وتحية وتقدير

اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن