الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القمم العربية من انشاص الى الجزائر

أحمد الناجي

2005 / 3 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


عقدت أول قمة عربية (قمة انشاص) قبل (60) سنة، في مصر بالإسكندرية للفترة من 28 – 29 أيار 1946، وضمت الدول السبع المؤسسة للجامعة العربية، وهي مصر والسعودية واليمن والعراق والأردن وسوريا ولبنان، وقد توالى عقدها بعد ذلك التاريخ، إلا أن انتظامها تحت خيمة الجامعة العربية بدأ في عام 1964، وتمخضت عنها بحدود(23) قمة بين عادية وطارئة، وأخر قمة أنهت أعمالها في تونس في 22 أيار 2004.
ولم يعد انعقاد القمة العربية بعد كامب ديفيد أمراً ذا شأن بالنسبة للشارع العربي، فما يصدر عنها من بيان ختامي بعد انفضاضها المتعجل لا يتضمن معالجة حقيقية لتداعيات الواقع العربي، وهو لا يخرج عن إطار كونه تسويقاً إعلامياً لاستهلاك نقمة الجماهير، بما فيها القمم الأخيرة التي تميزت عن سابقاتها بانتظام انعقادها بشكل دوري في كل سنة، ولكنها تفوقت على سابقاتها بالفشل الذريع، ففي عمان 2001، قمة الحالة العراقية الكويتية، تكللت بالفشل في اللحظات الأخيرة، وفي بيروت 2002، قمة العناق والقبلات، حين علا دوي الشعارات المبهرجة بعدم تأييد الحرب على العراق ولكنها كانت قولاً لا فعلاً، وفي شرم الشيخ 2003، قمة التلاسن حد توجيه الاتهامات بالعملنة، اقترنت بعجز عربي مفضوح، وجاءت قراراتها غير مبالية بجسامة الأوضاع، مقدمة العراق على مذبح الاحتلال، وفي قمة تونس 2004، قمة الاختلاف والتأجيل، التي تبنت في بيانها الختامي وثيقة العهد الفضفاضة التي بقت على دثارها بعهدة أجهزة الجامعة العربية كمشروع مرحلي لمواجهة المطالب الأمريكية في مشروع الشرق الأوسط الكبير، والإفلات من استحقاقات الإصلاحات الديمقراطية.
عموماً لم تستطع الجامعة العربية منذ إنشائها النهوض بأعباء ميثاقها في بلورة كل الرؤى الرسمية داخل كيانها كمؤسسة بشكل من المفترض أن تتقدم مواقفها بخطوات عن مواقف كل قطر من أعضائها، لتنهض بمهام تستوعب هموم البلدان العربية، وتأخذ دورها في تحديد أولويات الأهداف وبالتالي توحيد آليات العمل العربي المشترك على مختلف الصعد لتحقيقها، لكنها بقت رهينة متاهات تلك المديات الفوقية في كل ما تمثله من فكر واستبداد وتناقضات واختلافات بعيدة عن تطلعات وأمال المواطن العربي.
تمثل الجامعة العربية انعكاساً حقيقياً للواقع العربي بكل أزماته، فهي خاضعة بشكل أو أخر لسطوة مصر البلد المستضيف لمقرها، ولتوازنات القوى العربية والإقليمية والدولية، ومستجيبة لمتغيرات الظروف الموضوعية، ولكن عللها الذاتية تشكل معوقات رئيسية في طريق عملها، وفي مقدمتها الهيكلية التنظيمية المأسورة بقوالب جامدة، وعمل روتيني، وأداء نمطي، مما كبل آلياتها التنفيذية بقيود قسرية أعاقت فاعليتها، وجعلت دورها معدوماً في أوقات عديدة، فهي لم ترتقِ في اللحظات المصيرية الى مستوى الآمال المعقودة عليها، بل راحت بعد انهيار جدار برلين واختلال ميزان القوى العالمي، ترتب مواقفها وفق رؤى قاصرة، مفرزة بمعالجاتها تداعيات وإشكاليات تراكمت مع مرورالزمن منتجة معضلات أضافية وتحديات جديدة في وقت عصيب عجز فيه العرب الخلاص من تبعات أخطائهم القديمة التي جعلت ثوابتهم مسألة قابلة للنقاش والطعن، فما بالك بجديدها الذي يحمل معه هيمنة سياسة القطب الواحد، وقيود العولمة، واقتصاديات السوق في عصر المستجدات المتسارعة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
يلتئم شمل القادة العرب في الجزائر مرة أخرى، في حاضر مليء بالتحديات والاحباطات، وتندرج في ورقة العمل عموميات الإصلاح، وغاية الوصول الى أطر الحد الادني من آليات العمل العربي المشترك، وهو استكمال لخطوات إقامة نظام إقليمي عربي، سبق وأن تبنته الجامعة العربية بقراراتها قبل أربع سنوات، وبقى حبراً على ورق، لم تستطع لحد الآن إنجاز أولى مقوماته تأسيس السوق العربية المشتركة.
يتوجب على الجامعة العربية فيما إذا أرادت النهوض بواقعها المتردي أن تتبنى مشروع إصلاحي جذري يشرك صوت الشارع العربي في هيكلية جديدة تتناوب على إدارتها كل البلدان العربية، كأن تكون على شاكلة صيغة البرلمان الأوربي آخذة بنظر الاعتبار الخصوصيات والتباينات، بحيث تضمن تحولها الى مؤسسة ديمقراطية توفر مشاركة جماهيرية واسعة، وتنهي حالة الانكفاء على البنية الفوقية، والتبضع من دهاليزها قرارات توغل في التعمية والتمويه وتمرير الهزائم في زمن صار به الاحتلال احتلالين، والشعوب العربية ما زالت تقارع الظلم، مقهورة بقيود التكبيل وأوهام التغريب ومراسيم التغيب، والأنظمة الرسمية تنوء مهمومة تحاول الزوغان بشتى الوسائل للالتفاف على استحقاق قادم صار مطلباً شعبياً يقلقها هو الإصلاح الديمقراطي، واحداً من استحقاقات الزلزال العراقي الذي سيبقى يعكر صفو الأجواء الاستبدادية الى حين.
نأمل أن لا ينفض مولد الجزائر في 22 آذار 2005، بلا حمص كالعادة حيث تشيح النظر وتصم الآذان عما يجري حولها في فلسطين والعراق ودارفور والصحراء الغربية، وكأنها لا تريد أن تسترق سمع ضجيج ساحة الشهداء في بيروت التي لم تغفو بعد، ودوي مفخخات أخوة يوسف في بلاد وادي الرافدين، وأخرها وليس أخيرها جريمة أبن السلط الدنيئة في بابل مدينة الفكر والحضارة، وجل ما نخشاه أن يبقى الدرس العراقي عسيراً على الفهم، ويطل علينا في الختام بياناً قاصراً تزوقه العبارات المعهودة في الاستنكار والشجب والمطالبة، ويشهر فيه العرب سلاح الانبطاح مرة أخرى بعد ستين سنة على تأسيس منظمتهم الاقليمية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تؤكد إصرارها على توسيع العملية البرية في رفح


.. شرطة نيويورك تعتدي على مناصرين لغزة خلال مظاهرة




.. مشاهد للدمار إثر قصف إسرائيلي على منزل عائلة خفاجة غرب رفح ب


.. أحمد الحيلة: قرار الجنائية الدولية بحق إسرائيل سيحرج الدول ا




.. في ظل تحذيرات من تداعيات عملية عسكرية.. مجلس الأمن يعقد جلسة