الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة السورية اليتيمة بين حصارها و عنادها

خالد قنوت

2013 / 1 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


الشهيد البوعزيزي الذي أشعل النار في جسده قبل سنتين, فأشعل نار الثورات العربية لتشكل دومينو لن يتوقف عند أي دولة عربية أو شرق أوسطية و لا حتى دول الاستبداد البعيدة حين فرض معادلة سياسية و اجتماعية جديدة اسمها (الشعب يريد..).
لكن بالمقابل هل اكتملت فصول نجاح ثورات اشتعلت كعود ثقاب و خفت توهجها باستلام قوى سياسية مفروضة بقوة السلاح و المال أو قوى الإسلام السياسي الذي كان الأكثر تردداً و تشكيكاً بالثورات عند بداياتها؟ لا أعتقد ذلك, فمازال الجمر تحت رماد انتخابات و دساتير جديدة تؤسس لاستبدادها الجديد.
المنعطف الأهم لهذه الثورات, هو الثورة السورية التي تسجل حتى اليوم أطول و أعنف و أعظم الثورات العربية و لكن بالمطلق تسجل أكثر الثورات حصاراً و تشويهاً. لا أؤمن بمنطق المؤامرات بقدر ما أدرك أن السياسات العالمية تكتسب ديناميكية النجاح أو الإخفاق و بناءً على الأرض يا حكم و رصد القوى الفاعلة فيها و التعامل معها وفق مصالحها. يحضرني قول للراحل إلياس مرقص: (السياسة ليست مملكة النوايا بل هي عالم العلاقات الموضوعية).
أثناء الخطاب الرئاسي الأخير, كنت أشاهد صورة القذافي في خطابه الأخير من خلال شكل وجه الطاغية الصغير و التلعثم في النطق و الجمل غير المترابطة عند ارتجال شروح لأمور واضحة و تافهة و في الارتباك عند الانتهاء من الكلمة بهجوم المحبين نحوه للمباركة حتى إصفرار الوجه و جنون المرافقين, رغم التظاهر و افتعال الثقة و القوة.
لكن هناك توجسات رافقت الأخبار القادمة من الداخل السوري في النقص التآمري في عمليات التسليح في المناطق الساخنة رافقه زيادة في مستوى العنف و البطش من قبل النظام وتوجسات من الخارج السوري بالكشف عن تقصير دولي في الوفاء بتعهدات بالدعم المالي و الإغاثي, قطعه للائتلاف الوطني لقوى المعارضة و الثورة السورية بعد كل الضجيج و الفزلكات الإعلامية.
لكي نفهم الصورة بشكل منطقي و تحليل علمي علينا أن نفند أجزاءها و نعيد صياغتها من جديد لنعرف الحقائق أو نقترب منها فنستخلص العبر و الاستنتاجات و الحلول:
- بعد اللقاء الروسي الأمريكي في السويد هناك اتفاق حصل بحضور أو بدون معرفة للمبعوث الدولي الإبراهيمي, يقضي بتبادل الأدوار في الرفض و القبول بالمبادرات و المؤتمرات (جنيف واحد و جنيف إثنان) و ذلك لاستمرار حالة التعفن و التدمير الذاتي لسورية و كل طرف حسب رؤيته لمصالحه في هذه المنطقة الهامة من العالم, تقوم على مبدأ أساسي و هو القضاء على معادلة (الشعب يريد).
- بناءً على ذاك الاتفاق, ترتسم سياسات و مصالح الدول الأخرى في العالم و في الإقليم و هناك مؤشرات لذلك:
1- تردد الإدارة الأمريكية في تأييد الثورة السورية و الاكتفاء بالتصاريح الإعلامية و انحسارها و التركيز على الجانب المتطرف من الحراك العسكري للثورة و هنا يطرح سؤال مهم عن هدف توقيت إدراج جبهة النصرة في قائمة الإرهاب الأمريكية رغم الكم الهائل من المعلومات التي تمتلكها الاستخبارات الأمريكية عنها؟؟ و فرض طوق لحظر تزويد السلاح للثوار على الأرض, بينما لم تنقطع الامدادات العسكرية للنظام من الجانب الروسي.
2- انكفاء الدول الأوربية في تأييد الائتلاف و الثورة السورية في وقت يحتاج فيه السوريون للمساعدات و الإغاثات العاجلة في ظل موجة برد غير عادية على المنطقة.
3- تقاعس خليجي عن الوفاء بالعهود بتقديم الدعم المادي للثورة و للمتضررين و حالة الهلع التي تفرضها حالة انتقال الثورة إلى العراق مما يعني دفعة جديدة لتسونامي الثورات العربية.
4- زيادة وتيرة الخطاب الإيرانية في دعم النظام السوري فضلاً عن الدعم المادي و العسكري و الأمني له و كأن إيران الخمينية تقاتل دون أسوارطهران من ثورة مشرقية بدأت من سورية و ها هي تدق أقرب حصونها الطائفية في بغداد.
5- مشاركة عربية دولية في حالة امتهان الكرامة السورية تظهر جليةً في مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن و العراق و تركيا, بشكل أقل قسوة, و مع اللاجئين السوريين في لبنان لتشكل حالة كسر إرادة و ضغط وضيعة على الشعب السوري في المنافي للقبول بتسويات و تنازلات مستقبلية.
6- الدفعة الجديدة و جرعة الأمل الكبيرة التي يحقنها النظام في قواته و مواليه مبشراً للمرة الألف بانتصاره على العصابات الإرهابية و المؤامرات الكونية بعد علمه بما يتم من اتفاقيات دولية خلف الكواليس و يقينه بأن الجميع لا يريد انتصاراً لشعب في هذه المنطقة سيكسر حالة الخنوع و التي تعيشها شعوبها فتنتقل لمعادلة (الشعوب تريد).
7- الصمت الاسرائيلي عن كل الاختراقات الأمنية في الجولان المحتل ليقينها أن لا حارس لحدودها بديل لنظام الأسد رغم جدار الأمن الذي تبنيه على سفوح الجولان.
8- التركيز الإعلامي العربي و الدولي على الصفة الإسلامية المتطرفة للمجموعات المقاتلة ضد النظام و ما يثير ذلك من مخاوف حقيقية للمواطن السوري بشكل عام و من طروحات البعض من هذه المجموعات بإقامة الخلافة الإسلامية في انحراف كامل و اساسي عن أهداف الثورة السورية.
- هناك موضوع جديد قديم و هو استئثار بعض القوى السياسية المعارضة بالقرار و إقصاء الآخرين و تحضيراتها السياسية و العسكرية و الشعبية في حالة تعكس تعطشها للسلطة حتى على حساب دماء الشعب السوري و يتمثل ذلك في محاولات حثيثة لتفشيل الائتلاف الجديد لقوى المعارضة و إعادة تجاربها الفاشلة فيه بعد فشلها في تجربة المجلس الوطني و تتمثل أيضاً في تخزين السلاح لمعارك يأتي توقيتها بعد إسقاط النظام.

الاستنتاجات:
تأتي الاستنتاجات من خلال تفهمنا لطبيعة سياسات كل طرف يتدخل في الأزمة السورية القائمة و لفهمنا جميعاً كسوريين أن لا مصلحة لأحد منهم في تحقيق انتصار تام و كامل للثورة السورية و قيام دولة مدنية حرة ديمقراطية ذات سيادة و كرامة في هذا المشرق ستمثل نموذجاً و أيقونة للشعوب المجاورة و لشعوب العالم, ستكشف بالنتيجة حقيقة الدولة الصهيونية العنصرية و الاستعمارية كدولة ينظر لها العالم على أنها النموذج الديمقراطي الوحيد في المنطقة. لا يغرنكم الكم في التصاريح و المؤتمرات و الدعوات لتنحي الرئيس أو زوال النظام فهذا النظام أقدر على إعطاء الجميع ما يريد على حساب الوطن و السيادة الوطنية. لم تستطع معارضة تدعي تمثيلها للثورة السورية أن تقدم أوراق اعتمادها للدول الفاعلة بعد, لذلك يبقى موضوع حسم الصراع مرتبط بوجود هذه المعارضة التي ستوقع صكوك تأمين مصالح تلك الدول كما يفعل النظام.

الحلول:
تبدأ الحلول و تنتهي عند معادلة (الشعب يريد), الشعب السوري يرتكب بعرف النظام و المعارضات الرخيصة و الدول الأقليمية و العظمى أكبر الخطايا اليوم, بأنه يريد و مازال مصراً و عنيداً, مستبسلاً في فرض معادلته ( الشعب السوري يريد).
لذلك يتخذ قراره الاستراتيجي و المصيري في الاستمرار بالثورة بقواه الذاتية رغم الحصار و التجويع و القتل و اللجوء, لا رجوع عن إسقاط هذا النظام و عن كل أشكاله و استنساخاته و حلوله. لا رجعة, لأن ذلك يعني ضياع للذات السورية و للكرامة السورية لعقود طويلة خاصة بعد دفعه فاتورة قلما دفعها شعب ثائر من شعوب الأرض.
قد تكون هذه نصيحة أخيرة لأعضاء الائتلاف الشرفاء: لا بد من عملية مصارحة مع الشعب و لا بد من تنظيف الصفوف من المتسلطين و أصحاب المصالح الشخصية و الأجندات اللاوطنية و لا بد من دعوة الأطراف المعارضة الحقيقية و الواعية للانضمام و المشاركة في تشكيل حكومة انتقالية داخل سورية أو من داخل مخيمات اللاجئين السوريين و ضرورة الانتقال للعمل السري داخل الوطن وبين الناس و بحمايتهم على أن تكون هذه الحكومة بصلاحيات محددة و واضحة و مؤقتة لا تملك مسؤولية تقديم التنازلات أو التوقيع على اتفاقيات ملزمة لأي كان.
رغم حاجة الثورة و الشعب السوري للقيادة السياسية لكن من حسن الحظ أن لا أحد يستطيع أن يقيدهما بالتزامات أو اتفاقيات تحد من حريتهما و قدراتهما على إعادة بناء سورية من جديد بعد سقوط النظام, لكن نعود و نؤكد أن المعركة العسكرية مع النظام لا يمكن تحقيق انتصار لها بدون قيادة قوية وطنية واعية و مؤمنة بأن مهامها تتحول لحماية الوطن و المواطن دون التدخل بالحياة السياسية لسورية الجديدة و الأهم عدم ارتهانها لأي ممول أو أجندات لاوطنية.
نناشد في ذلك جميع الوطنيين السوريين الأحرار من رجال أعمال و أثرياء و مغتربين بالعمل بشكل جدي و عملي على تمويل الثورة و مكوناتها بمال سوري وطني فسوريا هي الاستثمار الأكبر و الأكثر وطنية و إنسانية و اقتصادية لأن سورية تمتلك كل مقومات الدول الواعدة بالنهوض الاقتصادي و العلمي و الحضاري بعد انتصار هذه الثورة, ثورة بكل المعايير هي ثورة يتيمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تشهد انتخابات رئاسية يوم الجمعة 28 يونيو والمرشحون يتق


.. الاعتداء على داعمين لفلسطين اعتصموا بمركز تجاري بالسويد




.. تقرير حالة انعدام الأمن الغذائي: 96% من سكان غزة يواجهون مست


.. مصادر العربية: إطلاق النار في محج قلعة أثناء القبض على من سا




.. -إيرباص- تُعاني بسبب الإمداد.. والرئيس التنفيذي للشركة يتوقع